(صفحه30)
وصيغة النهي على الحرمة مثلاً، فالموضوع في هاتين المسألتين صيغة الأمروصيغة النهي، ولاريب في كون كلّ منهما أعمّ من موضوع علم الاُصول، سواءجعلناه الأدلّة الأربعة بما هي هي، أو بما هي أدلّة، أو الحجّة في الفقه، لأنّا لنبحث عن خصوص صيغة الأمر والنهي المستعملة في الكتاب والسنّة، بل عنالأعمّ منها، إذ لا مجال للتمسّك باللغة(1) وبناء العقلاء(2) لإثبات دلالة الأمرعلى الوجوب والنهي على الحرمة لو اختصّ البحث بالأوامر والنواهيالقرآنيّة والروائيّة.
فعلم منه أنّ صيغة الأمر والنهي المبحوث عنها في الاُصول كما ترتبطبالكتاب والسنّة ترتبط أيضاً باللغة وبناء العقلاء، وتعمّ الأمر والنهيالصادرين من الموالي العرفيّة.
والأمر في المباحث العقليّة أوضح، فإنّ البحث مثلاً عن الملازمة العقليّة بينوجوب المقدّمة ووجوب ذيها مسألة عقليّة كلّيّة تعمّ الشرعيّات وغيرها.
فإذا حكم العقل بالملازمة بينهما فنحن نستنتج من تلك المسألة الكلّيّة أنّوجوب الصلاة في الشريعة يستلزم وجوب الوضوء وسائر شرائطها.
والحاصل: أنّ موضوع بعض العلوم نوع بالنسبة إلى موضوعات مسائلها،فحمل محمولات تلك المسائل على موضوع العلم من قبيل العروض بواسطةالجزء الأعمّ، واختلف المشهور في كونها أعراضاً ذاتيّة أو غريبة كما تقدّم.
وبالجملة: لا يمكن الذهاب إلى مقالة المشهور في المقام، لاستلزامها اتّفاقهمعلى كون البحث في مسائل العلوم بحثاً عن أعراضها الغريبة فيما إذا كان
- (1) حيث نقول: صيغة افعل وضعت لإفادة الوجوب، وصيغة لا تفعل لإفادة الحرمة. م ح ـ ى.
- (2) حيث نقول: إذا قال المولى: «اُدخل السوق» أو «لا تدخل الدار» يفهم العقلاء الوجوب من الأوّل،والحرمة من الثاني. م ح ـ ى.
ج1
موضوع العلم من قبيل الجنس بالنسبة إلى موضوعات المسائل، والأمر كذلكعند بعضهم فيما إذا كان من قبيل النوع بالنسبة إليها.
نظريّة صدر المتألّهين رحمهالله في العرض الذاتي والغريب
قال صدر المتألّهين: إنّ موضوع كلّ علم ـ كما تقرّر ـ ما يبحث فيه عنعوارضه الذاتيّة.
ثمّ نقل كلام المشهور حول العرض الذاتي بقوله: وقد فسّروا العرض الذاتيبأنّه ما يلحق الشيء لذاته أو لأمر يساويه.
ثمّ قال: فأشكل الأمر على جمع، حيث رأوا أنّه لا ينطبق على كثير منمسائل العلوم، فإنّ البحث فيها عن عوارض أنواع موضوع العلم لا عنعوارض نفس الموضوع(1).
ولأجل هذا الإشكال اضطرّوا إلى توجيه كلام المشهور تارةً: بأنّ العرضالذاتي للنوع عرض ذاتي للجنس أيضاً، فالمرفوعيّة التي يبحث عنها في مبحثالفاعل من علم النحو عرض ذاتي بالنسبة إلى الكلمة، كما أنّها كذلك بالنسبةإلى الفاعل(2).
واُخرى: بالفرق بين محمول العلم ومحمول المسألة ـ كما فرّقوا بينموضوعيهما ـ بأنّ محمول العلم ما ينحلّ إليه محمولات المسائل على طريقالترديد.
فالمرفوعيّة مثلاً في مسألة «كلّ فاعل مرفوع» لا تكون من محمولاتالكلمة، بل من محمولات الفاعل، والمنصوبيّة في مسألة «كلّ مفعول منصوب»
- (1) تقدّم توضيحه آنفاً في إشكال الاُستاذ«مدّ ظلّه» على المشهور. م ح ـ ى.
- (2) هذا في الحقيقة لا يكون توجيهاً لكلام المشهور، بل عدول عنه إلى غيره. منه مدّ ظلّه.
(صفحه32)
أيضاً لا تكون من عوارض الكلمة بل من عوارض المفعول.
وبالجملة: كلّ واحد من محمولات المسائل على التعيين لا يكون إلاّ عرضذاتيّاً لموضوع تلك المسألة، وأمّا الكلمة فعرضها الذاتي إنّما هو تلك المحمولاتأعني المرفوعيّة، والمنصوبيّة، والمجروريّة، لكن بنحو الترديد لا التعيين.
إلى غير ذلك من التوجيهات التي لا يقبلها الطبع السليم.
ثمّ قال: ولم يتفطّنوا بأنّ ما يختصّ بنوع من أنواع الموضوع، ربما يعرضلذات الموضوع بما هو هو(1).
