فيها إلاّ إلى ثبوتها خارجاً ثبوتاً لفظيّاً، غاية الأمر أنّها لايصحّ السكوتعليها، بخلاف المعاني الإنشائيّة المقابلة للمعاني الخبريّة.
وهذا أحسن ما يتصوّر في شرح حقيقة الإنشاء، وعليه يحمل ما أفادهاُستاذنا العلاّمة، لا على أنّه نحو وجود آخر في قبال جميع الأنحاء المتقدّمة، فإنّهغير متصوّر(1)، إنتهى.
هذا كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله ، وحاصله: أنّ الوجود الإنشائي للمعنى وراءاللفظي غير متصوّر، إذ أنحاء الوجود منحصرة في أربعة، العيني والذهنيوالكتبي واللفظي، فأراد المحقّق الخراساني رحمهالله من الوجود الإنشائي الوجوداللفظي.
وإن أراد أنّ كلامه مع حفظ ظاهره غير متصوّر فلابدّ من توجيهه وحملهعلى ما اختاره، ففيه أنّه لا وجه لعدم كون الوجود الإنشائي متصوّراً إلتقسيمهم الوجود إلى الأقسام الأربعة من دون أن يكون في كلامهم منالوجود الإنشائي عين ولا أثر، وهذا لا يجديه، لأنّ المقسم في كلامهم هو
الوجود الواقعي، فلا يكون نافياً لما يدّعيه المحقّق الخراساني من تحقّق الوجودالإنشائي في الاعتباريّات.
كيف يمكن القول بانحصار الوجود في أربعة، مع أنّ الملكيّة المتحقّقة بسببالحيازة أو الإرث(1) ليست منها، ضرورة عدم كونها أمراً خارجيّاً ولا ذهنيّولا كتبيّاً ولا لفظيّاً، ومع ذلك لا يمكن إنكارها في وعاء الاعتبار، فلا محالةكان المقسم في كلامهم هو الوجودات الواقعيّة، فلا ينافي تحقّق قسم خامسمن الوجود يسمّى وجوداً إنشائيّاً، لكن ظرف تحقّقه الاعتبار لا الواقع.
ولأجل هذا عدل المحقّق الخراساني رحمهالله عن التعبير بالواقع إلى التعبير بنفسالأمر، إذ لو قال: «الصيغ الإنشائيّة موجدة لمعانيها في الواقع» لم يشملالاعتباريّات التي منها الإنشاء، بخلاف «نفس الأمر» فإنّها أعمّ من الواقعوالاعتبار.
وبهذا ظهر فساد ما قاله المحقّق الاصفهاني أيضاً من أنّ التقييد بنفس الأمرلأجل التنبيه على أنّ اللفظ بواسطة العلقة الوضعيّة وجود المعنى تنزيلاً فيجميع النشآت، والمراد بنفس الأمر حدّ ذات الشيء.
إذ لو كان هذا هو المراد بنفس الأمر وكان التقييد به لأجل كون اللفظوجوداً تنزيليّاً لوجود المعنى في جميع النشآت لم يكن للعدول عن التعبيربالواقع إليه وجه، لأنّ اللفظ من الاُمور الواقعيّة، فكذلك المعنى الذي يكونبزعمه متّحداً مع اللفظ.
فلا محالة كان المراد بنفس الأمر ما ذكرناه من أنّه أعمّ من الواقع
- (1) قيّد الملكيّة بكونها مسبّبة عن الحيازة أو الإرث، لأنّها لو كانت مسبّبة عن الصيغة لأمكن تخيّل كونها منالوجودات اللفظيّة. م ح ـ ى.
ج1
والاعتبار، والمراد بالوجود الإنشائي للمعنى وجود اعتباري غير وجوداللفظ.
فدعوى رجوع كلام المحقّق الخراساني إلى ما اختاره في معنى الإنشاءمجازفة.
على أنّ أصل كلامه أيضاً مخدوش، لأنّه كما رأيت قال بعدم الفرق بينالجمل الإنشائيّة والألفاظ المفردة إلاّ في صحّة السكوت عليها وعدمها، فيلزمأن يكون مثل لفظ «الإنسان» أيضاً إنشاءً ولم يتفوّه به أحد من العقلاء.
وأيضاً قال باتّحاد الجمل الإنشائيّة والخبريّة في المعنى الإنشائي وكونالاختلاف بينهما في قصد الحكاية ـ زيادة على أصل المعنى ـ في الثاني وعدمهفي الأوّل.
وهو خلاف ما عليه الكلّ في الفرق بينهما، فإنّ الخبر والإنشاء عندهممتغايران ماهيّة، والتقابل بينهما تقابل التضاد، لا تقابل الإيجاب والسلب، بأنيتحقّق في الجملة الخبريّة ما لا يتحقّق في الإنشائيّة كما إختاره المحقّقالإصفهاني رحمهالله .
وما كان ذهابه إلى هذه المذاهب الواضحة البطلان إلاّ لأجل ما اختاره فيالمبنى من كون حقيقة الإنشاء هو وجود المعنى المتّحد مع وجود اللفظ بحيثينسب الوجود إلى الثاني بالذات وإلى الأوّل بالعرض.
وما ذكرناه من الإشكال على لوازم المبنى شاهد على فساد نفسه.
إذا عرفت الأقوال الثلاثة في حقيقة الإنشاء وما فيها من المناقشات فاعلمأنّ أردءها هو قول المحقّق الاصفهاني رحمهالله ، لما عرفت من لوازمه الواضحةالبطلان، وأوسطها ما ذهب إليه المشهور، وأرجحها قول المحقّق الخراساني رحمهالله .