ج1
اشترط عليه، فإنّ المشتري في المثال المذكور التزم بخياطة الثوب، على أنّ«المؤمنون عند شروطهم»(1) يدلّ على لزوم رعايتها.
بخلاف المقام، فإنّ المستعملين لم يلتزموا برعاية ما شرط عليهم الواضع،ولا دليل على لزوم رعاية شرط ضمن الوضع.
وثالثاً: أنّ الاستعمال إمّا حقيقي أو مجازي أو غلط، ولا ريب في أنّ استعمالكلمة «من» مكان «الابتداء» وبالعكس من قبيل الثالث، مع أنّه لو لم يكنبينهما فرق إلاّ في شرط الواضع لكان صحيحاً، ضرورة أنّ تخلّف الشرط ليوجب بطلان المشروط، ألا ترى أنّ تخلّف شرط ضمن العقد لا يستلزمبطلانه، غاية الأمر يوجب ثبوت الخيار للمشروط له، ضرورة أنّ المسألة منقبيل تعدّد المطلوب، فإنّ البيع مثلاً مطلوب، وخياطة الثوب مطلوب آخرضمني، وتخلّف هذا المطلوب الضمني لا يستلزم بطلان المعاملة التي هيالمطلوب الأصلي.
ب ـ أنّ الواضع نظر إلى المفاهيم فوجدها نوعين:
أحدهما: المفاهيم الأصيلة التي لا يمكن أن تقع وصفاً وحالة للغير، كمفهوم«الإنسان» فوضع لفظ الإنسان بنحو الوضع العامّ والموضوع له العامّ لذلكالمفهوم الأصيل.
الثاني: المفاهيم التي يمكن أن تلاحظ مستقلّة مرّة وحالةً للغير اُخرى،ويحتاج المستعملون أيضاً إلى كلا النوعين، كمفهوم «الابتداء» فإنّ المستعملقد يحتاج إلى هذا المفهوم مستقلاًّ في مقابل مفهوم «الانتهاء» وقد يحتاج إليهوصفاً للغير ومضافاً إلى الغير، كأن يكون وصفاً للسير ومضافاً إلى البصرة.
- (1) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(صفحه170)
فوضع لفظ «الابتداء» لهذا المفهوم فيما إذا لاحظه المستعمل مستقلاًّ، ولفظ«من» له فيما إذا لاحظه آلةً للغير، فالموضوع له والمستعمل فيه في كليهما مفهوم«الابتداء» والفرق بينهما في حدّ ما وضع له لا في نفسه.
فلو استعمل لفظ «الابتداء» مكان «من» أو بالعكس فلم يكن استعمالاً فيغير ما وضع له، بل كان استعمالاً بغير ما وضع له، أي بغير الكيفيّة التي وضعاللفظ بها.
هذا حاصل الاحتمال الثاني في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله (1).
وفيه: أنّ الفرق المذكور بين الاسم والحرف لا يقتضي أن يكون استعمالكلّ منهما مكان الآخر باطلاً.
كيف، والاستعمال المجازي صحيح، بل كثير في اللغة والتنزيل بحيث ألّفالسيّد الرضيّ رحمهالله كتاباً حول مجازات القرآن، مع أنّه استعمال في غير ما وضع لهعلى مذهب المشهور والمحقّق الخراساني رحمهالله (2)، وقد يكون من قبيل استعمالاللفظ في ما يباين معناه، كاستعمال لفظ «الأسد» في الرجل الشجاع، فإنّهممتباينان بالنوع، وملاك صحّة الاستعمال إنّما هو علاقة المشابهة في الشجاعة.
فكيف يكون استعمال «من» مكان «الابتداء» أو بالعكس غلطاً معاتّحادهما في الموضوع له والمستعمل فيه فرضاً؟!
هل الاستعمال بغير ما وضع له يكون أسوأ حالاً من الاستعمال في غير موضع له، بحيث يكون الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً بل حسناً؟!
والحاصل: أنّ ما أفاده في مقام الفرق بين الحروف والأسماء المسانخة لها ل
- (1) يستفاد من كلمات بعض المحشّين أنّ مراد صاحب الكفاية رحمهالله هو الاحتمال الأوّل الذي ذكر آنفاً، لكنهذا الاحتمال الثاني في نفسه أدقّ، وإلى ما يستفاد من كلامه هنا وفي باب المشتقّ أقرب. منه مدّ ظلّه.
- (2) وإن كان الحقّ أنّ المجاز من قبيل الاستعمال فيما وضع له كما سيأتي. منه مدّ ظلّه.
ج1
يمكن أن ينتج بطلان استعمال كلّ منهما مكان الآخر.
هذا عمدة ما يرد على المحقّق الخراساني رحمهالله في باب وضع الحروف.
نقد كلامه من قبل المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه»
وأورد عليه بعض الأعلام بوجه آخر مردود عندنا، وإن قبلناه في الدورةالسابقة. وهو أنّ ما يستفاد من كلامه رحمهالله من أنّ «المعنى الإسمي استقلاليمقصود بالذات، والمعنى الحرفي تبعي غير مقصود بالأصالة» منقوض فيطرفيه، فإنّ بعض المعاني الإسميّة(1) لا تكون مقصودةً بالأصالة، وبعضالمعاني الحرفيّة تكون كذلك.
