ج1
من إطلاق اللفظ وإرادة مثله؟
إن قلت: فهل هذه الإطلاقات تسمّى حقيقةً أو مجازاً؟
قلت: لا تسمّى بها ولا به، ولا دليل على انحصار جميع الإطلاقاتفيهما، سيّما على القول بعدم صدق الاستعمال عليها، فإنّ الاستعمال هوالذي قد يكون حقيقيّاً وقد يكون مجازيّاً، فإطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفهأو مثله خارجة عن مقسم الحقيقة والمجاز، بناءً على عدم صدق الاستعمالعليها.
نظريّة صاحب الفصول في إطلاق اللفظ وإرادة شخصه
وأمّا القسم الأخير فاستشكل في صحّته صاحب الفصول بأنّه مستلزملاتّحاد الدالّ والمدلول إن اعتبر دلالة اللفظ على نفسه، ولتركّب القضيّة المحكيّةمن جزئين إن لم تعتبر، لأنّ القضيّة اللفظيّة على هذا مركّبة من ثلاثة أجزاء،لكنّها إنّما تكون حاكيةً عن المحمول والنسبة لا الموضوع، فتكون القضيّةالمحكيّة بها مركّبة(1) من جزئين، مع امتناع التركّب إلاّ من الثلاثة، ضرورةاستحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين(2).
نقد كلام صاحب الفصول من قبل صاحب الكفاية
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عنه على التقديرين بقوله:
قلت: يمكن أن يقال: إنّه يكفي تعدّد الدالّ والمدلول اعتباراً، وإن
- (1) وأيضاً تكون القضيّة المحكيّة مغايرة للقضيّة اللفظيّة، لاشتمال الثانية على الموضوع دون الاُولى، معلزوم التطابق بينهما وإلاّ لم تكن القضيّة اللفظيّة حاكيةً عن الواقع. منه مدّ ظلّه.
(صفحه246)
اتّحدا ذاتاً، فمن حيث إنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالاًّ، ومن حيث إنّنفسه وشخصه مراده كان مدلولاً، مع أنّ حديث تركّب القضيّة منجزئين لولا اعتبار الدلالة في البين إنّما يلزم إذا لم يكن الموضوعنفس شخصه، وإلاّ كان أجزائها الثلاثة تامّة، وكان المحمول فيها منتسبإلى شخص اللفظ ونفسه، غاية الأمر أنّه نفس الموضوع لا الحاكي عنه(1)،إنتهى.
وتوضيح جوابه على التقدير الثاني أنّ شخص اللفظ ونفسه مع كونه شيئواحداً موضوع في القضيّتين: اللفظيّة والمحكيّة، ومغايرة جميع أجزاء إحداهممع الاُخرى ليست أمراً حتميّاً لازماً.
فالقضيّة المحكيّة أيضاً مركّبة من ثلاثة أجزاء كالقضيّة اللفظيّة، فتحقّقتالمطابقة بينهما.
أقول: هذا الجواب(2) صحيح متين وإن كان الإشكال والجواب خارجينعن محلّ النزاع، لأنّا نبحث الآن عن صحّة هذه الإطلاقات، ومسألة استلزامإطلاق اللفظ وإرادة شخصه لأحد المحذورين المتقدّمين ترتبط بالمقام الثاني،وهو أنّ هذه الإطلاقات بعد إثبات صحّتها هل يصدق عليها الاستعمالوالدلالة أم لا؟
فلو صدق لزم اتّحاد المستعمل الدالّ والمستعمل فيه المدلول، وإلاّ لزم تركّبالقضيّة المحكيّة من جزئين. ويجري جواب صاحب الكفاية عنه.
- (2) يعني: الجواب على التقدير الثاني، وأمّا الجواب على التقدير الأوّل ـ وهو كفاية المغايرة الاعتباريّة بينالدالّ والمدلول ـ فسيأتي الإشكال فيه. م ح ـ ى.
ج1
وجه صحّة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه
ويمكن الاستدلال على صحّة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه بما مرّ منالاستدلال على الأقسام الثلاثة الاُولى من أنّه قد ينحصر طريق التفهيموالتفهّم في إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، كما إذا قال الاُستاذ لتلاميذه: تلفّظوبلفظ، فقال أحدهم: «زيد لفظي» والآخر: «عمرو لفظي» والثالث: «بكرلفظي» وهكذا، فإنّه لا إشكال في أنّ مرادهم من زيد وعمرو وبكر شخصهذه الألفاظ الخارجة من أفواههم، ولا طريق لهم غير ذلك.
