الموضوع له والمراد الجدّي كمال المناسبة، بحيث تكون العلاقة من أظهرخواصّ الموضوع له.
وقولكم: «فالمجاز أيضاً على هذا مطّرد» واضح الفساد، بعدما ذكرناه منأنّ صرف تحقّق صنف العلاقة ومصحّح الادّعاء لا يكفي في الاستعمال، ما لميكن المقام مقام إظهار هذا الادّعاء.
والحاصل: أنّه بعدما كان المقام مقام الإخبار بوقوع الرؤية على الرجل فيالمثال المذكور يكون إطلاق الرجل عليه حسناً بنحو الإطلاق، وأمّا استعمالالأسد فيه فيتوقّف ـ مضافاً إلى تحقّق صنف العلاقة ومصحّح الادّعاء ـ علىكون المقام مقام إظهار شجاعته، وذلك يختلف بحسب الموارد، فجعل عدماطّراد الاستعمال من علائم المجاز صحيح بلا إشكال(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
وحاصله: أنّ إطلاق اللفظ على معناه الحقيقي حسن مطلقاً، وهذا معنىالاطّراد، بخلاف الاستعمالات المجازيّة، فإنّها لا تحسن إلاّ في بعض المواقعوالمقامات كما تقدّم.
اغفر لي» مع كون الأوّل أيضاً حقيقةً، فحسن استعمال اللفظ في المعنى الحقيقيأيضاً يختصّ ببعض المواقع كالمجاز.
وثانياً: لا طريق إلى حسن الإطلاق وعدمه إلاّ العرف أو العلم بالمعنىالحقيقي والمجازي من قبل، والأوّل يكون من باب رجوع المستعلم إلى العالم،والثاني يستلزم عدم الحاجة إلى الاطّراد وعدمه لاستكشاف الحقيقة والمجاز،لكونهما معلومين من قبل فرضاً، فلا يمكن للجاهل كشف الحقيقة والمجازبنفسه من طريق حسن الاستعمال دائماً وعدمه.
رأي المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المسألة
وذهب بعض الأعلام إلى أنّ الاطّراد علامة الحقيقة بل لا علامة لها غيرهمن دون أن يجعل عدم الاطّراد علامةً للمجاز.
وفسّر الاطّراد بإطلاق اللفظ وإرادة معنى خاصّ في جميع الموارد عند أهلاللغة والمحاورة نظير التبادر عند الغير، فإنّه قال:
والذي ينبغي أن يقال في المقام هو أنّ الاطّراد الكاشف عن الحقيقة فيالجملة عبارة عن استعمال لفظ خاصّ في معنى مخصوص في موارد مختلفةبمحمولات عديدة، مع إلغاء جميع ما يحتمل أن يكون قرينة على إرادة المجاز،فهذا طريقة عمليّة لتعليم اللغات الأجنبيّة، واستكشاف حقائقها العرفيّة.
توضيح ذلك: هو أنّ من جاء من بلد إلى بلد آخر لا يعرف لغاتهم إذتصدّى لتعلّم اللغة السائرة في هذا البلد رأى أنّ أهل البلد يطلقون لفظويريدون به معنى، ويطلقون لفظاً آخر ويريدون به معنى آخر، وهكذا، ولكنّهلا يعلم أنّ هذه الإطلاقات من الإطلاقات الحقيقيّة، أو المجازيّة، فإذا رأىأنّهم يطلقون هذه الألفاظ ويريدون بها تلك المعاني في جميع الموارد حصل له
(صفحه288)
العلم بأنّها معانٍ حقيقيّة، لأنّ جواز الاستعمال معلول لأحد أمرين: إمّالوضع، أو القرينة، وحيث فرض انتفاء القرينة من جهة الاطّراد فلا محالةيكون مستنداً إلى الوضع، مثلاً إذا رأى أحد أنّ العرب يستعملون لفظ الماء فيمعناه المعهود، ولكنّه شكّ في أنّه من المعاني الحقيقيّة، أو من المعاني المجازيّة،فمن إلغاء ما يحتمل أن يكون قرينة من جهة الاطّراد علم بأنّه من المعانيالحقيقيّة، ولا يكون فهمه منه مستنداً إلى قرينة حاليّة أو مقاليّة.
وبهذه الطريقة غالباً يتعلّم الأطفال والصبيان اللغات والألفاظ.
فقد تحصّل من ذلك: أنّ الاطّراد بهذا التفسير الذي ذكرناه علامة لإثباتالحقيقة، بل إنّ هذا هو السبب الوحيد لمعرفة الحقيقة غالباً، فإنّ تصريحالواضع وإن كان يعلم به الحقيقة إلاّ أنّه نادر جدّاً، وأمّا التبادر فهو وإن كانيثبت به الوضع كما عرفت إلاّ أنّه لابدّ من أن يستند إلى العلم بالوضع، إمّا منجهة تصريح الواضع، أو من جهة الاطّراد، والأوّل نادر، فيستند إلى الثاني لمحالة(1).
إنتهى كلامه«مدّ ظلّه».
نقد ما أفاده السيّد الخوئي«مدّ ظلّه» في المقام
ولا يخفى أنّ كلامه يحتاج إلى توجيه، لأنّ الاطّلاع على جميع موارداستعمال الألفاظ ممتنع عادةً، فلابدّ من أن يريد بقوله: «في جميع الموارد» مواردكثيرة.
ثمّ يرد عليه: أنّ الجاهل إذا رأى استعمالات أهل المحاورة، فتارةً يعلم
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 139.