بيان الحقّ في مسألة المشتقّ
في أنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدء
فالمهمّ إنّما هو التعرّض لأدلّة القولين الأصيلين، فنقول:
ذهب الأشاعرة إلى كونه حقيقةً في خصوص المتلبّس، وهو الحقّ.
واستدلّ عليه المحقّق الخراساني رحمهالله بتبادر خصوصه(1).
وهو تمام، بل الدليل ينحصر فيه.
وأمّا صحّة السلب وعدمها فقد عرفت عدم كونهما علامتين للمجازوالحقيقة، في مقابل التبادر وعدمه.
وأيضاً مضادّة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادئ المتضادّة لا تصلح أنتجعل وجهاً على حدة على اعتبار التلبّس، إذ لا طريق إلى العلم بتضادّ تلكالصفات مع قطع النظر عن التبادر. على أنّك قد عرفت أنّ المسألة لغويّة ليصحّ الاستدلال لها بالوجوه العقليّة.
نعم، تضادّ هذه الصفات يؤيّد كون المتبادر خصوص المتلبّس.
فالدليل على اعتبار التلبّس بالمبدء والاشتغال به في صدق المشتقّ حقيقةًمنحصر في التبادر.
ج1
في بطلان القول بالأعمّ
ولابدّ للقائلين بالأعمّ من تصوير جامع بين المتلبّس والمنقضي ولا يمكنهمذلك، لعدم تحقّق جامع حقيقي بينهما، إذ المتلبّس هو واجد المبدء والمنقضيفاقده، ومعلوم أنّه لا جامع ماهوي مقولي بين واجد الشيء وفاقده.
وأمّا الجامع الانتزاعي فلابدّ من اعتبار اُمور فيه:
1ـ عدم دخل الزمان فيه، لما عرفت من خلوّ المشتقّ عنه، فلا يصحّ احتمالكون الموضوع له جامعاً انتزاعيّاً دالاًّ على الماضي والحال.
2ـ عدم تركّبه من مفهومين أو أكثر، لما سيجيء من أنّ مقتضى التحقيقهو بساطة مفهوم المشتقّ(1).
3ـ كونه أمراً متبادراً من المشتقّ، لما مضى من انحصار علامة الحقيقة فيالتبادر.
وأنّى لهم من تصوير جامع بين المتلبّس والمنقضي واجد لهذهالخصوصيّات؟
نقد أدلّة القول بالأعمّ
هذا بحسب مقام الثبوت.
وعلى فرض إمكان تصوير الجامع فلا يمكنهم إثبات وضعه له، لأنّهماحتجّوا بوجوه كلّها مدخولة:
الأوّل: التبادر، وقد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص المتلبّس بالمبدء.
الثاني: صدق «المضروب» و«المقتول» على من انقضى عنه المبدء.
- (1) بل مختار الاُستاذ«مدّ ظلّه» هو تركّب المشتقّ كما سيجىء في تنبيهاته. م ح ـ ى.
(صفحه460)
وفيه: أنّ صدقهما عليه حقيقةً إنّما هو بلحاظ حال التلبّس، ضرورة عدمصحّة قولنا: «زيد اليوم مضروب عمرو أو مقتوله» فيما إذا انقضى عنه مبدئهمإلاّ بنحو من العناية والمسامحة.
الثالث: قوله تعالى في آية حدّ السرقة: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوأَيْدِيَهُمَا»(1) وفي آية حدّ الزنا: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَجَلْدَةٍ»(2) فإنّهم حين القطع والجلد انقضى عنهم التلبّس بالسرقة والزنا(3).
وفيه أوّلاً: أنّ الحدّ ليس دائراً مدار صدق العنوان الانتزاعي على المجرم، بلهو من آثار صدور الأمر الشنيع الذي دعا الشارع أو المقنّن العرفي إلى تأديبهوسياسته، وحينئذٍ فالموجب للسياسة هو العمل الخارجي لا صدق العنوانالانتزاعي، فالسارق تقطع يده لأجل سرقته، ففي آية حدّ السرقة يكونعنوان «السارق» و«السارقة» إشارةً إلى من هو موضوع الحكم مع التنبيهعلى علّته، فكأنّه قال: الذي صدر منه السرقة تقطع يده لأجل صدورها منه،سواء صدق عليه عنوان السارق بنحو الحقيقة أو المجاز أو لم يصدق أصلاً.
وثانياً: ما أورده عليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه استعمل المشتقّ فيالآيتين بلحاظ حال التلبّس، فكان المعنى «من كان سارقاً أو سارقةً فاقطعوأيديهما» و«من كان زانيةً أو زانياً فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة» ولينافي إرادة خصوص حال التلبّس دلالتهما على ثبوت القطع والجلد مطلقاً،
- (3) استدلّ بمثل الآيتين من فصّل بين المحكوم عليه والمحكوم به، فقال بوضع الأوّل للأعمّ دون الثاني.منه مدّ ظلّه.