(صفحه386)
وبعبارة أوضح: أساس كلام المستشكل إنّما هو وحدة المسبّب وتعدّدالسبب، فإن أراد من وحدة المسبّب أنّه شيء واحد خارجي، فهو ممنوع، لمعرفت من أنّ لكلّ بيع مثلاً مسبّباً، لتغيّر الملكيّة بتغيّر ما تضاف إليه.
وإن أراد وحدة نوع المسبّب كالبيع المفيد لملكيّة العين في مقابل الإجارةالمفيدة لملكيّة المنفعة والنكاح المفيد للزوجيّة وغيرها من أنواع المعاملات فلهمصاديق وأفراد متكثّرة إلى ما شاء اللّه، وقوله تعالى: «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»يعمّبإطلاقه إمضاء جميعها، ويلزمه إمضاء جميع أسبابها المؤثّرة عرفاً حتّى ما شكّبدواً في سببيّته الشرعيّة، لأنّ «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ» إذا اقتضى إمضاء جميعالمسبّبات العقلائيّة اقتضى إمضاء جميع أسبابها أيضاً، إذ لا يعقل إمضاءالمسبّب بدون إمضاء سببه، فإذا باع زيد داره بالصيغة الفارسيّة أو بالمعاطاةفلا ريب في تحقّق السبب والمسبّب العرفيّين، لكن نشكّ في أنّ هذا السبب هليكون شرعيّاً أيضاً أم لا؟
إلاّ أنّ هذا الشكّ بدوي يزول بأدنى تأمّل، لأنّ المسبّب العرفي إذا كانمعلوم التحقّق وأمضاه الشارع بقوله: «أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ» فلا محالة أمضى سببهالعرفي أيضاً، إذ لا يعقل إمضاء المسبّب بدون إمضاء السبب، فإذا شككنا فيسببيّة المعاطاة أو العقد بالفارسيّة شرعاً فجواز التمسّك بإطلاق «أَحَلَّ اللّهُالْبَيْعَ» في جانب المسبّب يقتضي جوازه في جانب السبب أيضاً، فيستكشفكونهما سبباً شرعيّاً أيضاً.
هذا تمام الكلام في الصحيح والأعمّ.
ج1
(صفحه388)
في الاشتراك
الأمر الحادي عشر
في الاشتراك
والكلام فيه يقع تارةً في إمكان الاشتراك ووجوبه وامتناعه، واُخرى فيمنشأ وقوعه، وثالثةً في استعمال المشترك في الكتاب العزيز.
في امكان الإشتراك وعدمه
أمّا الجهة الاُولى: ففيها ثلاثة أقوال:
الأوّل: ضرورة وقوع الاشتراك، واستدلّ له بأنّ الألفاظ والتراكيب المؤلّفةمنها متناهية، والمعاني الموجودة في الواقع ونفس الأمر غير متناهية، فالحاجةإلى تفهيم جميع المعاني تستدعي لزوم الاشتراك، لئلاّ يبقى معنى بلا لفظ دالّعليه.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بوجهين:
أ ـ أنّه يمتنع الاشتراك في هذه المعاني، لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية،ضرورة أنّ مقدار الوضع تابع لمقدار المعنى، فإذا كانت المعاني غير متناهيةكانت الأوضاع أيضاً كذلك، فلا يمكن صدورها من الواضع المتناهي وهوالإنسان الممكن.
ج1
فإن قلت: يمكن أن يكون الواضع هو الواجب تعالى.
قلت: تحقّق الأوضاع الغير المتناهية وإن كان على هذا الفرض ممكناً ذاتاً،إلاّ أنّ غرض الوضع هو التفهيم والتفهّم بسهولة، فمقداره تابع لمقدار الحاجةإلى الاستعمال، وهو متناهٍ، وما زاد عليه لغو مستحيل في حقّه تعالى.
فالوضع للمعاني الغير المتناهية كما يستحيل بلحاظ تناهي الألفاظ كذلكيستحيل بلحاظ نفس الوضع أيضاً(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في الوجه الأوّل.
وهو مع كونه متيناً في نفسه يمكن أن يناقش فيه بناءً على ما ذهب إليه فيمبحث أقسام الوضع من إمكان(2) الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فإنّه منمصاديق الاشتراك اللفظي قطعاً، لتكثّر المعاني فيه، مع أنّ الوضع فيه واحد،فليس مقدار الوضع تابعاً لمقدار المعنى.
ب ـ أنّ المعاني الكلّيّة كالواجب والممتنع والممكن متناهية، وجزئيّاتها وإنكانت غير متناهية، إلاّ أنّ وضع الألفاظ بإزاء كليّاتها يُغني عن وضع لفظبإزائها كما لا يخفى(3).
الثاني: امتناع وقوعه، واستدلّ عليه بوجوه:
1ـ أنّ الاشتراك مخلّ بالتفهيم المقصود من الوضع، لخفاء القرائن، والإخلالبه مخلّ بالحكمة.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله أوّلاً: بمنع الإخلال، لإمكان الاتّكال علىالقرائن الواضحة، وثانياً: بمنع كونه مخلاًّ بالحكمة، لتعلّق الغرض بالإجمال
- (2) خلافاً لما اخترناه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه390)
أحياناً(1).
وحاصله: أنّ المتكلّم إن كان بصدد بيان تمام مراده أقام قرينة واضحة علىالمعنى المراد من اللفظ المشترك فيصير المعنى بيِّناً، وإن كان بصدد الإجمالوبيان بعض مراده فلم يقم قرينة أصلاً، ولا ضير في إجمال اللفظ وإهمالهحينئذٍ، فأين الاتّكال على القرائن الخفيّة؟!
2ـ أنّ الوضع جعل اللفظ مرآةً للمعنى، فلابدّ من سرعة الانتقال منه إليهبحيث لا يبقى للسامع حالة تحيّر وتردّد بعد استماع اللفظ، كما أنّ الناظر فيالمرآة يرى ما انعكس فيها ولا يبقى له تردّد وتحيّر أصلاً، وهذا المعنى للوضعلا يلائم الاشتراك كما هو واضح.
وفيه: أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ علامةً للمعنى لا مرآةً له، فإنّالمرآتيّة مربوطة بمقام الاستعمال، حيث إنّ المستعملين لا يلاحظون الألفاظ إلبنحو المرآتيّة، حتّى كأنّهم يلقون المعاني إلى المخاطب، وكذلك المخاطب ليلاحظ اللفظ إلاّ مرآةً للمعنى، حتّى كأنّه يتلقّى المعنى بنفسه، بخلاف مقامالوضع، فإنّ الواضع يلاحظ كلاًّ من اللفظ والمعنى بالأصالة، ثمّ يجعله علامةله، ولا إشكال في كون شيء علامة لشيئين أو أكثر، ولعلّ هذا المستدلّ خلطبين مقامي الوضع والاستعمال، فتخيّل أنّ المرآتيّة مربوطة بمقام الوضع.
3ـ أنّ الوضع عبارة عن جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى، ولو أمكنالاشتراك لكان بين اللفظ المشترك وكلّ واحد من معانيه ملازمة، وهذيستلزم الملازمة بين نفس المعاني وعدم انفكاك بعضها عن بعض عند سماعاللفظ، وهذا واضح البطلان.