(صفحه338)
ما عدّه قاطعاً لها مثل التكلّم والضحك والبكاء، فلذلك تكون هذه الأعمالمحرّمة على المصلّي، ولو سلّم ظهور تلك الأخبار في أنّ الصلاة حالة خاصّةغير الأجزاء فلابدّ من حملها على خلاف الظاهر بقرينة ما سبق من فهمالعرف.
وأمّا صدق قولنا: «فلان شرع في الصلاة» وأمثاله فهو لكون الصلاة مركّبةمن الأجزاء المتدرّجة الوجود، لا لأنّها أمر سوى الأجزاء يوجد بالشروعفيها ويبقى إلى أن تتمّ، على أنّ هذا خلاف ما يفهم العرف من الصلاة كما تقدّم.
تصوير الجامع من قبل الإمام«مدّ ظلّه»
بقي الكلام في الجامع الذي صوّره سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»، فإنّهقال:
وأمّا المختار فيتوقّف بيانه على تقديم مقدّمة، وهي:
أنّ محطّ البحث للأعلام إنّما هو تصوير جامع كلّي قابل للانطباق علىالأفراد المختلفة كيفاً وكمّاً، فحينئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة على مرتبةعروض الصحّة والفساد عليه، لما عرفت سابقاً من أنّهما من عوارض وجودالعبادات خارجاً.
وتوهّم كونهما من الاُمور الإضافيّة بحيث يجوز أن تكون ماهيّة صحيحةمن حيثيّة وفاسدة من اُخرى كما ترى، بل هما من الاُمور المتضادّة وبينهمتقابل التضادّ كما مرّ. نعم، ربما يكون ماهيّة موجودة من الطبائع الحقيقيّةبعضها فاسد بقول مطلق وبعضها صحيح كذلك، وذلك مثل البطّيخ الذي فسدنصفه وبقى الآخر صحيحاً، ولكنّ الصلاة إذا فقدت بعض أجزائها أو شرائطهلا تتّصف بالصحّة والفساد لا بهذا المعنى ولا بالمعنى الإضافي، بل هذه الصلاة
ج1
الموجودة مع فقدان بعض شروطها أو وجود بعض موانعها فرد من الصلاةعرضها الفساد فقط في الخارج، وليست بصحيحة، كما أنّها لا تكون صحيحةمن جهة وفاسدة من اُخرى، ولا صحيحة في النصف وفاسدة في النصفالآخر.
ومن ذلك يظهر لك أنّ بعض ما هو من الشرائط ويكون دخيلاً في اتّصافهبالصحّة خارجاً، غير داخل في محطّ البحث، لما عرفت من أنّ البحث فيالمرتبة المتقدّمة على الوجود الخارجي، وما يعرضه من الصحّة ومقابلها. وعلىهذا لا مناص عن الاعتراف بكون الموضوع له أمراً ينطبق على مقالةالأعمّي، لما علمت من أنّ الماهيّة التي وضعت لها لفظ «الصلاة» إذا وجدت فيالخارج مجرّدة عن تلك الشرائط التي عرفت خروجها عن الموضوع له،تتّصف لا محالة بالفساد، ولا يمكن اتّصافها بالصحّة في هذا الحال، فلا تكونالماهيّة الموضوع لها الصلاة متّصفة في الخارج بالصحّة دائماً، وهذا بعينه مقالةالأعمّي وإن كان لفظه قاصراً عن إفادته.
وقد تقدّم أنّ النزاع ليس في وضع هذه الألفاظ لمفهومي الصحيح والأعمّ،ولا للماهيّة المتقيّدة بمفهوم الصحّة، بل لا يمكن الوضع لماهيّة ملازمة لها، لأنّمفهوم الصحّة وحقيقتها غير لازمين للماهيّة، لأنّها من عوارض الوجود، كمأنّه لا يمكن وضعها لماهيّة إذا وجدت في الخارج كانت صحيحة، لما عرفتآنفاً من خروج بعض شروط الصحّة من حريم النزاع، فظهر من ذلك كلّه أنّالماهيّة الموضوع لها الصلاة لا تكون ملازمة للصحّة، وكذلك سائر ما أشبهها،فلا مجال حينئذٍ للنزاع إلاّ مع إلغاء عنواني «الصحيح» و«الأعمّ» ويقال: هلالألفاظ موضوعة لماهيّة تامّة للأجزاء والشرائط الكذائيّة أو ما هو ملازم لهأو لا، ولعلّ نظر القوم ذلك، لكن تخلّل الصحيح والأعمّ لسهولة التعبير، فتدبّر.
(صفحه340)
وإذ قد عرفت ذلك: فاعلم أنّ المركّبات الاعتباريّة إذا اشتملت على هيئةومادّة يمكن أن يؤخذ كلّ منهما في مقام الوضع لا بشرط، لا بمعنى لحاظهكذلك، فإنّه ينافي اللابشرطيّة، بل بمعنى عدم اللحاظ في مقام التسمية إلاّ للمادّةوالهيئة بعرضهما العريض، وذلك كالمخترعات من الصنايع المستحدثة، فإنّمخترعها بعد أن أحكمها من موادّ مختلفة وألّفها على هيئة خاصّة، وضع لهاسم الطيّارة أو السيّارة أو ما أشبههما، ولكن أخذ كلاًّ من موادّها وهيئاتها لبشرط، ولذا ترى أنّ تكامل الصنعة كثيراً ما يوجب تغييراً في موادّها أوتبديلاً في شأن من شؤون هيئتها، ومع ذلك يطلق عليها اسمها كما في السابق،وليس ذلك إلاّ لأخذ الهيئة والمادّة لا بشرط، أي عدم لحاظ مادّة وهيئةخاصّة فيها.
