(صفحه478)
مرادهم هو الفرق الحقيقي بين المشتقّ ومبدئه خلاف صريح كلامهم.
فالمحقّق الاصفهاني رحمهالله حكى منهم في حاشيته على الكفاية كلامين صريحينفي أنّ مرادهم من «لا بشرط» و«بشرط لا» أمران اعتباريّان، لا ذاتيّان:
كلام العلاّمة الدواني حول الفرق بين المشتقّ ومبدئه
1ـ ما نقله عن المحقّق الدواني رحمهالله بقوله: المحكيّ عن العلاّمة الدوانيأنّه لا فرق بين المشتقّ ومبدئه الحقيقي(1) دون مبدئه المشهوري وهو المصدرإلاّ بالاعتبار، وقد صرّح بخروج الذات والنسبة معاً عن مداليل المشتقّات،فإنّه قال في تعليقاته على شرح التجريد للقوشجي ـ في مقام الردّ على من زعمأنّ الأجزاء المحمولة لا تكون مفهومات المشتقّات، لاشتمالها على النسبة ـ ملفظه:
التحقيق أنّ معنى المشتقّ لا يشتمل على النسبة بالحقيقة، فإنّ معنى الأبيضوالأسود ونظائرهما ما يعبّر عنه في الفارسيّة بـ «سفيد وسياه» وأمثالهما، ولمدخل في مفهومهما للموصوف لا عامّاً(2) ولا خاصّاً، إذ لو دخل في مفهومالأبيض «الشيء» كان معنى قولنا: «الثوب الأبيض» الثوب الشيء الأبيض(3)،
- (1) المبدء الحقيقي هو المادّة غير المتحصّلة مثل «ض ـ ر ـ ب» والمبدء المشهوري هو المصدر. م ح ـ ى.
- (2) المراد بالعامّ مفهوم «الشيء» وبالخاصّ مصداقه. م ح ـ ى.
- (3) حقّ العبارة أن يقال: «الشيء الذي له البياض». منه مدّ ظلّه.
ج1
ولو دخل فيه «الثوب» بخصوصه كان معناه الثوب الثوب الأبيض(1)، وكلاهممعلوما الانتفاء(2).
كلام صدر المتألّهين في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
2ـ ما حكاه عن صدر المتألّهين في الشواهد الربوبيّة، وهو أنّ مفهوم المشتقّعند جمهور علماء الكلام متحصّل من الذات والصفة والنسبة، وعند بعضالمحقّقين هو عين الصفة، لاتّحاد العرض والعرضي عنده بالذات، والفرق بكونالصفة عرضاً غير محمول إذا اُخذ في العقل بشرط لا شيء، وعرضيّاً محمولإذا اُخذ لا بشرط(3).
كلام آخر للمحقّق الدواني في اتّحاد المشتقّ ومبدئه
ويؤيّد كون الفرق بين المشتقّ ومبدئه بمجرّد الاعتبار عند أهل المعقول محكاه الحكيم السبزواري رحمهالله في حاشية الأسفار عن العلاّمة الدواني على ما فيحاشية الكفاية للمحقّق الاصفهاني رحمهالله ، فإنّه قال:
نقل عنه(4) بعض(5) المحقّقين وجهين آخرين:
أحدهما: أنّا إذا رأينا شيئاً أبيض فالمرئي بالذات هو البياض، ونحن نعلمبالضرورة أنّا قبل ملاحظة أنّ البياض عرض والعرض لا يوجد قائماً بنفسهنحكم بأنّه بياض وأبيض، ولو لا الاتّحاد بالذات بين الأبيض والبياض لم
- (1) حقّ العبارة أن يقال: «الثوب الذي له البياض». منه مدّ ظلّه.
- (2) نهاية الدراية 1: 221.
- (3) نهاية الدراية 1: 227.
- (4) أي عن العلاّمة الدواني رحمهالله . م ح ـ ى.
- (5) هو الحكيم السبزواري رحمهالله . م ح ـ ى.
(صفحه480)
حكم العقل بذلك في هذه المرتبة، ولم يجوّز قبل ملاحظة هذه المقدّمات كونهأبيض، لكنّ الأمر خلاف ذلك.
وحاصل الوجه الآخر: أنّ المعلّم الأوّل(1) ومترجمي كلامه عبّروا عنالمقولات بالمشتقّات، ومثّلوا لها بها، فعبّروا عن الكيف بالمتكيّف، ومثّلوا لهبالحارّ والبارد، ولو لا الاتّحاد لم يصحّ(2) ذلك(3)، إنتهى.
والحاصل: أنّ الفلاسفة أرادوا بالكلمتين ـ لا بشرط وبشرط لا ـ أمريناعتباريّين، لا مفهومين مختلفين كما تخيّل المحقّق الخراساني رحمهالله .
توجيه الحكيم السبزواري رحمهالله لكلام أهل المعقول
قال المحقّق السبزواري رحمهالله توضيحاً للاّبشرطيّة والبشرط اللاّئيّة فيالمقام:
إنّ نفس حقيقة البياض وغيرها من الأعراض تارةً تلاحظ بما هيوأنّها موجودة في قبال موضوعها، فهي بهذا اللحاظ بياض ولا يحملعلى موضوعه، كيف وقد لوحظ فيه المبائنة مع موضوعه، والحمل هوالاتّحاد في الوجود، واُخرى تلاحظ بما هي ظهور موضوعها وكونها مرتبة منوجود موضوعها، وظهور الشيء وطوره لا يباينه، فيصحّ حملها عليه، إذالمفروض أنّ هذه المرتبة مرتبة من وجود الموضوع، والحمل هو الاتّحاد فيالوجود(4).
