ج1
لا يرتبط بمقام دلالة اللفظ، بل يرتبط بواقعيّته.
فما ذهب إليه في معنى البساطة حقّ، بخلاف تنظيره المقام بالجوامد.
فالنزاع إنّما هو في أنّ المشتقّ هل هو بسيط بحسب الإدراك والتصوّر أومركّب؟ وبعبارة اُخرى: هل هو مثل الحجر في انتقاش صورة واحدة فيالذهن عند سماع لفظه، أو مثل «غلام زيد»؟ فكما أنّه يتصوّر السامع عندسماعه ثلاثة أشياء: 1ـ الغلام، 2ـ زيد، 3ـ الارتباط الواقع بينهما، فكذلكيتصوّر من «الضارب» أيضاً ثلاثة أشياء: 1ـ الذات، 2ـ الضرب، 3ـ الارتباطالواقع بينهما.
رأي المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المراد من بساطة المشتقّ
وذهب بعض الأعلام«مدّ ظلّه» إلى أنّ مركز النزاع هو البساطة والتركّببحسب التحليل العقلي لا بحسب الإدراك والتصوّر.
وعليه فما في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله من معنى البساطة هو معنى التركيب،ولذا قال بعض الأعلام: إنّ المحقّق صاحب الكفاية بالنتيجة من القائلينبالتركيب لا البساطة.
فما ينحلّ بتعمّل من العقل إلى شيئين أو أكثر فهو مركّب عند بعض الأعلاموإن كان مفهومه بحسب التصوّر والإدراك واحداً، والبسيط يختصّ بما لم ينحلّحتّى بتعمّل العقل أيضاً، وعليه فتصوّر بساطة مفهوم المشتقّ إنّما هو بأن يقال:لا فرق بينه وبين المبدء حقيقةً وذاتاً، وإنّما الفرق بينهما بالاعتبار ولحاظالشيء مرّة لا بشرط واُخرى بشرط لا، فكما أنّ الضرب مثلاً لا ينحلّ أصلولو بتعمّل من العقل، فكذلك الضارب، لعدم الفرق بينهما إلاّ في كون الأوّل
(صفحه466)
آبياً عن الحمل والجري، بخلاف الثاني، فإنّه غير آبٍ عنه ولا بشرط بالنسبةإليه، وأمّا حقيقتهما فواحدة(1).
نقد ما اختاره المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في المراد من بساطة المشتقّ
وبطلانه أظهر من الشمس، فإنّه لابدّ في تحقّق «الضارب» مثلاً من اُمورثلاثة واقعيّة: 1ـ الذات، 2ـ المبدء، 3ـ الارتباط بينهما، أي تلبّس الذاتبالمبدء وصدوره عنها، بخلاف الضرب، فإنّه بسيط محض، فالقول بأنّ الفرقبينهما صرف اعتبار المشتقّ لا بشرط والمبدء بشرط لا، من دون أن يكونبينهما تفاوت واقعي، باطل قطعاً، وإن قال به جمع من الأكابر والحكماء،فراجع إلى وجدانك هل تجد قولنا: «زيد قائم» حاكياً عن اعتبار الاتّحاد بين«زيد» و«قائم» أو عن الهوهويّة الواقعيّة، وإذا كان بينهما اتّحاد واقعي فهليمكن القول بأنّه ناشٍ عن صرف اعتبار المشتقّ لا بشرط من دون أن يكونبينه وبين المبدء الذي لا يمكن حمله على الذات فرق واقعي؟!
فالمشتقّ مركّب بحسب الواقع وإن كان بسيطاً بحسب التصوّر والإدراك.
بقي الكلام فيما أيّد به كون النزاع في البساطة والتركّب الواقعيّين، وهو أنّالمحقّق الشريف رحمهالله تصدّى لإقامة البرهان على البساطة، وظاهر أنّ إثباتالبساطة اللحاظيّة لا يحتاج إلى مؤونة استدلال وإقامة برهان، فإنّ المرجعالوحيد لإثباتها فهم أهل العرف أو اللغة، ولا إشكال في أنّهم يفهمون منالمشتقّ معنى واحداً كما يفهمون من غيره من الألفاظ المفردة ذلك، ومن هنسلّم شارح المطالع رحمهالله البساطة اللحاظيّة، إلاّ أنّه قال: بحسب التحليل ينحلّ
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 294.
ج1
إلى شيئين: ذات متّصفة بالمبدء(1).
أقول: نعم، يكفي في إثبات البساطة اللحاظيّة المبحوث عنها تبادرها عندأهل العرف، وهذه المسألة ليست بأهمّ من أصل مسألة المشتقّ وأنّه هل وضعلخصوص المتلبّس أو للأعمّ، فإذا كان التبادر عند العرف كافياً في إثبات تلكالمسألة ففي إثبات هذه المسألة التي تكون من أحوالها يكفي أيضاً بلا إشكال.
لكن إقامة البرهان من قبل المحقّق الشريف لا يكون مؤيّداً لكون النزاع فيالبساطة والتركّب الواقعيّين، لأنّ إقامة البرهان دأب المنطقيّين ـ ومنهم المحقّقالشريف ـ حتّى في المسائل التي يمكن إثباتها بالتبادر، لعدم اعتنائهم بالتبادرونحوه، وإلاّ فسيأتي أنّه أيضاً أراد التركّب والبساطة الإدراكيّين، لا الواقعيّينالعقليّين.
