(صفحه254)
بالنسبة إلى نفسه، لاستلزامه اتّحاد الدالّ والمدلول.
فإنّه يقال: إنّ اللفظ هنا لم يستعمل في الأفراد أصلاً، بل في الكلّي الذيينطبق على الأفراد، ومنها شخص اللفظ الملفوظ به، فكلّ فرد سواء كان هذالشخص أو الأفراد الاُخرى مصداق للمستعمل فيه لا نفسه.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ إطلاق اللفظ صحيح في جميع الأقسامالأربعة وإن لم يصدق عليه الحقيقة ولا المجاز، لكن لا يتحقّق الاستعمال فيما إذاُطلق واُريد به شخصه ويتحقّق في سائر الأقسام.
ج1
(صفحه256)
في دخل الإرادة في معاني الألفاظ
الأمر الخامس
في دخل الإرادة في معاني الألفاظ
اختلفوا في أنّ تعلّق الإرادة بالمعنى هل هو داخل فيما وضع له الألفاظشطراً أو شرطاً أم لا؟
ولابدّ قبل الورود في البحث من بيان أقسام الإرادة وأنّ محلّ النزاع أيّقسم منها، فنقول: الإرادة على أربعة أقسام:
1ـ مفهوم الإرادة وماهيّتها، وهو «الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحوالمراد».
2ـ وجودها الذهني.
3ـ وجودها العيني، وهو الوصف القائم بنفس المريد المؤثّر في تحريكالأعضاء والجوارح، فإنّه موجود في الخارج، لأنّ الوجود الخارجي في كلّشيء بحسبه، وهذا القسم من الإرادة من المعاني الحرفيّة والوجودات الرابطة،لتعلّقها بالطرفين: المريد والمراد.
4ـ وجودها الإنشائي بناءً على اتّحاد الطلب والإرادة، إذ الطلب الإنشائيـ بناءً عليه ـ يكون بعينه هو الإرادة الإنشائيّة.
والظاهر أنّ محلّ النزاع دخلها في المعنى بوجودها الخارجي.
ج1
بيان ما هو الحقّ في المسألة
والحقّ ما ذهب إليه المحقّقون منهم المحقّق الخراساني صاحب الكفاية، منعدم دخالتها فيما وضع له الألفاظ أصلاً.
واستُدِلّ عليه بوجوه:
الأوّل: التبادر، فإنّا إذا سمعنا لفظ «الإنسان» مثلاً يتبادر منه إلى الذهننفس معناه، وهو «الحيوان الناطق» لا هو مع كونه مراداً للاّفظ(1).
الثاني: صحّة الحمل في الجمل، مثل «زيد قائم» بلا تصرّف في ألفاظالأطراف، مع أنّه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صحّ بدونه، لأنّالإرادة المأخوذة في الموضوع غير الإرادة المأخوذة في المحمول(2)، وحيث إنّالتغاير في الجزء أو القيد يوجب التغاير في الكلّ أو المقيّد، فلا يتحقّق بينالموضوع والمحمول الهوهويّة التي هي ملاك الحمل، فلو كانت الإرادة داخلةًفيما وضع له الألفاظ فلابدّ في القضايا الحمليّة إمّا من القول بعدم صحّتها وهوخلاف الضرورة، أو القول بتجريد ألفاظها من الإرادة، وهو أيضاً خلافالوجدان(3).
الثالث: أنّ الإرادة لو كانت داخلةً في المعنى الموضوع له لكان الوضع فيعامّة الألفاظ عامّاً والموضوع له خاصّاً، لمكان اعتبار خصوص إرادةاللافظين فيما وضع له اللفظ، وهو خلاف الوجدان، وخلاف ما صرّحوا به منأنّ الموضوع له في أسماء الأجناس عامّ كالوضع(4).
- (1) نهاية الأفكار للمحقّق العراقي 1 و 2: 64.
- (2) لكونهما شخصين من الإرادة: أحدهما متعلّق باللاّفظ وزيد، والآخر به وبالقائم. م ح ـ ى.
(صفحه258)
برهان من قال بكون الإرادة دخيلةً في الموضوع له
وأهمّ ما استدلّ به الخصم أنّ إرادة اللاّفظ المعنى علّة غائيّة للوضع، والعلّةتوجب تضيّق المعلول، فالإرادة داخلة فيما وضع له اللفظ.
وتوضيحه يحتاج إلى تقديم أمرين:
أ ـ أنّ العلّة الغائيّة في الأفعال الاختياريّة وإن كانت بوجودها الخارجيمتأخّرة عن المعلول إلاّ أنّها بوجودها الذهني متقدِّمة عليه مؤثّرة فيه، بل هيأهمّ تأثيراً من سائر العلل، فإنّ كلّ فعل اختياري متوقّف على الإرادة التيمن جملة مقدّماتها التصديق بفائدته، والفائدة هي العلّة الغائيّة، فهي بوجودهالذهني علّة للأفعال الاختياريّة مؤثّرة فيها.
ب ـ أنّ كلّ معلول مضيّق بعلّته، ألا ترى أنّ الحرارة التي تحقّقت بالنار وإنكانت تسمّى الحرارة بقول مطلق، إلاّ أنّها بالنظر الدقيق هي الحرارة التيوجدت بسبب النار، فالعلّة مضيّقة للمعلول.
إذا عرفت هذين الأمرين فنقول في توضيح دعوى الخصم:
غرض الواضع من الوضع إنّما هو سهولة تفهيم المراد وتفهّمه، فإرادةالمتكلِّم المعنى دخيلة في العلّة الغائيّة للوضع، فيتضيّق الموضوع له بها، لمعرفت من تضيّق المعلول بعلّته.
نقد دليل من قال بكون الإرادة دخيلةً في الموضوع له
وفيه: أنّ سهولة التفهيم والتفهّم من نتائج العلّة الغائيّة للوضع لا نفسها،فإنّ الغرض من الوضع إيجاد علقة وضعيّة بين اللفظ والمعنى ليدلّ عليه.
نعم، يترتّب عليه سهولة التفهيم والتفهّم.