(صفحه460)
وفيه: أنّ صدقهما عليه حقيقةً إنّما هو بلحاظ حال التلبّس، ضرورة عدمصحّة قولنا: «زيد اليوم مضروب عمرو أو مقتوله» فيما إذا انقضى عنه مبدئهمإلاّ بنحو من العناية والمسامحة.
الثالث: قوله تعالى في آية حدّ السرقة: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوأَيْدِيَهُمَا»(1) وفي آية حدّ الزنا: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَجَلْدَةٍ»(2) فإنّهم حين القطع والجلد انقضى عنهم التلبّس بالسرقة والزنا(3).
وفيه أوّلاً: أنّ الحدّ ليس دائراً مدار صدق العنوان الانتزاعي على المجرم، بلهو من آثار صدور الأمر الشنيع الذي دعا الشارع أو المقنّن العرفي إلى تأديبهوسياسته، وحينئذٍ فالموجب للسياسة هو العمل الخارجي لا صدق العنوانالانتزاعي، فالسارق تقطع يده لأجل سرقته، ففي آية حدّ السرقة يكونعنوان «السارق» و«السارقة» إشارةً إلى من هو موضوع الحكم مع التنبيهعلى علّته، فكأنّه قال: الذي صدر منه السرقة تقطع يده لأجل صدورها منه،سواء صدق عليه عنوان السارق بنحو الحقيقة أو المجاز أو لم يصدق أصلاً.
وثانياً: ما أورده عليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه استعمل المشتقّ فيالآيتين بلحاظ حال التلبّس، فكان المعنى «من كان سارقاً أو سارقةً فاقطعوأيديهما» و«من كان زانيةً أو زانياً فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة» ولينافي إرادة خصوص حال التلبّس دلالتهما على ثبوت القطع والجلد مطلقاً،
- (3) استدلّ بمثل الآيتين من فصّل بين المحكوم عليه والمحكوم به، فقال بوضع الأوّل للأعمّ دون الثاني.منه مدّ ظلّه.
ج1
ولو بعد انقضاء المبدء(1).
وثالثاً: ما أفاده بعض الأعلام من أنّ استعمال المشتقّ في المنقضي بلحاظحال الانقضاء وإن كان محتملاً في القضايا الخارجيّة في الجملة، إلاّ أنّه فيالقضايا الحقيقيّة غير محتمل، فإنّ الاستعمال فيها دائماً في المتلبّس دونالمنقضي، بل لا يعقل فيها حال الانقضاء، فإنّ المراد بالجنب والحائض فيقولنا: «الجنب أو الحائض يجب عليهما الغسل» هو كلّ إنسان فرض متلبّسبالجنابة أو الحيض خارجاً، فهو محكوم عليه بالغسل، فعنوان الجنب أوالحائض قد استعمل فيمن تلبّس بالمبدء، ولا يتصوّر فيه الانقضاء، غاية الأمرأنّ الامتثال يقع متأخّراً عن زمان الوجوب، كما كان هو الحال في الآيتين(2).
إنتهى ملخّصاً.
الرابع: استدلال الإمام عليهالسلام تأسّياً بالنبيّ صلىاللهعليهوآله كما عن غير واحد من الأخباربقوله تعالى: «لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ»(3) على عدم لياقة من عبد صنماً أووثناً لمنصب الإمامة والخلافة، تعريضاً بمن تصدّى لها ممّن عبد الصنم مدّةمديدة، ومن الواضح توقّف ذلك على كون المشتقّ موضوعاً للأعمّ، وإلاّ لمصحّ التعريض، لانقضاء تلبّسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدّيللخلافة.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بمنع التوقّف على ذلك، بل يتمّ الاستدلالولو كان موضوعاً لخصوص المتلبّس، وتوضيح ذلك يتوقّف على تمهيد مقدّمة،
- (2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 284.
(صفحه462)
وهي أنّ الأوصاف العنوانيّة التي تؤخذ في موضوعات الأحكام تكون علىأقسام:
أحدها: أن يكون أخذ العنوان لمجرّد الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعللحكم، لمعهوديّته بهذا العنوان من دون دخل لاتّصافه به في الحكم أصلاً.
ثانيها: أن يكون لأجل الإشارة إلى علّيّة المبدء للحكم مع كفاية مجرّدصحّة جري المشتقّ عليه ولو فيما مضى.
ثالثها: أن يكون لذلك مع عدم الكفاية، بل كان الحكم دائراً مدار صحّةالجري عليه واتّصافه به حدوثاً وبقاءً.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتمّ لو كان أخذالعنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير، ضرورة أنّه لو لم يكن المشتقّللأعمّ لما تمّ بعد عدم التلبّس بالمبدء ظاهراً حين التصدّي، فلابدّ أن يكونللأعمّ ليكون حين التصدّي حقيقةً من الظالمين ولو انقضى عنهم التلبّسبالظلم، وأمّا إذا كان على النحو الثاني فلا كما لا يخفى، ولا قرينة على أنّه علىالنحو الأوّل لو لم نقل بنهوضها على النحو الثاني، فإنّ الآية الشريفة في بيانجلالة قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلّها وأنّ لها خصوصيّةًمن بين المناصب الإلهيّة، ومن المعلوم أنّ المناسب لذلك هو أن لا يكونالمتقمّص بها متلبّساً بالظلم أصلاً كما لا يخفى(1)، إنتهى كلامه، وهو صحيحمتين.
والحاصل: أنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدء في الحال، والقولبالأعمّ مردود ثبوتاً وإثباتاً.
ج1
(صفحه464)
في بساطة المشتقّ وتركّبه
وينبغي التنبيه على اُمور مهمّة
الأوّل: في بساطة المشتقّ وتركّبه
والمراد بهما هو البساطة والتركّب بحسب التصوّر والإدراك كما قال المحقّقالخراساني رحمهالله ، فالمفهوم إذا كان واحداً بحسب التصوّر كان بسيطاً وإن انحلّبتعمّل من العقل إلى شيئين أو أكثر.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله بعد اختيار البساطة وبيان المراد بها، شبّه المقامبمثل مفهوم الحجر والشجر، وقال بانحلالهما إلى شيء له الحجريّة أو الشجريّةمع وضوح بساطة مفهومهما(1).
وفيه: أنّ انحلال «الضارب» مثلاً إلى شيء له الضرب إنّما هو مربوطبالدلالة اللفظيّة، ضرورة أنّ له مادّة وهيئة، ولكلّ منهما وضع على حدة،فمفهوم «الضارب» وإن كان بحسب التصوّر والإدراك بسيطاً إلاّ أنّه ينحلّ عقلبحسب مدلوله اللفظي إلى الذات والمادّة والربط بينهما، بخلاف مثل الحجر، فإنّهوإن كان ينحلّ عقلاً إلى شيء له الحجريّة إلاّ أنّه بسيط بحسب مدلوله اللفظي،ضرورة أنّ الواضع تصوّر مادّته وهيئته ووضع المجموع بوضع واحد، فانحلاله