فيما وقع بين شارح المطالع والمحقّق الشريف
عرّف المشهور الفكر بأنّه ترتيب اُمور معلومة لتحصيل المجهول، وتبعهم فيذلك شارح المطالع. واُورد عليه بما إذا كان المعرّف مفرداً، كالتعريف بالفصلالقريب أو الخاصّة.
وأجاب عنه شارح المطالع بأنّ الفصل أو العرض الخاصّ وإن كان فيبداية الأمر وبالنظر السطحي أمراً واحداً، إلاّ أنّه في الواقع وبالنظر الدقّي ينحلّإلى أمرين: ذات ومبدء، فالناطق ينحلّ إلى شيء له النطق، والضاحك إلىشيء له الضحك.
فلا ينثلم ما تقدّم من تعريف الفكر، بالتعريف بالفصل القريب أو الخاصّة،
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 295.
(صفحه468)
لكون كلّ منهما متعدّداً بالنظر الدّقّي، فيصدق على التعريف بكلّ منهما أنّه«ترتيب اُمور معلومة عند النفس لتحصيل شيء مجهول»(1).
وناقش فيه المحقّق الشريف في بعض حواشيه على شرح المطالع بأنّه ليمكن أخذ «الشيء» في مفهوم المشتقّ، وذلك لأنّ المأخوذ فيه إن كان مفهوم«الشيء» يلزم دخول العرض العامّ في الفصل، وهو محال(2)، وإن كان مصداقهيلزم انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة، مثلاً جملة «الإنسان ضاحك»قضيّة ممكنة، فإذا انحلّت إلى قولنا: «الإنسان إنسان له الضحك» صارت قضيّةضروريّة، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري، وهو خلف(3)،(4).
توضيح مرام شارح المطالع والمحقّق الشريف في المسألة
والظاهر أنّ نزاعهما أيضاً في التركّب والبساطة اللحاظيّين، خلافاً لماستظهره بعض الأعلام من كلامهما، فالمحقّق الشريف يقول بالبساطةاللحاظيّة، وشارح المطالع يقول بالتركّب اللحاظي بالنظر الدقيق.
وبعبارة اُخرى: المركّب على ثلاثة أقسام:
- (1) شرح المطالع: 11. و«المطالع» في المنطق، للقاضى سراج الدين محمود بن أبي بكر الارموى المتوفّىسنة: 686ه .ق، وشرحه لقطب الدين الرازى المتوفّى سنة: 766 ه .ق. نهاية الدراية 1: 214، التعليقة 3.
- (2) إذ العرض يعرض على الذات بعد تماميّتها، فهو متأخّر عنها، فلا يمكن أن يؤخذ في فصلها المقوّم لها.منه مدّ ظلّه.
- (3) حاشية المحقّق الشريف على شرح المطالع: 11.
- (4) لا يخفى أنّ كلّ واحد من الإشكالين يختصّ بنوع من المشتقّات، فإنّ الإشكال الأوّل لا يجري فيالخاصّة، لعدم استحالة أخذ مفهوم «الشيء» الذي هو عرض عامّ في الخاصّة، والإشكال الثاني ـ وهولزوم انقلاب الممكنة إلى الضروريّة ـ لا يجري في الفصل كما لا يخفى، فالإشكال الأوّل يختصّ بالفصلوالثاني بالخاصّة. منه مدّ ظلّه.
ج1
1ـ ما يكون مركّباً حتّى بالنظر التصوّري السطحي، مثل «غلام زيد».
2ـ ما يكون مركّباً بالنظر التصوّري الدقّي، لكنّه بسيط بالنظر السطحيالبدوي، والمشتقّ كذلك عند شارح المطالع.
3ـ ما لا يكون مركّباً إلاّ بالنظر التحليلي العقلي، وهو الجوامد، مثل«الحجر» فإنّه بسيط بحسب الإدراك السطحي والدقّي، إلاّ أنّه ينحلّ بتعمّل منالعقل إلى شيء له الحجريّة.
فاعتقد شارح المطالع بالتركيب التصوّري بحسب النظر الدقيق العرفي،والمحقّق الشريف ردّه وذهب إلى البساطة التصوّريّة حّتى بالنظر الدقيق.
ويشهد عليه أوّلاً: أنّه قال: مفهوم المشتقّ بسيط منتزع عن الذات باعتبارتلبّسها بالمبدء، فهو مع ذهابه إلى البساطة قائل بتركّب منشأ الانتزاع منالذات والمبدء وتلبّسها به، وهل هذا إلاّ التركّب بالتحليل العقلي، فلم يريدالبساطة والتركّب الانحلاليّين عقلاً، وإلاّ فلم يقع بينهما نزاع أصلاً.
وثانياً: أنّه لو كان نظر شارح المطالع بساطة المشتقّ بحسب الإدراكوالتصوّر حتّى بالنظر الدقيق العرفي، وتركّبه بتحليل العقل فقط، لم يتوجّه إليهإشكال في أخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق، لعدم دخله في معناه التصوّريالبدوي والدقّي أصلاً، فيعلم أنّ المحقّق الشريف أيضاً فهم من كلام شارحالمطالع التركّب اللحاظي، فأشكل عليه بهذا الإشكال.
نقد ما أفاده المحقّق الشريف لإثبات بساطة المشتقّ
ويرد عليه أوّلاً: أنّه لو تمّ لدلّ على خروج الشيء مفهوماً ومصداقاً عنمعنى المشتقّ، وهو لا يستلزم البساطة، لإمكان تركّبه من المبدء ونسبته إلى