ج1
وضع اللفظ لذات المعنى خالياً من أيّ قيد وإن كان الواضع واحداً فضلاً عمّإذا كان متعدّداً.
وثانياً: أنّ الذي يوجب التجوّز إنّما هو استعمال اللفظ الموضوع للكلّ فيالجزء إذا كان للكلّ تركّب خارجي، كإطلاق الأصابع وإرادة الأنامل، وليبعد شموله للمركّبات العقليّة الملحوظة من قبل الواضع، كإطلاق الإنسانوإرادة الحيوان أو الناطق.
وأمّا المقيّد ـ وهو الذي يكون القيد خارجاً عنه والتقيّد داخلاً، ولا يكونفيه التركّب من ذات المقيّد والتقيّد إلاّ بتعمّل من العقل من دون ملاحظته منقبل الواضع ـ فإطلاق لفظه وإرادة ذاته مع قطع النظر عن القيد لا يستلزمالتجوّز، فإنّ ظاهر كلام البيانيّين اختصاص التجوّز بالقسمين الأوّلين لو لمنقل باختصاصه بالأوّل، وهو التركّب الخارجي فقط.
نقد ما أورده المحقّق الخراساني رحمهالله على صاحب المعالم
وأورد عليه صاحب الكفاية رحمهالله بوجه آخر، وهو أنّ قيد الوحدة لو كانمعتبراً في الموضوع له لما جاز الاستعمال في الأكثر أصلاً، لأنّ الأكثر ليسجزء المقيّد بالوحدة، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء والشيء بشرط لا،كما لا يخفى(1).
ولكنّه غير وارد على صاحب المعالم رحمهالله ، لأنّه من قبيل خلط المفهومبالمصداق، فإنّ البحث ليس في مفهوم الأكثر، بل في مصداقه، وبعبارة اُخرىليس البحث في استعمال اللفظ في المجموع، بل فيما إذا استعمل في أكثر من معنى
(صفحه408)
واحد على سبيل الانفراد والاستقلال، بأن يراد منه كلّ واحد كما إذا لميستعمل إلاّ فيه(1) كما صرّح به في الكفاية.
كلام صاحب المعالم في التثنية والجمع
واستدلّ صاحب المعالم رحمهالله على كون الاستعمال حقيقةً في التثنية والجمعبأنّهما في قوّة تكرير المفرد بالعطف، والظاهر اعتبار الاتّفاق في اللفظ دونالمعنى في المفردات، ألا ترى أنّه يقال: زيدان وزيدون وما أشبه هذا مع كونالمعنى في الآحاد مختلفاً، وتأويل بعضهم له بالمسمّى تعسّف بعيد، وحينئذٍ فكمأنّه يجوز إرادة المعاني المتعدّدة من الألفاظ المفردة المتّحدة المتعاطفة على أنيكون كلّ واحد منها مستعملاً في معنى بطريق الحقيقة، فكذا ما هو فيقوّته(2)، إنتهى كلامه.
نقد كلام صاحب المعالم من قبل المحقّق الخراساني رحمهالله
وأورد عليه صاحب الكفاية بأنّ التثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار فياللفظ إلاّ أنّ الظاهر أنّ اللفظ فيهما كأنّه كرّر واُريد من كلّ لفظ فرد من أفرادمعناه، لا أنّه اُريد منه معنى من معانيه، فإذا قيل مثلاً: «جئني بعينين» اُريدفردان من العين الجارية، لا العين الجارية والعين الباكية، والتثنية والجمع فيالأعلام إنّما هو بتأويل المفرد إلى المسمّى بها(3).
مع أنّه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتّحاد في اللفظ في استعمالهما حقيقةً
- (1) هذا نظير العامّ الاستغراقي، والأوّل نظير العامّ المجموعي. م ح ـ ى.
- (2) معالم الدِّين وملاذ المجتهدين: 40.
- (3) «به» صحيح ظاهراً. م ح ـ ى.
ج1
بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقةً لما كانهذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر، لأنّ هيئتها(1) إنّما تدلّ على إرادة المتعدّدممّا يراد من مفردهما، فيكون استعمالهما وإرادة المتعدّد من معانيه استعمالاً لهمفي معنى واحد كما إذا استعملا واُريد المتعدّد عن معنى واحد منهما(2) كملا يخفى.
نعم، لو اُريد مثلاً من عينين فردان من الجارية وفردان من الباكية كان مناستعمال العينين في المعنيين، إلاّ أنّ حديث التكرار لا يكاد يجدي في ذلكأصلاً، فإنّ فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضاً، ضرورة أنّ التثنية عنده إنّمتكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة، والفرق بينها وبين المفرد إنّما يكون فيأنّه موضوع للطبيعة وهي موضوعة لفردين منها أو معنيين كما هو أوضح منأن يخفى(3)، إنتهى كلامه.
توضيح: لا يخفى عليك أنّ الإشكال الثاني(4) يختصّ بالتثنية، حيث إنّهلا تدلّ إلاّ على إثنين، فإذا استعملت في أربع كان من قبيل استعمالهفي أكثر من معناها، بخلاف الجمع، فإنّه لا يوقف على عدد خاصّ حتّىيقال: استعماله في أكثر من ذلك العدد كان استعمالاً في أكثر من معنى واحد، فليعقل استعمال الجمع في الأكثر أصلاً، فالإشكال الثاني يختصّ بالتثنية كما هوظاهر كلامه حيث مثّل بها وتمركز بحثه فيها من قوله: «نعم» إلى آخرالإشكال.
- (1) «هيئتهما» صحيح ظاهراً. م ح ـ ى.
- (2) «منها» صحيح ظاهراً. م ح ـ ى.
- (4) وهو قوله: «مع أنّه لو قيل بعدم التأويل» إلخ. م ح ـ ى.
(صفحه410)
نقد كلام صاحبي الكفاية والمعالم رحمهماالله
ويمكن المناقشة فيما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله أخيراً بأنّه لو اُريد من تثنيةالعين مثلاً فردان من الجارية وفردان من الباكية لم يكن من قبيل استعمالها فيالمعنيين، بل من قبيل استعمال المفرد فيهما، فإنّ علامة التثنية وهي الألف أوالياء مع النون إنّما تدلّ على إثنين ممّا اُريد من مفردها، ففي الفرد المذكور اُريدمن العين، العين الباكية والعين الجارية، وعلامة التثنية الملحقة بها لا تدلّ إلعلى تضاعف ما اُريد من المفرد، وهذا أصل معنى التثنية لا أكثر منه(1).
وبه قد انقدح فساد ما ذهب إليه صاحب المعالم رحمهالله من جواز استعمال التثنيةوالجمع في الأكثر حقيقةً، فإنّه لا يتصوّر استعمالهما فيه أصلاً.
وأمّا المفرد فاستعماله في أكثر من معنى قابل للتصوّر، وهو ممكن عقلاً،جائز من قبل الواضع، ويكون بنحو الحقيقة لا المجاز كما تقدّم.
- (1) ولاحظ لتوضيح ذلك قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»الحجرات: 9. فإنّ هيئة التثنية في كلمة «طائفتان» لا تدلّ على الكثرة، بل الدالّ عليها إنّما هو مادّتها، أعني«طائفة»، فالتثنية لا تدلّ إلاّ على تضاعف ما دلّ عليه المادّة، سواء كانت شيئاً واحداً كرجل ورجلين، أوشيئين كعين وعينين إذا اُريد من المفرد العين الباكية والعين الجارية، أو جماعة، كطائفة وطائفتين.منه مدّ ظلّه.
ج1