وذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ كلام الفلاسفة يرجع إلى الفرق الذاتيبينهما، فإنّه قال: الفرق بين المشتقّ ومبدئه مفهوماً أنّه بمفهومه لا يأبى عنالحمل على ما تلبّس بالمبدء، ولا يعصي عن الجري عليه، لما هما عليه منالاتّحاد، بخلاف المبدء، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك، بل إذا قيس ونسب إليه كانغيره، لا هو هو، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتّحاد والهوهويّة،وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما، من أنّ المشتقّ يكونلا بشرط، والمبدء يكون بشرط لا، أي يكون مفهوم المشتقّ غير آبٍ عنالحمل ومفهوم المبدء يكون آبياً عنه(1).
وصاحب الفصول رحمهالله حيث توهّم أنّ مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذينالاعتبارين بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجيّة مع حفظ مفهوم واحدأورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك، لأجل امتناع حمل العلم والحركة علىالذات وإن اعتبرا لا بشرط، وغفل عن أنّ المراد ما ذكرنا، كما يظهر منهم منبيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادّة والصورة، فراجع(2)، إنتهى كلامه.
نقد ما فسّر به صاحب الكفاية كلام مشهور الفلاسفة في المقام
مرادهم هو الفرق الحقيقي بين المشتقّ ومبدئه خلاف صريح كلامهم.
فالمحقّق الاصفهاني رحمهالله حكى منهم في حاشيته على الكفاية كلامين صريحينفي أنّ مرادهم من «لا بشرط» و«بشرط لا» أمران اعتباريّان، لا ذاتيّان:
كلام العلاّمة الدواني حول الفرق بين المشتقّ ومبدئه
1ـ ما نقله عن المحقّق الدواني رحمهالله بقوله: المحكيّ عن العلاّمة الدوانيأنّه لا فرق بين المشتقّ ومبدئه الحقيقي(1) دون مبدئه المشهوري وهو المصدرإلاّ بالاعتبار، وقد صرّح بخروج الذات والنسبة معاً عن مداليل المشتقّات،فإنّه قال في تعليقاته على شرح التجريد للقوشجي ـ في مقام الردّ على من زعمأنّ الأجزاء المحمولة لا تكون مفهومات المشتقّات، لاشتمالها على النسبة ـ ملفظه:
التحقيق أنّ معنى المشتقّ لا يشتمل على النسبة بالحقيقة، فإنّ معنى الأبيضوالأسود ونظائرهما ما يعبّر عنه في الفارسيّة بـ «سفيد وسياه» وأمثالهما، ولمدخل في مفهومهما للموصوف لا عامّاً(2) ولا خاصّاً، إذ لو دخل في مفهومالأبيض «الشيء» كان معنى قولنا: «الثوب الأبيض» الثوب الشيء الأبيض(3)،
- (1) المبدء الحقيقي هو المادّة غير المتحصّلة مثل «ض ـ ر ـ ب» والمبدء المشهوري هو المصدر. م ح ـ ى.
- (2) المراد بالعامّ مفهوم «الشيء» وبالخاصّ مصداقه. م ح ـ ى.
- (3) حقّ العبارة أن يقال: «الشيء الذي له البياض». منه مدّ ظلّه.
ج1
ولو دخل فيه «الثوب» بخصوصه كان معناه الثوب الثوب الأبيض(1)، وكلاهممعلوما الانتفاء(2).
كلام صدر المتألّهين في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
2ـ ما حكاه عن صدر المتألّهين في الشواهد الربوبيّة، وهو أنّ مفهوم المشتقّعند جمهور علماء الكلام متحصّل من الذات والصفة والنسبة، وعند بعضالمحقّقين هو عين الصفة، لاتّحاد العرض والعرضي عنده بالذات، والفرق بكونالصفة عرضاً غير محمول إذا اُخذ في العقل بشرط لا شيء، وعرضيّاً محمولإذا اُخذ لا بشرط(3).
كلام آخر للمحقّق الدواني في اتّحاد المشتقّ ومبدئه
ويؤيّد كون الفرق بين المشتقّ ومبدئه بمجرّد الاعتبار عند أهل المعقول محكاه الحكيم السبزواري رحمهالله في حاشية الأسفار عن العلاّمة الدواني على ما فيحاشية الكفاية للمحقّق الاصفهاني رحمهالله ، فإنّه قال:
نقل عنه(4) بعض(5) المحقّقين وجهين آخرين:
أحدهما: أنّا إذا رأينا شيئاً أبيض فالمرئي بالذات هو البياض، ونحن نعلمبالضرورة أنّا قبل ملاحظة أنّ البياض عرض والعرض لا يوجد قائماً بنفسهنحكم بأنّه بياض وأبيض، ولو لا الاتّحاد بالذات بين الأبيض والبياض لم
- (1) حقّ العبارة أن يقال: «الثوب الذي له البياض». منه مدّ ظلّه.
- (2) نهاية الدراية 1: 221.
- (3) نهاية الدراية 1: 227.
- (4) أي عن العلاّمة الدواني رحمهالله . م ح ـ ى.
- (5) هو الحكيم السبزواري رحمهالله . م ح ـ ى.