(صفحه392)
استعمال المشترك في الكتاب العزيز
وأمّا الجهة الثالثة ـ أعني استعمال المشترك في القرآن ـ : فقال بعضهمبامتناعه وإن كان ممكناً في لغة العرب، لأنّه يستلزم التطويل بلا طائل معالاتّكال على القرائن والإجمال في المقال لو لا الاتّكال عليها، وكلاهما غيرلائق بكلامه تعالى جلّ شأنه كما لا يخفى.
وفيه أوّلاً: أنّ أدلّ دليل على إمكان استعمال المشترك في القرآن وقوعه فيقوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ»(1) فإنّ القرء مشتركبين الطهر والحيض، وقوله تعالى: «فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ»(2) وقوله تعالى: «وَلَهُمْأَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا»(3) وغيرها من الآيات.
وثانياً: أنّ الاتّكال على القرينة لا يستلزم التطويل إذا أتى بها لغرض آخرغير القرينيّة، على أنّه يمنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه ممّيتعلّق به الغرض، وإلاّ لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريمبوقوعه فيه، قال اللّه تعالى: «مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُمُتَشَابِهَاتٌ»(4)، وهل يكون المتشابه غير المجمل؟!
هذا تمام الكلام في الاشتراك.
ج1
(صفحه394)
في استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
الأمر الثاني عشر
في استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
ولا يخفى أنّ النزاع يعمّ ما إذا كان المستعمل فيه معنيين حقيقيّين أومجازيّين أو مختلفين.
وقبل البحث ينبغي تقديم أمرين لتحرير محلّ النزاع:
الأوّل: أنّ البحث إنّما هو فيما إذا اُريد كلّ من المعنيين أو المعاني من اللفظعلى سبيل الانفراد والاستقلال كما إذا لم يستعمل إلاّ فيه، لا فيما إذا اُريد منهالجامع بين المعنيين أو عنوان أحد المعنيين أو اُريد أحدهما بالأصالة والآخربالتّبع.
الثاني: أنّ ظاهر كلام القدماء كصاحبي المعالم والقوانين أنّ النزاع في جوازالاستعمال بمعنى ترخيص الواضع له بعد الفراغ عن إمكانه، خلافاً للمحقّقالخراساني رحمهالله ومن تبعه، حيث جعلوا النزاع في إمكانه الوقوعي.
فلابدّ لنا من البحث في مقامين:
ج1
(صفحه396)
المقام الأوّل: في إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ذهب صاحب الكفاية رحمهالله إلى الامتناع، واستدلّ عليه بأنّ حقيقة الاستعمالليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل جعله وجهاً وعنواناً له، بلبوجه نفسه كأنّه الملقى، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى، ولا يكاديمكن جعل اللفظ كذلك إلاّ لمعنى واحد، ضرورة أنّ لحاظه هكذا في إرادةمعنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكونإلاّ بتبع لحاظ المعنى فانياً فيه فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون،ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد مع استلزامهللحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال؟
وبالجملة: لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجهاً لمعنيين وفانيفي الاثنين إلاّ أن يكون اللاحظ أحول العينين(1)، إنتهى.
نقد نظريّة صاحب الكفاية رحمهالله
أقول: في الاستدلال بهذه العبارة ثلاثة احتمالات:
1ـ أن يكون المعوّل عليه في الاستدلال كون حقيقة الاستعمال جعل اللفظ