وفي كلامه هذا نظر؛ أوّلاً: لأنّ قوله: «ربما» ظاهر في عروض ما يختصّبالنوع على الجنس أحياناً وفي بعض الأوقات، وهو لا يرفع الإشكال عنالمشهور، وثانياً: لأنّ بين ظاهر صدره وذيله تناقضاً، لعدم إمكان الجمع بيناختصاص عرض بنوع من أنواع الموضوع وبين عروضه على نفس الموضوعمن دون واسطة، كما هو ظاهر قوله: «بما هو هو».
اللّهمّ إلاّ أن يحمل كلامه على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني والحكيمالسبزواري رحمهماالله من أنّ العرض الذاتي ما يلحق الشيء بلا واسطة فيالعروض(2)، وبعبارة اُخرى: ما يلحقه حقيقةً من دون تجوّز وعناية.
وهذا وإن كان خلاف ظاهر كلام صدر المتألّهين إلاّ أنّه لا بأس بارتكابهلأجل رفع التناقض عنه، سيّما أنّه حكى عن بعض كتبه سوى الأسفار أنّه رحمهالله صرّح بأنّ العرض الذاتي ما يلحق الشيء بلا واسطة في العروض(3).
- (1) الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 1: 30.
- (2) كفاية الاُصول: 21، والحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 1: 32.
- (3) حكي هذا عن شرح حكمة الإشراق. منه مدّ ظلّه.
ج1
البحث حول كلام المحقّق السبزواري والخراساني
وقد عرفت أنّ العرض الغريب على رأي الحكيم السبزواري والمحقّقالخراساني رحمهماالله منحصر فيما يكون حمله على المعروض وتوصيف المعروض بهعلى سبيل المجاز والمسامحة، كالحركة المنسوبة إلى الجالس في السفينةبواسطتها التي يعبّر عنها بالواسطة في العروض.
وأمّا الأقسام السبعة الاُخرى فكلّها عوارض ذاتيّة، لاتّصاف المعروضبها بنحو الحقيقة.
ولا يرد عليه ما ورد على المشهور، ضرورة أنّ عوارض نوع العلم أوجنسه تكون عوارض نفس الموضوع حقيقةً ولا تمنع من ذلك وساطة النوعأو الجنس.
ألا ترى أنّ المرفوعيّة كما تكون صفة للفاعل على سبيل الحقيقة تكونصفةً للكلمة أيضاً كذلك؟ فإذا قال القائل: «ضرب زيد» يصّح أن يقالـ مشيرًا إلى لفظ «زيد» ـ : «هذه الكلمة مرفوعة» كما يصّح أن يقال: «زيدمرفوع» والإسناد حقيقي في كلتا الصورتين.
إشكال الإمام«مدّ ظلّه» على المحقّق الخراساني والحكيم السبزواري
لكن أورد عليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»: بأنّ النسبة بينموضوع بعض العلوم وموضوعات مسائلها نسبة الكلّ إلى أجزائه،كالجغرافيا، فإنّ موضوعه الأرض، وموضوعات مسائله مثلاً جبال إيران،أنهارها، غاباتها، بحارها و...
فلا يكون موضوعه أعمّ ولا أخصّ من موضوعات مسائله، لأنّ الجبالمثلاً جزء من الأرض لا نوعها ولا جنسها.
(صفحه34)
وإسناد عوارض الجزء إلى الكلّ مجاز إذا اجتمعت شرائط التجوّز وغلطإذا لم تجتمع.
فاتّصاف الأرض بصفات جبالها لو لم يكن غلطاً لكان بنحو من العنايةوالواسطة في العروض(1).
ويمكن الجواب عنه بأنّا لا نسلّم أن تكون نسبة موضوع العلم إلىموضوعات المسائل في الجغرافيا نسبة الكلّ إلى أجزائه، لاستلزامه أن ليترتّب فائدة على هذا العلم أصلاً إلاّ بعد الإحاطة العلميّة بجميع خصوصيّاتكلّ الأرض، كما لا يترتّب على الصلاة أيّ أثر إن ترك جزء واحد منها عمداً،ولا يمكن الالتزام بهذا في المقام، لأنّا نعلم أنّ كلّ من يدّعي أنّه عالم بالجغرافييعلم بناحية من نواحيها فقط، ويترتّب عليه الغرض بالنسبة إلى تلك الناحية،كما تترتّب شعبة من صون اللسان عن الخطأ في المقال على مسألة مرفوعيّةالفاعل إذا تعلّمها شخص وعمل بها في المحاورات.
فعلى هذا موضوع علم الجغرافيا أيضاً كلّي، وموضوعات مسائله مصاديقهوأفراده، فاندفع الإشكال عمّا ذهب إليه المحقّق الخراساني والحكيمالسبزواري رحمهماالله حول العرض الذاتي.
البحث في كون محمولات مسائل العلوم من الأعراض
لكن يشكل الأمر في صدق نفس العرض على محمولات مسائل العلوم معقطع النظر عن ذاتيّتها وغرابتها.
منشأ الإشكال أنّ قضيّة «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه