ج1
و«أنكحت وقبلت النكاح» وغيرها مبرزة له، لا أنّها موجدة له.
لا يقال: لو كان اعتبار الملكيّة مثلاً أمراً نفسانيّاً لكان بيع الغاصب العينالمغصوبة مع علمه وعلم المشتري أيضاً بغصبيّته صحيحاً شرعاً وعرفاً،لوجود الاعتبار النفساني، مع أنّ الشارع والعقلاء لا يعتبران ملكيّة المشتريفيما إذا كان المبيع مغصوباً.
فإنّه يقال: لا ملازمة بينهما، إذ المتبايعان قد يعتبران الملكيّة ويبرزانهباللفظ من دون أن يعتبرها الشارع أو العقلاء، ونحن في مقام بيان معنىالإنشاء، لا بيان موارده المعتبرة عند الشرع أوالعقلاء(1).
هذا حاصل كلام بعض الأعلام في المحاضرات.
نقد نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في معنى الإنشاء
وفيه أوّلاً: أنّه خلاف الوجدان، فإنّ الوجدان حاكم بأنّ الزوجين أووكيلهما يوجدان الزوجيّة بلفظ «أنكحت وقبلت النكاح» لا أنّهما يبرزان بهالزوجيّة المتحقّقة في أنفسهما، وكذلك البيع إذا كان إنشائه بالصيغة لا بالمعاطاة.
وثانياً: لو كان الإنشاء هو الاعتبار النفساني واللفظ مبرز له، لرجعالإنشاء إلى الإخبار، فإنّ قول البائع: «بعتك داري بكذا» قاصداً للإنشاءيكون على هذا حاكياً عن الاعتبار النفساني الذي تحقّق قبله ولو آناً واحداً،فلا فرق بينه وبين قوله: «بعت داري أمس» في كون كلّ منهما خبراً وحكايةًعن الأمر الذي وقع قبله، فلا وجه للقول باختلاف المعنى فيهما وأنّه في الجملةالخبريّة شيء وفي الجملة الإنشائيّة شيء آخر كما قال به في المحاضرات.
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 99.
(صفحه216)
وأمّا البرهان الذي أقامه على مدّعاه، ففيه: أنّا نريد الإيجاد الاعتباري.
وقوله: يكفي في ذلك نفس الاعتبار النفساني من دون حاجة إلى اللفظوالتكلّم به، لا يدلّ على أزيد من إمكان تحقّق الإنشاء بدون اللفظ، ونحنأيضاً نقول به، ولكن إمكان الشيء لا يستلزم وقوعه، ففي المقام(1) وإن أمكنتحقّق الإنشاء بالاعتبار النفساني من دون وساطة لفظ أصلاً، إلاّ أنّه لم يقع، بليتحقّق الإنشاء بتوسّط اللفظ.
المقام الثاني: في حقيقة الإنشاء
مسلك المشهور في المقام
ذهب المشهور إلى أنّ الاُمور الاعتباريّة كالملكيّة كما تتحقّق بسبب أمراختياري، كالحيازة المؤثّرة في ملكيّة الحائز للمحوز، أو قهري، كالموت المؤثّرفي ملكيّة الورثة للتركة، كذلك قد تتحقّق باللفظ، مثل قول المتبايعين: «بعتوقبلت» فإنّ الشارع والعقلاء كما يعتبران الملكيّة للحائز والوارث عقيبالحيازة وموت المورّث، كذلك يعتبرانها عقب صيغة البيع أيضاً، فتتحقّقالملكيّة في وعائها الذي هو عالم الاعتبار، فحقيقة الإنشاء اللفظي «استعمالاللفظ فيالمعنىليعتبرهالشارعوالعقلاء» فيتحقّق فيعالمالاعتبار الذيهو وعائه.
نقد نظريّة المشهور في حقيقة الإنشاء
وفيه: أنّه لا يشمل مثل بيع الغاصب مع علمه وعلم المشتري بالغصبيّة،لعلمهما بعدم اعتبار الشارع والعقلاء الملكيّة، فلم يتمشّ منهما استعمال
- (1) وهو الإنشاءات اللفظيّة، لا المعاطاتيّة. م ح ـ ى.
ج1
اللفظ في المعنى بداعي اعتبارهما إيّاه، فلا يعمّه التعريف مع كونه إنشاءًبلا إشكال.
ويمكن أن يرد عليه أيضاً أنّه لا يعمّ إنشاء الطلب، لأنّ الطلب أمر واقعيوعائه الخارج أو الذهن، فإنّ الوصف القائم بنفس الطالب طلب خارجي،ومفهوم الطلب الحاضر في الذهن طلب ذهني، فهو من الواقعيّات، ولا يمكنتحقّق الاُمور الواقعيّة بالإنشاء، ألا ترى أنّ الإنسان لا يمكن أن يوجد بوجودإنشائي، فلا يعمّ التعريف إنشاء الطلب مثل «اضرب».
ولكن يمكن الجواب عنه بأنّه لا ضير فيه، فإنّ الصيغ الدالّة على الطلبللحكاية عن الطلب الخارجي، لا لإنشاء الطلب.
مقالة صاحب الكفاية رحمهالله حول ماهيّة الإنشاء
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله ـ في مبحث الأوامر من الكفاية وفي أوّل فوائدهالمطبوعة في آخر الحاشية ـ إلى أنّ لنا وراء الوجود العيني والذهني والكتبيواللفظي وجوداً خامساً، وهو الوجود الإنشائي، فالإنشاء هو «القول الذييقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر»(1) لا الحكاية عن ثبوته وتحقّقه في موطنهمن ذهن أو خارج.
إن قلت: الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد، فبِمَ يتشخّص الوجود الإنشائي؟
قلت: تشخّص هذا النحو من الوجود إنّما هو بشخص المنشئ وشخصلفظه(2).
- (1) المراد بنفس الأمر أعمّ من الواقع، لأنّها كما تعمّ الواقعيّات تعمّ الاعتباريّات أيضاً. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي شخص لفظ المنشئ. م ح ـ ى.
(صفحه218)
فلو تلفّظت بقولك: «بعت» في مقام الإنشاء لتحقّق وجود إنشائي للملكيّة،ولو تلفّظت به ثانياً أو تلفّظ به شخص آخر لتحقّق لها وجود إنشائي آخر(1).
نقد مسلك المحقّق الخراساني رحمهالله حول حقيقة الإنشاء
وفيه: ـ مضافاً إلى ما سيأتي من الإشكال في تحقّق وجود إنشائي لمثلالطلب من الاُمور الواقعيّة(2) ـ أنّ كلامه يستلزم أن يكون للعقلاء في البيعالجامع لشرائطه اعتباران: اعتبار الوجود الإنشائي للملكيّة، واعتبارالملكيّة(3)، وهو خلاف الوجدان، لأنّا لا نجد لهم إلاّ اعتباراً واحداً، وهواعتبار الملكيّة فقط. هذا.
كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وللمحقّق الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله بيان آخر في المقام، ويدّعي أنّكلام صاحب الكفاية أيضاً يحمل عليه، فإليك عين بيانه:
قوله: وأمّا الصيغ الإنشائيّة فهي على ما حقّقناه في بعض فوائدنا موجدة
- (1) كفاية الاُصول: 87 ، والفوائد «المطبوعة في آخر حاشية فرائد الاُصول»: 285.
- (2) توضيحه: أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله عدل عن مسلك المشهور في حقيقة الإنشاء إلى ما اختاره من أنّالإنشاء «هو القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر» ليعمّ مثل بيع الغاصب وإنشاء الطلب، فليرد عليه ما أورد عليهم.
وهو وإن كان حقّاً بالنسبة إلى مسألة بيع الغاصب، إلاّ أنّه لا يصحّ بالنسبة إلى إنشاء الطلب، فإنّ الاُمورالواقعيّة لا يمكن إيجادها بوجود إنشائي، وإن ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى إمكانه في مبحثالأوامر، والبحث معه من هذه الجهة موكول إلى ذلك المبحث. م ح ـ ى.
- (3) وعليه فلا يخرج بيع الغاصب لنفسه عن تعريف الإنشاء، لأنّ العقلاء وان لا يعتبروا فيه الملكيّة، إلاّ أنّهميعتبرون وجودها الإنشائي بالصيغة الجارية على فم الغاصب. م ح ـ ى.
ج1
لمعانيها في نفس الأمر(1) إلخ.
بل التحقيق أنّ وجودها وجود معانيها في نفس الأمر، بيانه أنّ المراد منثبوت المعنى باللفظ إمّا أن يراد ثبوته بعين ثبوت اللفظ بحيث ينسب الثبوتإلى اللفظ بالذات وإلى المعنى بالعرض، وإمّا أن يراد ثبوته منفصلاً عن اللفظبآليّة اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى كلّ منهما بالذات، لا مجال للثاني، إذالوجود المنسوب للماهيّات بالذات منحصر في العيني والذهني، وسائر أنحاءالوجود من اللفظي والكتبي وجود بالذات للّفظ والكتابة، وبالجعل والمواضعةوبالعرض للمعنى، ومن الواضح أنّ آليّة وجود اللفظ وعلّيّته لوجود المعنىبالذات لابدّ من أن يكون في أحد الموطنين من الذهن والعين، ووجود المعنىبالذات في الخارج يتوقّف على حصول مطابقه في الخارج أو مطابق ما ينتزععنه، والواقع خلافه، إذ لا يوجد باللفظ موجود آخر يكون مطابقاً للمعنى أومطابقاً لمنشأ انتزاعه، ونسبة الوجود بالذات إلى المعنى مع عدم وجود مطابقهأو مطابق منشأه غير معقول، ووجوده في الذهن بتصوّره لا بعلّيّة اللفظلوجوده الذهني، والانتقال من سماع الألفاظ إلى المعاني لمكان الملازمة الجعليّةبين اللفظ والمعنى، مع أنّ ذلك ثابت في كلّ لفظ ومعنى ولا يختصّ بالإنشائي،فالمعقول من وجود المعنى باللفظ هو الوجه الأوّل، وهو أن ينسب وجودواحد إلى اللفظ والمعنى بالذات في الأوّل وبالعرض في الثاني، وهو المراد منقولهم: «إنّ الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر».
وإنّما قيّدوه بنفس الأمر مع أنّ وجود اللفظ في الخارج وجود للمعنى فيه