إن قلت: بل لهم طريق آخر لامتثال أمر الاُستاذ، وهو أن يقول الأوّل:«زيد» والثاني: «عمرو» والثالث: «بكر» من دون تعقيبها بكلمة «لفظي».
قلت: هذه الكلمات أيضاً موضوعات لمحمولات مقدّرة، ويكون المعنى«زيد لفظي» وهكذا، ألا ترى أنّ الاُستاذ لو قال للأوّل: ما لفظك الذي أمرتكبتلفّظه؟ فقال: «زيد» يكون المعنى: «زيد لفظي»؟
والحاصل: أنّ هذه الإطلاقات بأقسامها الأربعة صحيحة، وأنّ ما أوردهصاحب الفصول رحمهالله على القسم الرابع مربوط بالمقام الآتي، لا بالبحث عنالصحّة الذي هو محلّ النزاع.
(صفحه248)
وأمّا المقام الثاني
ـ أعني صدق الاستعمال على هذه الإطلاقات ـ فلابدّ قبل الشروع فيه منذكر مقدّمة ترتبط بمعنى الاستعمال والدلالة، فنقول:
استعمال اللفظ: طلب عمله في المعنى أو في شيء آخر، فإنّه إذا قيل: «زيدقائم» استعمل «زيد» في معناه، بمعنى أنّه يحضر في ذهن المخاطب صورة مناللفظ ثمّ ينتقل منها إلى المعنى، ودلالة اللفظ: إرشاده إلى غيره.
إذا عرفت هذا فنقول: الظاهر عدم صدق الاستعمال والدلالة فيما إذا اُطلقاللفظ واُريد به شخصه، لعدم تحقّق شيء سوى اللفظ الصادر من المتكلّموانتقاش صورته في ذهن السامع، فليس لنا أمران حتّى يكون أحدهممستعملاً ودالاًّ والآخر مستعملاً فيه ومدلولاً.
وبعبارة أوضح: إذا قال التلميذ في المثال المتقدّم: «زيد لفظي» ينتقشفي ذهن المستمع صورة لفظ «زيد» فقط، من دون أن ينتقل منها إلى المعنىأو شيء آخر، فإنّ المعنى ـ وهو زيد الخارجي ـ لا يناسب محمولالقضيّة.
والمغايرة الاعتباريّة لا تكفي لتحقّق الاستعمال والدلالة، وإن كانت كافيةلصحّة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه.
ج1
على أنّ مرتبة الصدور متأخّرة عن مرتبة الدلالة(1)، ولا يمكن أن يكونالمتقدّم متقوّماً بالمتأخّر، فلايصحّ أن يقال: «اللفظ من حيث إنّه لفظ صادرعن لافظه كان دالاًّ، ومن حيث إنّ نفسه وشخصه مراده كان مدلولاً» كما فيالكفاية.
ولا ينبغي الإشكال في صدق الاستعمال على القسم الثالث(2)، كما ذهب إليهالمحقّق الخراساني رحمهالله (3)، وإن كان من قبيل استعمال اللفظ في اللفظ لا في المعنى.
نظريّة الاُستاذ البروجردي رحمهالله في المقام
وذهب سيّدنا الاُستاذ الحاج آقا حسين البروجردي رحمهالله إلى عدم تحقّقالاستعمال في هذا القسم أيضاً.
واستدلّ عليه بأنّ المتكلّم إذا أراد الحكم على مثل هذا الشخص الصادرفهو يذكر اللفظ لينتقل بطبيعته إلى ذهن المخاطب، فيتوجّه ذهنه إلى صرفالطبيعة غافلاً عن خصوصيّاتها، وينتقل بقرينة الحكم إلى الحصّة المتحقّقة منهفي ضمن الشخص المراد، فالانتقال إلى المثل بسبب القرينة، نظير تعدّد الدالّوالمدلول، لا باستعمال هذا اللفظ الخاصّ في مثله.
فإن قلت: إذا قال قائل: «زيد لفظ» مثلاً، فقلت أنت حاكياً عنه: «زيدالمذكور في قول هذا القائل اسم» يكون قولك: «زيد» مرآةً للّفظ الواقع فيكلامه، وسبباً للانتقال إليه، فيصير من قبيل الاستعمال.
قلت: لا يكون المراد من ذكر لفظ «زيد» إفنائه في اللفظ الواقع في كلام
- (1) فإنّ الصدوريتحقّق بالاستعمال، والدّلالة بالوضع ونحوه. م ح ـ ى.
- (2) وهو ما إذا اُطلق اللفظ واُريد به مثله. م ح ـ ى.