(صفحه332)
الغريق التي هي صرف إيماء قلبي، وما بينهما أيضاً أفراد كثيرة مختلفة، فإذا لميكن جامع ذاتي مقولي لمرتبة واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفةكمّاً وكيفاً بطريق أولى.
وأمّا الجامع العنواني(1) فهو وإن كان ممكناً عقلاً، حيث يمكن أن يقال:الجامع بين أفراد الصلاة الصحيحة الذي يكون مسمّاها هو عنوان «الناهية عنالفحشاء والمنكر» أو نحوها، إلاّ أنّ الظاهر خلافه(2).
فالجامع هو الحصّة من الوجودات المشتملة على الصلوات الصحيحة(3).
هذا حاصل كلام المحقّق العراقي رحمهالله .
وفيه: أنّ هذه الحصّة هل هي من وجودات الماهيّة أو من وجوداتالوجود؟
لا طريق لكم إلى الأوّل، لما ذهبتم إليه من عدم إمكان اجتماع مقولاتمختلفة تحت ماهيّة واحدة.
ويرد على الثاني أوّلاً: أنّ الوجود مساوق للجزئيّة مع أنّ ألفاظ العباداتمسانخة لأسماء الأجناس في عموميّة الوضع والموضوع له.
وثانياً: أنّه إن لوحظت الحصّة وجوداً واحداً فلا يمكن اتّحاد الماهيّاتالمتباينة وجوداً، وإن لوحظت وجودات متعدّدة احتاجت إلى جامع.
- (1) المراد به عنوان شامل لأشياء متعدّدة وإن كانت مختلفة بحسب الماهيّة، مثل عنوان «الممكن» و«الشيء»و«الموجود» ونحوها. منه مدّ ظلّه.
- (2) لعلّ نظره من استظهار الخلاف أنّه يستلزم أن يكون المعنى في قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» أنّ الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ينهى عن الفحشاء والمنكر، كما مرّ عن آية اللّهالبروجردي رحمهالله ، ولا يجري هاهنا ما تقدّم من الجواب هناك كما هو واضح. منه مدّ ظلّه.
- (3) نهاية الأفكار 1 و 2: 81 .
ج1
فلابدّ لكم من القول بأنّ الحصّة المذكورة جامع عنواني، وهذا كرّ على مفررتم منه.
مقالة المحقّق الاصفهاني رحمهالله حول الجامع ونقده
وذهب المحقّق الاصفهاني رحمهالله إلى أنّ الجامع شيء يدرك ويفهم، لكنّه لا يمكنوصفه إلاّ بآثاره وخواصّه، وذكر لتوضيح ذلك مقدّمة:
وهي أنّ الماهيّة والوجود متعاكسان سعةً وضيقاً بحسب الإبهام والوضوح،فإنّ الماهيّة كلّما ازدادت إبهاماً ازدادت سعةً وكلّما ازدادت وضوحاً ازدادتضيقاً، وينعكس الأمر في الوجود، فإنّ شدّة ضعفه وخفائه توجب شدّة ضيقهوصغره، وشدّة قوّته وظهوره توجب شدّة سعته وكبره، حتّى أنّ واجبالوجود الذي هو في كمال الوضوح والظهور، حتّى قال في المنظومة:
يا من هو اختفى لفرط نوره
|
الظاهر الباطن في ظهوره
|
يكون أوسع الوجودات، بل لا نهاية لوجوده تعالى.
والماهيّات على قسمين: أصيلة واعتباريّة، فالماهيّة الأصيلة ما يكون منمقولة واحدة ولا إبهام في ذاتها، لكن يعرضها الإبهام لأجل العوارضالخارجيّة، كالإنسان، فإنّ ذاته واضح، وهو «الحيوان الناطق» من غير زيادةأو نقيصة، لكن يعرضه الإبهام من حيث الشكل وشدّة القوى وضعفها مثلاً.
والماهيّة الاعتباريّة ما يتركّب من مقولات مختلفة، ويكون مبهماً ذاتاً بحيثتزيد وتنقص كمّاً وكيفاً كالصلاة.
والفرق بينهما من وجهين:
1ـ ما تقدّم من كون الإبهام في الأصيلة بلحاظ الطوارئ والعوارض، وفيالاعتباريّة بلحاظ ذاتها.
(صفحه334)
2ـ أنّ الاُولى تدرك وتفهم واضحةً بيِّنةً ويمكن تعريفها، بخلاف الثانية،فإنّها لا تدرك إلاّ مبهمةً، ولا يمكن تعريفها، بل يمكن الإشارة إليها بخواصّهوآثارها، كما نشير إلى الصلاة بأنّها ما يأتي به المسلمون في الأوقات الخمسة،وبأنّها ناهية عن الفحشاء والمنكر(1). فللصلاة ماهيّة اعتباريّة مبهمة تدركولا توصف بحقيقتها، بل بخواصّها وآثارها.
ولا يخفى أنّ الإبهام في المقام ليس من قبيل ما في النكرة، فإنّه فيها بمعنىالترديد منّا مع تعيّنها واقعاً، كما إذا قيل: «جائني رجل» فإنّه مردّد عندالمخاطب دون الواقع، بخلاف المقام، فإنّ الصلاة مثلاً ماهيّة مبهمة قابلة للزيادةوالنقصان ذاتاً.
بل ما قلنا من الإبهام وعدم إمكان توصيف المعنى المدرك إلاّ بالخواصّوالآثار جارٍ في بعض التكوينيّات أيضاً بحسب التسمية، كما في الخمر، فإنّأصنافها كثيرة مختلفة، فإنّها تؤخذ تارةً من العنب واُخرى من التمر وثالثة منغيرهما، كما أنّها مختلفة بحسب اللون وشدّة الإسكار وضعفه، فهي شيء مبهميدرك ولا يوصف إلاّ بآثاره مثل ما كان مسكراً.