أمّا الأوّل: فلأنّ «التبيّن» في قوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْالْخَيْطُ الاْءَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الاْءَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ»(2) يكون بمعنى العلم، أي «حتّىتعلموا بطلوع الفجر» ولا ريب في أنّ هذا العلم طريقي لا يكون مقصودبالأصالة، بل المقصود بالأصالة هو ذو الطريق، أعني: طلوع الفجر.
وأمّا الثاني: فلأنّه إذا كان ذات الموضوع والمحمول معلومين عند شخص،ولكنّه كان جاهلاً بخصوصيّتهما، فسأل عنها، فاُجيب على طبق سؤاله، فهووالمجيب إنّما ينظران إلى هذه الخصوصيّة نظرة استقلاليّة.
مثلاً إذا كان مجيء «زيد» معلوماً، ولكن كانت كيفيّة مجيئه مجهولةً عندأحد، فلم يعلم أنّه جاء مع غيره أو جاء وحده، فسأل عنها، فقيل: إنّه جاء مععمرو، فالمنظور بالاستقلال والملحوظ كذلك في الإفادة والاستفادة في مثل
- (1) المراد بالاسم هاهنا ما يقابل الحرف، فيكون أعمّ من الاسم والفعل باصطلاح النحاة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه172)
ذلك إنّما هو هذه الخصوصيّة التي هي من المعاني الحرفيّة دون المفهوم الاسمي،فإنّه معلوم، بل إنّ الغالب في موارد الإفادة والاستفادة عند العرف النظرالاستقلالي والقصد الأوّلي بإفادة الخصوصيّات والكيفيّات المتعلّقات بالمفاهيمالاسميّة(1).
نقد كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
وفيه أوّلاً: أنّه يحتمل أن يكون «التبيّن» في الآية الشريفة موضوعيّاً(2)، كمعليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» في رسالته حول تعيين الفجر، فإنّهذهب إلى أنّ التبيّن نفس الفجر، لا الطريق إليه، وكلمة «من الفجر» في الآيةالشريفة بيان له، فالفجر عبارة اُخرى من «التبيّن» لا أنّه واقعيّة اُخرى قدتتبيّن وقد لا تتبيّن.
ولأجل هذا أفتى«مدّ ظلّه» بأنّ طلوع الفجر لا يتحقّق في الليالي المقمرة إلاّ بعدأن يغلب ضوئه على ضوء القمر ويظهر حسّاً.
وثانياً: أنّ كون التبيّن طريقيّاً لا ينافي أن يكون ملحوظاً بالاستقلال حينالاستعمال.
ويتّضح الأمر بملاحظة القطع الموضوعي في مثل «إذا قطعت بوجوب شيءفتصدّق بدرهم» فإنّه تارةً: يؤخذ في الموضوع بما أنّه طريق، واُخرى: بما أنّهصفة وحالة نفسانيّة مخصوصة، فيمكن أن يُقال في القسم الأوّل: كيف يجمعبين موضوعيّة القطع وطريقيّته؟
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 66.
- (2) وتحقيق كون التبيّن في الآية طريقيّاً أو موضوعيّاً يطلب من الفقه مسألة أوقات الصلاة. منه مدّ ظلّه.
ج1
والجواب: أنّه لا منافاة بين كون القطع طريقاً إلى متعلّقه وبين كونهموضوعاً بالنسبة إلى هذا الحكم، أعني وجوب التصدّق.
والتبيّن في الآية المبحوث عنها أيضاً من هذا القبيل.
وبعبارة اُخرى: مقام الدخل في الحكم غير مقام الاستعمال، فالتبيّن علىالمشهور مأخوذ بنحو الطريقيّة بالنسبة إلى دخله في الحكم، وملحوظ مستقلفي مقام الاستعمال.
هذا بالنسبة إلى الفقرة الاُولى من كلامه.
وأمّا الفقرة الثانية: فيرد عليها أنّ المعاني الحرفيّة وإن كانت مقصودةبالذات إلاّ أنّها ليست ملحوظة بالاستقلال، فإنّا حينما نقول: «جاء زيد مععمرو» فلا نتمكّن من ملاحظة المعيّة والمقارنة بين مجيء زيد ومجيء عمروإلاّ بعد لحاظ نفس المجيئين.
وبالجملة: وقع الخلط بين المقصود بالذات والملحوظ بالذات، والمحقّقالخراساني رحمهالله يعترف بأنّ المعاني الحرفيّة مقصودة بالإفادة، لكنّها ملحوظة فيمقام التفهيم والاستعمال بتبع لحاظ طرفيها.
3ـ القول بعدم وضع الحروف لمعنى
قيل: إنّ الحروف لم توضع لمعنى، بل هي علامة على كيفيّة إرادةمدخولاتها، نظير حركات الإعراب التي لم توضع لمعنى، وإنّما تدلّ على إرادةخصوصيّة من خصوصيّات مدخولها من الفاعليّة والمفعوليّة ونحوهما، فكمأنّ كلّ واحد من حركات الإعراب يفيد خصوصيّة متعلّقة بمدخوله، فإنّ«الفتحة» تفيد خصوصيّة في مدخولها، و«الكسرة» تفيد خصوصيّة اُخرىفيه، و«الضمّة» تفيد خصوصيّة ثالثة فيه، فكذلك كلّ واحد من الحروف، فإنّ