(صفحه450)
فهو ثبوت شيء لشيء مع عدم ثبوت المثبت له، وهو الموضوع.
قلت: أجاب عنه المحقّق الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله تبعاً لصدرالمتألّهين بأنّ ملاك الحمل في الحمل الشائع وإن كان هو الاتّحاد في الوجود إمّخارجاً، كـ «زيد كاتب» أو ذهناً، كـ «الإنسان نوع» إلاّ أنّ الوجود قد يكونبتّيّاً، كالمثالين، وقد يكون فرضيّاً، مثل «زيد معدوم» و«شريك الباري ممتنع»فإنّا نفرض لزيد وشريك الباري مع كونهما معدومين، وجوداً خارجيّاً ثمّنحكم بكونهما متّحدين مع المعدوم والممتنع في الخارج(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله .
لكن ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره في مقام الجواب عنالإشكال أحسن وأمتن، وهو أنّ مثل هذه القضايا وإن كانت بظاهرهموجبة، إلاّ أنّها في الواقع سالبة محصّلة، فإنّ قولنا: «زيد معدوم» و«شريكالباري ممتنع» كان في الحقيقة بمعنى «زيد ليس بموجود» و«شريك الباريليس بممكن» والسالبة المحصّلة كما تصدق مع انتفاء المحمول تصدق مع انتفاءالموضوع أيضاً(2).
لا يقال: فعلى هذا يكون قولنا: «زيد موجود» أيضاً بمعنى «زيد ليسبمعدوم».
فإنّه يقال: العدم ليس بشيء حتّى يرجع الوجود إليه، بل الأمر بالعكس.
نعم، يمكن ذلك فيما إذا كان الوصفان ضدّين، كالأبيض والأسود، فإنّهمأمران وجوديّان، فنقول للجسم الأبيض: إنّه ليس بأسود وبالعكس، بخلاف
- (1) نهاية الدراية 1: 191.
- (2) تهذيب الاُصول 1: 158.
ج1
المقام، فإنّ الوجود والعدم ونحوهما متناقضان، لكون الأوّل أمراً وجوديّوالثاني عدميّاً، فالثاني عبارة عن عدم الأوّل، لا بالعكس.
وإن أبيت عن رجوع هذه القضايا إلى السالبة المحصّلة فيمكن الجواب عنالإشكال بوجه آخر، وهو أنّ قاعدة الفرعيّة إنّما تجري في خصوص ما إذا كانللمحمول واقعيّة وتحقّق، حتّى يصدق ثبوت شيء لشيء، بخلاف المقام الذيلا يصدق على المحمول عنوان الشيء أصلاً.
(صفحه452)
السابع: فيما يقتضيه الأصل في المقام
كلام صاحب الكفاية فيه
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوّل عليه عندالشكّ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصيّة مع معارضتها(1) بأصالة عدمملاحظة العموم لا دليل(2) على اعتبارها في تعيين الموضوع له(3)، إنتهى.
هذا بالنسبة إلى المسألة الاُصوليّة.
ثمّ إنّه رحمهالله قال في مقام تعيين الوظيفة العمليّة في الفروع الفقهيّة:
وأمّا الأصل العملي فيختلف في الموارد، فأصالة البراءة في مثل «أكرم كلّ
- (1) لأنّ الخاصّ وإن لم يكن بحسب المصداق مبايناً للعامّ، بل هو هو مع خصوصيّة زائدة، ولذا نقول:«النسبة بينهما هي العموم والخصوص مطلقاً» إلاّ أنّه مباين له بحسب المفهوم، لأنّ المفاهيم كلّها في حدّمفهوميّتها متباينات، فلا يمكن القول بأنّ الخاصّ هو العامّ مع زيادة مشكوكة في المقام، فتجري فيهأصالة العموم. منه مدّ ظلّه في توضيح كلام صاحب الكفاية رحمهالله .
- (2) أمّا بناء العقلاء فلعدم ثبوت بنائهم على أصالة العدم في جميع موارد الشكّ في الوجود. نعم، يمكندعوى ثبوت بنائهم في بعضها، مثل الشكّ في وجود قرينة المجاز.
وأمّا الاستصحاب فلعدم جواز التمسّك به في المقام إلاّ على القول بالأصل المثبت، لأنّه ليس عدملحاظالخاصّ أمراً مجعولاً ولا له أثر مجعول. نعم، له لازم عقلي، وهو ملاحظة العموم. منه مدّ ظلّه فيتوضيح كلام صاحب الكفاية رحمهالله .