بل قال به بعض المحقّقين من الحكماء في الماهيّات الأصيلة المشكّكة،
- (1) ولا يخفى الفرق بين قوله وقول المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّ المحقّق الخراساني ذهب إلى أنّ الجامعالمسمّى مجهول لنا رأساً، بخلاف المحقّق الاصفهاني، فإنّه قال: إنّه يدرك ولا يوصف، على أنّ صاحبالكفاية جعل خصوص ما هو من آثار الصلاة عنواناً مشيراً لها، بخلاف المحقّق الاصفهاني رحمهالله ، فإنّه جعلما ليس بأثر أيضاً عنواناً مشيراً كما يستفاد من تمثيله بـ «ما يأتي به المسلمون في الأوقات الخمسة»،أضف إلى ذلك أنّ المحقّق الخراساني استدلّ لإثبات الجامع بمسألة التأثير والتأثّر وأنّ وحدة الأثر تدلّعلى وحدة المؤثّر، إذ «الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد» وأمّا المحقّق الاصفهاني فلم يذكرها ولم يكنمحتاجاً إلى ذكرها. منه مدّ ظلّه.
ج1
كالوجود، فإنّ له ماهيّة مبهمة تدرك ولا توصف إلاّ بخواصّها(1) وآثارها.
هذا هو الطريق الوحيد لتصوير الجامع للصحيحي والأعمّي كليهما.
والفرق بينهما أنّ الصحيحي يقول بأنّ الجامع المسمّى ما له هذه الآثاروالخواصّ بالفعل، والأعمّي يقول بأنّه ما هو المقتضي لها، بمعنى أنّه لو كانواجداً لجميع الأجزاء والشرائط لأثّر فيها وإن لم يكن مؤثّراً بالفعل(2).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله .
وهو ـ مع اشتماله على مطالب علميّة دقيقة ـ مردود، لاستلزامه عدم تمكّنالمتشرّعة من توصيف الصلاة مثلاً قبل نزول الآيات وصدور الروايات المبيّنةلآثارها وخواصّها، مع أنّهم إذا سئلوا عن معنى الصلاة كانوا متمكِّنين منبيانها حتّى قبل بيان خواصّها في الآيات والروايات، على أنّ هذه الآثار آثارالوجود الخارجي كما مرّ، فلا يمكن أن تكون مبيّنة للماهيّة.
كلام السيّد البروجردي رحمهالله في الجامع للصحيحي
وقال سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله ـ وهو القائل بالصحيح ـ : إنّ الجامعبين الأفراد الصحيحة من الصلاة مثلاً توجّه خاصّ وتخشّع مخصوص منالعبد لساحة مولاه، فإليك بيانه:
إنّ جميع مراتب الصلاة مثلاً بما لها من الاختلاف في الأجزاء والشرائطتشترك في كونها نحو توجّه خاصّ وتخشّع مخصوص من العبد لساحة مولاه،يوجد هذا التوجّه الخاصّ بإيجاد أوّل جزء منها ويبقى إلى أن تتمّ، فيكون هذ
- (1) كتوصيفها بأنّها ما يمكن أن يخبر عنه. م ح ـ ى.
- (2) نهاية الدراية 1: 101.
(صفحه336)
التوجّه بمنزلة الصورة(1) لتلك الأجزاء المتباينة بحسب الذات، وتختلف كمالونقصاناً باختلاف المراتب.
والحاصل: أنّ الصلاة ليست عبارة عن نفس الأقوال والأفعال المتباينةالمتدرّجة بحسب الوجود حتّى لا يكون لها حقيقة باقية إلى آخر الصلاةمحفوظة في جميع المراتب، ويترتّب على ذلك عدم كون المصلّي في حالالسكونات والسكوتات المتخلّلة مشتغلاً بالصلاة، بل هي عبارة عن حالةتوجّه خاصّ يحصل للعبد ويوجد بالشروع فيها، ويبقى ببقاء الأجزاءوالشرائط، ويكون هذا المعنى المخصوص كالطبيعة المشكّكة، لها مراتبمتفاوتة تنتزع في كلّ مرتبة عمّا اعتبر جزءً لها.
لا أقول: إنّ هذا الأمر الباقي يوجد بوجود على حدة وراء وجوداتالأجزاء، حتّى يكون الأجزاء محصّلات له، بل هو بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء،فهو موجود بعين وجودات الأجزاء، فيكون الموضوع له للفظ الصلاة هذهالعبادة الخاصّة والمعنى المخصوص، ويكون هذا المعنى محفوظاً في جميع المراتب،فيكون وزان هذا الأمر الاعتباري وزان الموجودات الخارجيّة، كالإنسانونحوه، فكما أنّ طبيعة الإنسان محفوظة في جميع أفراده المتفاوتة بالكمالوالنقص، والصغر والكبر، ونقص بعض الأجزاء وزيادته، ما دامت الصورةالإنسانيّة محفوظة في جميع ذلك، فكذلك طبيعة الصلاة...
ومثل هذا المعنى يمكن أن يفرض في سائر العبادات أيضاً من الصوم والحجّونحوهما(2).
- (1) وبعبارة اُخرى: هذا الخشوع الخاصّ بمنزلة صورة الصلاة وتلك الأجزاء بمنزلة مادّتها، وشيئيّة الشيءوحقيقته بصورته كما قال الحكماء. منه مدّ ظلّه.