- (1) المعلّم الأوّل أرسطو، والثاني أبو نصر الفارابي. م ح ـ ى.
- (2) إذ الكيف إنّما هو الحرارة والبرودة، لا الحارّ والبارد لو لم يتحقّق بينهما الاتّحاد. م ح ـ ى.
- (3) نهاية الدراية 1: 223، والحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 1: 42، التعليقة 3.
- (4) نهاية الدراية 1: 225، نقلاً عن بعض المحقّقين الذي فسّر في التعليقة بالحكيم السبزواري رحمهالله .
ج1
نظريّة الإمام الخميني رحمهالله في المقام
ولسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره في المقام مطالب جيّدة، وإن كانتمتشتّتةً في تقريرات بحثه:
1ـ ناقش فيما أفاده المحقّق الدواني من الوجهين المتقدّمين المنقولين عنه فيحاشية الأسفار بقوله:
فيه خلط بين النظر العقلي والفهم العرفي، إذ المتّبع في تعيين المفاهيم هوالأذهان الصافية عن شوائب البراهين العقليّة، واتّحاد المشتقّات الدائرة بينالعرف الساذج مع مباديها من الغرائب بينهم، ولا يرضى به مهما صار دقيقاً،وأوهن منه التمسّك بكلام المترجمين، إنتهى ملخّصاً.
2ـ ثمّ ناقش في كلام المحقّق السبزواري رحمهالله بقوله: ولا يكاد ينقضي تعجّبيمن هذا المحقّق، كيف جعل الوصفين(1) المزبورين من الاُمور الاعتباريّة، وأنّاللحاظ تارةً يمنعه عن الحمل، واُخرى يخرجه عن التعصّي، وقد تقدّم أنّ الحقّكون اللابشرطيّة وبديلها من الاُمور الواقعيّة.
3ـ أنّ ما نسب إلى أهل المعقول من كون المادّة بشرط لا، والمشتقّلا بشرط غير صحيح، لاستلزامه اجتماع أمرين متنافيين في المشتقّات، إذالمادّة التي اُخذت بشرط لا لابدّ وأن تكون موجودة في فروعها بما لهمن الحيثيّات بلا حذف واحدة منها، وحينئذٍ هيئة المشتقّ لا تأبى عن الحمل،
- (1) بيّن شيخنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» كلام الإمام رحمهالله بعبارة اُخرى، وهي أنّه: كيف جعل حقيقة البياض متعصّية عنالحمل على موضوعها إذا لوحظت بما هي في قباله، وقابلةً للحمل عليه إذا لوحظت مرتبة من وجوده، معأنّ ما يقبل الحمل هو الأبيض، وأمّا البياض فلا يقبله أصلاً، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن تقول: «هذا الجداربياض» معتذراً بأنّك لاحظت البياض مرتبة من مراتب وجود الجدار؟ م ح ـ ى.
(صفحه482)
بل تقتضيه، ومادّته يتعصّى عنه، وإلاّ لم تكن ما فرض مادّةً مادّةً، واحتمالأنّ المراد من المادّة هنا هو المصدر فاسد، فإنّهم بصدد بيان الفرق بينالمشتقّ والمبدء الحقيقي دون المشهوري كما عرفت في المحكي عن العلاّمةالدواني.
4ـ أنّ الفرق بين المشتقّ ومبدئه وإن كان في قابليّة الحمل وعدمها، إلاّ أنّهأمر واضح لا يحتاج إلى البيان، وإنّما كان عليهم(1) بيان لمّيّة قابليّة حمل المشتقّدون المبدء.
والتحقيق أنّ مادّة المشتقّات موضوعة لمعنى في غاية الإبهام وعدمالتحصّل، ويكون تحصّله بمعاني الهيئات، كما أنّ نفس المادّة أيضاً كذلك بالنسبةإلى الهيئات، فمادّة «ضارب» لا يمكن أن تتحقّق إلاّ في ضمن هيئة ما، كما أنّهلا تدلّ على معنى باستقلالها(2)، فهي مع هذا الانغمار في الإبهام وعدم التحصّللا تكاد تتّصف بقابليّة الحمل ولا قابليّته، إلاّ على نحو السلب التحصيلي(3)،لعدم شيئيّة لها بنحو التحصّل والاستقلال. نعم، بناءً على ما ذكرنا سابقاً منكون هيئة المصدر واسمه إنّما هي موضوعة لتمكين التنطّق بالمادّة يكون المصدركاسمه هو الحدث المتحصّل، فيتّصف بالإباء عن الحمل، بخلاف المادّة، فإنّهبنفسها لا تحصّل لها ولا لمعناها.
لكنّك عرفت أنّهم بصدد بيان الفرق بين المشتقّ والمبدء الحقيقي دونالمشهوري(4).
- (1) أي على أهل المعقول. م ح ـ ى.
- (2) فالمادّة غير متحصّلة لا لفظاً ولا معنىً. م ح ـ ى.
- (3) لصدقه مع انتفاء الموضوع. م ح ـ ى.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 172.