المقام الأوّل: في إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ذهب صاحب الكفاية رحمهالله إلى الامتناع، واستدلّ عليه بأنّ حقيقة الاستعمالليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل جعله وجهاً وعنواناً له، بلبوجه نفسه كأنّه الملقى، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى، ولا يكاديمكن جعل اللفظ كذلك إلاّ لمعنى واحد، ضرورة أنّ لحاظه هكذا في إرادةمعنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكونإلاّ بتبع لحاظ المعنى فانياً فيه فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون،ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد مع استلزامهللحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال؟
وبالجملة: لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجهاً لمعنيين وفانيفي الاثنين إلاّ أن يكون اللاحظ أحول العينين(1)، إنتهى.
نقد نظريّة صاحب الكفاية رحمهالله
أقول: في الاستدلال بهذه العبارة ثلاثة احتمالات:
1ـ أن يكون المعوّل عليه في الاستدلال كون حقيقة الاستعمال جعل اللفظ
ج1
فانياً في المعنى، فإنّه إذا صار فانياً في أحد المعنيين لم يبق لفظ لكي يفنى فيالمعنى الثاني، فكيف يمكن الاستعمال في المعنيين والفناء في الاثنين؟!
وفيه أوّلاً: منع كون حقيقة الاستعمال جعل اللفظ فانياً في المعنى، بل حقيقتهصرف جعله علامة له، ويؤيّده استخدام الفصحاء والبلغاء الألفاظ الجميلةلتفهيم مقاصدهم، مع أنّها لو كانت فانيةً فيها لما كان لذلك وجه، فحقيقةاستعمال اللفظ في المعنى جعله علامةً له، ولا إشكال في إمكان جعل شيءواحد علامةً لاثنين.
وثانياً: فناء الواحد في الاثنين دفعةً من دون تقدّم وتأخّر بينهما كما في المقاملا يمتنع، بل الممتنع ما إذا صار اللفظ فانياً أوّلاً في أحدهما حيث لا يبقى لفظحتّى يمكن فنائه في المعنى المتأخّر، وما نحن فيه ليس كذلك، لأنّ البحث إنّمهو فيما إذا استعمل اللفظ في عرض واحد في المعنيين من دون أن يكون تقدّموتأخّر في البين.
2ـ أن يكون المعوّل عليه تبعيّة اللحاظ في جانب اللفظ، فإنّ المعنىملحوظ باللحاظ الاستقلالي، واللفظ باللحاظ التبعي، فإذا تعدّد المعنى كاناللحاظ الاستقلالي متعدِّداً لا محالة مع أنّه لا يمكن تعدّد اللحاظ التّبعي، لعدمتعدّد اللفظ(1).
وفيه: أنّ لحاظ المتكلّم للفظ وإن كان بتبع لحاظ المعنى، إلاّ أنّه لا ضير فيوحدة اللحاظ في جانب اللفظ وتعدّده في جانب المعنى، فإنّه لا يستلزم إلكون الواحد تابعاً للمتعدّد، ولا برهان على امتناعه.
- (1) هذا الاحتمال أقرب بكلام المحقّق الخراساني من الاحتمال الأوّل الذي كان أساسه كون حقيقةالاستعمال جعل اللفظ فانياً في المعنى. منه مدّ ظلّه.