توضيح الكلام: أنّ المركّبات الاعتباريّة على قسمين: قسم يكون الملحوظفيه كثرة معيّنة، كالعشرة، فإنّها واحدة في قبال العشرين والثلاثين، لكنلوحظ فيها كثرة معيّنة، بحيث تنعدم بفقدان واحد منها، فلا يقال للتسعة:عشرة، وقسم آخر يكون فيه قوام الوجود الاعتباري بهيئته وصورتهالعرضيّة ولم يلحظ فيه كثرة معيّنة في ناحية المادّة، بحيث ما دام هيئتهوصورتها العرضيّة موجودة يطلق عليها اللفظ الموضوع، وإن تقلّل موادّها أوتكثّرت أو تبدّلت، وإن شئت قلت: إنّ الهيئة قد ابتلعت هذه الموادّ والأجزاء،وصارت مقصودة في اللحاظ، كما في مثال السيّارة بالنسبة إلى هيئتها القائمةبأجزائها، هذا حال المادّة.
وأمّا الهيئة فقد تلاحظ بنحو التعيّن، واُخرى بنحو اللابشرط مثل مادّتهبعرضها العريض كما مرّ.
ج1
والحاصل: أنّ المركّبات غير الحقيقيّة قد تؤخذ موادّها فانية في هيئاتهويقصر النظر إلى الهيئات، ومع ذلك تؤخذ الهيئة أيضاً لا بشرط، وذلك مثلالدار والسيّارة والبيت ونحوها التي يشار إليها بلفظ واحد إلى جامع عرضيبين أفرادها بعد فقدان الجامع الحقيقي المؤلّف من الجنس والفصل فيها،وبالجملة لا يمكن الإشارة إلى الجامع بينها إلاّ بعناوين عرضيّة، كالعبادةالخاصّة في الصلاة، والمركوب الخاصّ أو المسكن الخاصّ في مثل السيّارةوالدار والبيت، فإذن البيت بيت، سواء أخذ موادّه من الحجر والطين، أو منالجصّ والخزف، بني على هيئة المربّع أو المثلّث أو غيرهما، إذ الواضع وضعهذا اللفظ لهيئة مخصوصة تكون الموادّ فانية فيها، ومع ذلك لم يلحظ الهيئةأيضاً معيّنة من جميع الجهات.
إذا عرفت هذا، فنقول: إنّه لا منع عن القول بكون الصلاة وأضرابهموضوعة لنفس الهيئة اللابشرطيّة الموجودة في الفرائض والنوافل، قصرهوتمامها وما وجب على الصحيح والمريض بأقسامها، إلاّ بعض المراتب التي لتكون صلاة، كصلاة الغرقى.
والحاصل: أنّها وضعت لهيئة خاصّة مأخوذة على النحو اللابشرط فانيةفيها موادّها الخاصّة، من ذكر وقرآن وركوع وسجود، تصدق على الميسورمن كلّ واحد منها، وهيئتها صورة اتّصاليّة خاصّة حافظة لمادّتها، اُخذت لبشرط في بعض الجهات.
نعم، فرق بينها وبين ما تقدّم من الأمثلة، كالدار والسيّارة، حيث إنّه فيالمقام نحو تضييق في الموادّ من التكبير إلى التسليم، إلاّ أنّه مع ذلك التحديد لهعرض عريض، إذ كلّ واحد من أجزاء موادّها مثل الركوع والسجود جزء
(صفحه342)
بعرضه العريض، ولكنّ الغرض متوجّه إلى الهيئة الخضوعيّة التي تصدق علىفاقد الحمد والتشهّد وغيرهما من الأجزاء مع بقاء ما يحفظ به صورتها(1).
إنتهى كلامه«مدّ ظلّه».
نقد نظريّة الإمام«مدّ ظلّه» حول الجامع
ويمكن المناقشة فيه بأنّه كيف يمكن القول بعدم كون صلاة الغريق صلاةًوالالتزام بإعمال العناية والتجوّز في إطلاقها عليها؟!
على أنّ تصوير الجامع بهذه الكيفيّة لو تمّ لانطبق على مقالة الأعمّي كماعترف به نفسه«مدّ ظلّه».
التحقيق حول مسألة الجامع
والحقّ: أنّه لابدّ من تحقّق جامع في البين يتصوّره الشارع، لكن تصويرهوالعلم به بالنسبة إلينا ليس بلازم(2)، إذ لا يترتّب عليه غرض أصلاً، فإنّالغرض المذكور في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله إنّما هو إثبات قول الصحيحيوإبطال قول الأعمّي، حيث إنّ الصحيحي على زعمه يقدر على تصويرالجامع، بخلاف الأعمّي، فيعلم أنّ الموضوع له خصوص الصحيح.
وفيه أوّلاً: أنّ ما ذكره القائلون بالصحيح من تصوير الجامع أيضاً كانمخدوشاً كما عرفت.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 106.
- (2) لا يخفى الفرق بين كلام الاُستاذ«مدّ ظلّه» وما تقدّم من المحقّق النائيني رحمهالله ، فإنّه قال بعدم لزوم تصويرالجامع حتّى بالنسبة إلى الشارع، بخلاف الاُستاذ، فإنّه«مدّ ظلّه» ذهب إلى لزوم تصويره بالنسبة إليه، إلاّ أنّهبالنسبة إلينا غير لازم. م ح ـ ى.