ج1
عالم» يقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى عنه المبدء قبل الإيجاب، كما أنّقضيّة الاستصحاب وجوبه لو كان الإيجاب قبل الانقضاء(1)، إنتهى.
نقد نظريّة صاحب الكفاية في المسألة
وأورد عليه بعض الأعلام بأنّ الاستصحاب لا يجري في الفرض الأخيرأيضاً، وأنّه مجرى أصالة البراءة كالأوّل، لعدم جريان الاستصحاب في الشبهةالمفهوميّة لا حكماً ولا موضوعاً، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري رحمهالله في أواخرالاستصحاب من رسائله.
أمّا الأوّل ـ وهو استصحاب بقاء الحكم ـ فلاعتبار وحدة القضيّة المتيقّنةمع المشكوك فيها موضوعاً ومحمولاً في جريان الاستصحاب، ضرورة أنّه ليصدق نقض اليقين بالشكّ مع اختلاف القضيّتين موضوعاً أو محمولاً، وحيثإنّ في موارد الشبهات المفهوميّة لم يحرز الاتّحاد بين القضيّتين لا يمكن التمسّكبالاستصحاب الحكمي، فإذا شكّ في بقاء وجوب صلاة العصر، أو الصوم بعداستتار القرص وقبل ذهاب الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس(2) من جهة الشكّفي مفهوم المغرب، وأنّ المراد به هو الاستتار أو ذهاب الحمرة؟ فعلى الأوّلكان الموضوع وهو «جزء النهار» منتفياً، وعلى الثاني هو كان باقياً، وبما أنّا لمنحرز بقاء الموضوع فلم نحرز الاتّحاد بين القضيّتين، وبدونه لا يمكن جريانالاستصحاب.
وأمّا الثاني ـ وهو استصحاب بقاء الموضوع ـ فلعدم الشكّ في انقلاب
- (2) قِمّة الرأس: أعلاه. م ح ـ ى.
(صفحه454)
حادث زماني ليحكم ببقاء المتيقّن، إذ مع قطع النظر عن وضع اللفظ وتردّدمفهومه بين السعة والضيق ليس لنا شكّ في أمر خارجي، فإنّ استتار القرصعن الاُفق حسّي معلوم لنا بالعيان، وذهاب الحمرة غير متحقّق كذلك، فماذيكون هو المستصحب؟
وبعبارة واضحة: إنّ المعتبر في الاستصحاب أمران: اليقين السابقوالشكّ اللاحق مع اتّحاد المتعلّق فيهما، وهذا غير متحقّق في الشبهاتالمفهوميّة، فإنّ كلاًّ من الاستتار وذهاب الحمرة متيقّن فلا شكّ، وإنّما الشكّ فيبقاء الحكم، وفي وضع اللفظ لمعنى وسيع أو ضيّق، وقد عرفت أنّالاستصحاب بالنسبة إلى الحكم غير جارٍ، لعدم إحراز بقاء الموضوع، وأمّبالإضافة إلى وضع اللفظ فقد تقدّم أنّه لا أصل يكون مرجعاً في تعيين السعةأو الضيق.
وما نحن فيه من هذا القبيل بعينه، فإنّ الشبهة فيه مفهوميّة، والموضوع لهمردّد بين خصوص المتلبّس أو الأعمّ منه ومن المنقضي، فالاستصحاب ليجري في الحكم، لعدم إحراز اتّحاد القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، فإنّ المولى إذقال: «أكرم كلّ عالم» وكان زيد متلبّساً بالعلم في حال صدور الحكم، ثمّانقضى عنه قبل الامتثال، فالقضيّة المتيقّنة إنّما هي وجوب إكرام زيد من حيثإنّه عالم، وهذه الحيثيّة ليست محرزة حين الشكّ في الوجوب، وكذلك لا يجريالاستصحاب بالنسبة إلى الموضوع، لعدم الشكّ في شيء خارجاً، لأنّا نقطعبأنّ زيداً كان متلبّساً بالعلم في حال صدور الحكم، وأنّه ليس متلبّساً به حينالامتثال، وإنّما الشكّ في مفهوم «العالم» وأنّه هل وضع لخصوص المتلبّس أوللأعمّ منه ومن المنقضي، وقد عرفت أنّه لا أصل يرجع إليه في تعيين مفهوم