فانياً في المعنى، فإنّه إذا صار فانياً في أحد المعنيين لم يبق لفظ لكي يفنى فيالمعنى الثاني، فكيف يمكن الاستعمال في المعنيين والفناء في الاثنين؟!
هذا بالنسبة إلى المتكلّم، وأمّا المخاطب فالأمر بالنسبة إليه بالعكس، فإنّهيتصوّر اللفظ أوّلاً، ثمّ ينتقل منه إلى المعنى، لعدم ارتباطه بالمعنى إلاّ من طريقاللفظ وسماعه، فاللحاظ الاستقلالي بالنسبة إلى المخاطب متعلّق باللفظوالتبعي بالمعنى، ولا ضير فيه أيضاً، إذ لا دليل على استحالة كون المتعدّد تابعللواحد.
3ـ أن يكون المعوّل عليه نفس اللحاظ لا تبعيّته، فإن كان اللحاظ فيناحية المعنى واحداً فلابدّ من كونه في ناحية اللفظ أيضاً واحداً، وإن كان فيناحية المعنى متعدّداً ففي ناحية اللفظ أيضاً كان متعدّداً.
فالملاك في وحدة لحاظ اللفظ وتعدّده هو وحدة المعنى وتعدّده(1).
وفيه: أنّ المتكلّم إذا قال: «رأيت عيناً» وأراد به العين الباكية، ثمّ قال ثانياً:«رأيت عيناً» وأراد به نفس المعنى السابق فلا محالة كان لحاظ اللفظ متعدّدمع كون المعنى واحداً.
فالملاك في تعدّد لحاظ اللفظ ووحدته تعدّد الاستعمال ووحدته، لا تعدّدالمعنى ووحدته، فيمكن أن يكون المعنى متعدّداً ولحاظ اللفظ واحداً أوبالعكس.
ولا يخفى أنّ جوابنا على الاحتمالين الأخيرين مبني على منع الصغرى(2)،توضيح ذلك: أنّ الاستدلال على الاحتمال الثاني عبارة عن أنّ تبعيّة لحاظاللفظ يوجب تعدّده إذا تعدّد اللحاظ في جانب المعنى، وتعدّد اللحاظ المتعلّقبلفظ واحد ممتنع، وعلى الاحتمال الأخير عبارة عن أنّ لحاظ اللفظ لابدّ من
- (1) ذكرنا هذا الاحتمال لتكميل الفائدة وإلاّ فهو بعيد عن مراد صاحب الكفاية رحمهالله . منه مدّ ظلّه.
- (2) وأمّا الاحتمال الأوّل فقد عرفت منعه بالنسبة إلى كلتا المقدّمتين. م ح ـ ى.
ج1
أن يكون مساوياً للحاظ المعنى عدداً، فلابدّ من تعدّد لحاظ اللفظ في المقامحيث إنّ المعنى ولحاظه يكون متعدّداً، ولا يمكن تعلّق لحاظين أو أكثر بلفظواحد.
ونحن اخترنا في كلا الاحتمالين منع الصغرى، إذ الكبرى أعني استحالةتعلّق لحاظين بلفظ واحد لا تقبل المنع، فإنّ لحاظ الشيء عبارة عن تصوّرهوحضوره في الذهن، ولا يمكن حضور شيء واحد في الذهن مرّتين في زمانواحد، كما لا يمكن تعلّق علمين بشيء واحد كذلك كما لا يخفى.
والحاصل: أنّ ما استدلّ المحقّق الخراساني رحمهالله على استحالة استعمال اللفظ فيأكثر من معنى واحد باطل بجميع احتمالاته الثلاثة.
رأي المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
واستدلّ المحقّق النائيني رحمهالله على الاستحالة بأنّ استعمال اللفظ في المعنيينبنحو الاستقلال يستلزم تعلّق اللحاظ الاستقلالي بكلّ واحد منهما في آنٍواحد ورتبة واحدة كما لو لم يستعمل اللفظ إلاّ فيه، ومن الواضح أنّ النفس لتستطيع على أن تجمع بين لحاظين مستقلّين كذلك، ولا ريب في أنّ الاستعمالفي أكثر من معنى يستلزم ذلك، والمستلزم للمحال محال(1).
نقد نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله
وفيه: أنّ للاُمور المادّيّة ضيقاً يمنع من تحقّق أمرين فيها، كما لا يكون جسمواحد معروضاً للبياض والسواد في آنٍ واحد، بخلاف النفس، فإنّها جوهرمجرّد، لها صفحة واسعة، تقتدر على الجمع بين لحاظين مستقلّين وعلى إحضار
- (1) أجود التقريرات 1: 76.