ج1
الموضوع عليه وهو ذات المكان، الركن الثالث: الموضوع له وهو الدلالة علىكون المكان رأس الفرسخ، وهذا بخلاف الوضع في باب الألفاظ، فإنّه يتقوّمبركنين: الأوّل: الموضوع وهو اللفظ، الثاني: الموضوع له وهو دلالته علىمعناه، ولا يحتاج إلى شيء ثالث ليكون ذلك الثالث هو الموضوع عليه،وإطلاقه على المعنى الموضوع له لو لم يكن من الأغلاط الظاهرة فلا أقلّ منأنّه لم يعهد في الإطلاقات المتعارفة والاستعمالات الشائعة، مع أنّ لازم مأفاده قدسسره هو أن يكون المعنى هو الموضوع عليه(1).
أقول: ظاهر كلامه وإن كان ما ذكره بعض الأعلام من قياسه المعنىالموضوع له على المكان الموضوع عليه العلم، لكنّه خلاف الواقع، فإنّ الصحيحأن يقاس دلالة اللفظ على المعنى على دلالة العلم على الموضوع له في بابالدوالّ، أعني دلالة العلم على كون المكان رأس الفرسخ، لا على الموضوععليه في ذلك الباب.
وعليه فلا يرد على كلامه إشكال بعض الأعلام.
لكن يرد عليه إشكال آخر، وهو أنّ الوضع في باب الدوالّ أيضاً اعتباريكما في باب الألفاظ، فإنّ العلم والمكان الموضوع عليه العلم وإن كانا أمرينواقعيّين، إلاّ أنّ دلالة العلم على كون هذا المكان رأس الفرسخ أمراعتباري(2)، كما أنّ اللفظ والمعنى أمران واقعيّان، لكن دلالته عليه اعتباري،
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 51.
- (2) ويمكن تقرير المسألة بوجه آخر، وهو أن يقال: لنا في باب الدوالّ ثلاث حقائق: أ ـ العلم، وهوالموضوع، ب ـ المكان الذي نصب عليه العلم، وهو الموضوع عليه، ج ـ كون ذلك المكان رأس الفرسخ،وهو الموضوع له.
وأمّا في باب الألفاظ والمعاني فليس لنا إلاّ واقعيّتان اثنتان: إحداهما: اللفظ، وهو الموضوع، والثانية:المعنى، وهو الموضوع له.
ولا ريب في أنّ الارتباط بين الموضوع والموضوع له في البابين أمر اعتباري، فإنّ العلم لا يدلّ على كونذلك المكان رأس الفرسخ إلاّ بالجعل والاعتبار، كما أنّ اللفظ لا يدلّ على المعنى إلاّ به.
فالوضع في كلا البابين أمر اعتباري لا حظّ له من الواقعيّة أصلاً. م ح ـ ى.
(صفحه140)
فلا يصحّ الفرق بين البابين بجعل الوضع في باب الألفاظ اعتباريّاً وفي بابالدوالّ حقيقيّاً.
لكن مع ذلك فأصل ما أفاده رحمهالله في حقيقة الوضع مقبول متين، كما عرفت.
ج1
(صفحه142)
في تقسيمات الوضع
الجهة الرابعة: في تقسيمات الوضع
1ـ تقسيمه بلحاظ كيفيّة تحقّقه إلى التعييني والتعيّني
بناءً على ما اخترناه من أنّ حقيقة الوضع اعتبار الارتباط بين اللفظوالمعنى، فهل المقسم في تقسيمه إلى التعييني والتعيّني هو الوضع بمعناه الحقيقي،أو الأعمّ منه ومن المجازي؟
يمكن الذهاب إلى الأوّل، فإنّ اللفظ إذا كثر استعماله في المعنى المجازي،بحيث يفهم منه هو من دون نصب قرينة، يعتبر أهل اللغة الارتباط بينهما، كمأنّ الشارع والعقلاء يعتبرون الملكيّه والزوجيّة مثلاً عقيب عقدي البيعوالنكاح، ولا يجب أن يكون المعتبر شخصاً واحداً خاصّاً، فإنّ الاُمورالاعتباريّة إذا كانت واجدة للضوابط الشرعيّة المقرّرة لها يعتبرها الشارع،وإذا كانت واجدة للضوابط العقلائيّة المقرّرة لها يعتبرها العقلاء.
ويمكن توجيه الوضع أيضاً كذلك، فقد يعتبر الارتباط بين اللفظ والمعنىواضع خاصّ، كما في الوضع التعييني، وقد يعتبره أهل اللغة، كما في الوضعالتعيّني، لتحقّق الضابطة المقرّرة من قبلهم فيه، وهي كثرة استعمال اللفظ فيالمعنى المجازي بحيث يستغني عن القرينة، ففي كلّ مورد تحقّقت هذه الضابطةيعتبرون الارتباط بين اللفظ والمعنى، كما يعتبره الواضع الخاصّ في الوضع
ج1
التعييني.
فالوضع التعيّني مصداق حقيقي له كالتعييني.
ويمكن الذهاب إلى الثاني والقول بخروج الوضع التعيّني عن حقيقة الوضع،وكونه مصداقاً مجازيّاً له.
ولا ينافيه صيرورة المعنى المجازي معنىً حقيقيّاً بسبب كثرة استعمال اللفظفيه، إذ لا ملازمة بين حقيقيّة المعنى وبين كونه موضوعاً له، كما بيّناه في ذيلكلام المحقّق الخراساني رحمهالله في البحث عن حقيقة الوضع(1).
2ـ تقسيمه بلحاظ اللفظ الموضوع إلى الشخصي والنوعي
إنّهم اتّفقوا على شخصيّة الوضع في بعض الألفاظ، وعلى نوعيّته في بعضآخر، واختلفوا في موردين:
توضيح ذلك: أنّ الواضع قد يتصوّر مادّة معيّنة وهيئة كذلك، بحيث يكونكلّ منهما دخيلةً في وضع اللفظ، ولا ريب في كون الوضع في هذا القسمشخصيّاً(2)، وله أمثلة متعدّدة في الأعلام الشخصيّة وأسماء الأجناس، نحو زيدورجل.
وقد لا يلاحظ مادّة معيّنة ولا هيئة خاصّة، وإن حدّد اللفظ من جهةاُخرى، ولا ريب في كون الوضع فيه نوعيّاً، كالجملة الاسميّة، حيث تصدق فيضمن «زيد قائم» وفي ضمن «عمرو عالم»، فلا دخل لمادّة خاصّة فيها،
- (2) لا يخفى عليك أنّ المراد بالشخصيّة هنا غير ما سيأتي في مسألة «إطلاق اللفظ وإرادة شخصه» فإنّه هناكبمعنى شخص اللفظ الصادر من اللافظ، بخلافه هنا، فإنّ الواضع وضع طبيعي لفظ «زيد» مثلاً لمعناه، لخصوص اللفظ الصادر منه حين الوضع، لكنّه حدّده بحسب المادّة والهيئة. منه مدّ ظلّه.