التعييني.
فالوضع التعيّني مصداق حقيقي له كالتعييني.
ويمكن الذهاب إلى الثاني والقول بخروج الوضع التعيّني عن حقيقة الوضع،وكونه مصداقاً مجازيّاً له.
ولا ينافيه صيرورة المعنى المجازي معنىً حقيقيّاً بسبب كثرة استعمال اللفظفيه، إذ لا ملازمة بين حقيقيّة المعنى وبين كونه موضوعاً له، كما بيّناه في ذيلكلام المحقّق الخراساني رحمهالله في البحث عن حقيقة الوضع(1).
2ـ تقسيمه بلحاظ اللفظ الموضوع إلى الشخصي والنوعي
توضيح ذلك: أنّ الواضع قد يتصوّر مادّة معيّنة وهيئة كذلك، بحيث يكونكلّ منهما دخيلةً في وضع اللفظ، ولا ريب في كون الوضع في هذا القسمشخصيّاً(2)، وله أمثلة متعدّدة في الأعلام الشخصيّة وأسماء الأجناس، نحو زيدورجل.
وقد لا يلاحظ مادّة معيّنة ولا هيئة خاصّة، وإن حدّد اللفظ من جهةاُخرى، ولا ريب في كون الوضع فيه نوعيّاً، كالجملة الاسميّة، حيث تصدق فيضمن «زيد قائم» وفي ضمن «عمرو عالم»، فلا دخل لمادّة خاصّة فيها،
وكذلك تصدق على «زيد قائم» و«القائم زيد» و«زيد قام» مع وضوح تغايرهيئاتها.
ولا مثال للوضع النوعي المتّفق عليه غير الجملة الإسميّة والفعليّة ونحوهما.
وأمّا إذا كان خصوص المادّة أو الهيئة متعيّنة فاختلفوا في كون الوضعشخصيّاً أو نوعيّاً.
مثال الأوّل: مادّة المشتقّات، نحو مادّة «ضرب» وهي الضاد والراء والباء،فإنّها وضعت لما يقال له بالفارسيّة: «كتك» وتتشكّل بأشكال مختلفة منالماضي والمضارع والمصدر وغيرها لأجل حصول معانٍ مخصوصة سوىمعنى المادّة.
ومثال الثاني: هيئة المشتقّات، نحو هيئة «الفاعل» فإنّها وضعت لمن يتلبّسويتّصف بالمبدأ في ضمن أيّة مادّة تحقّقت.
ففي هذين الموردين ثلاثة أقوال:
أ ـ ما يستفاد من بعض كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله من شخصيّة الوضع فيكليهما.
ب ـ ما ذهب إليه المحقّق العراقي رحمهالله من نوعيّته فيهما.
ج ـ والحقّ ما يستفاد من كلمات بعض الأعلام في المحاضرات من التفصيلبين ما إذا كانت المادّة معيّنة، فشخصي، وما إذا كانت الهيئة كذلك، فنوعي.
بيان ذلك: أنّ الواضع إذا لاحظ مادّة خاصّة مثل «ض، ر، ب» بهذالترتيب من دون أن يتقدّم بعض الحروف على بعض، ومن دون أن يزيدعليها أو ينقص عنها حرف فهو لاحظ الخصوصيّة والشخصيّة في الحقيقة.
ولا يضرّ بها عدم تشخّص الهيئة، كما لا يضرّ بشخصيّة الوضع في الأعلامعدم تعيّن حركات آخر الكلمة الذي يتغيّر بمقتضى العوامل، فإنّ الواضع عند
ج1
وضع كلمة «زيد» لم يلاحظ حركة خاصّة لآخره، وهو «الدال» واتّفقوا معذلك على كون وضعه شخصيّاً، فكما لا يضرّ بشخصيّة الوضع عدم تشخّصحركات آخر الكلمة، فكذلك لا يضرّ بها عدم تعيّن الهيئة.
وأمّا الهيئة فهي مندمجة في المادّة غاية الاندماج، فلا يعقل لحاظها بنفسهمع قطع النظر عن المادّة، إذ لا وجود لها بدونها في الوجود الذهني فضلاً عنالوجود العيني، فتجريدها عن الموادّ لا يمكن حتّى في مقام اللحاظ، فلا محالةيجب الوضع لأشخاصها بجامع عنواني كقولك: «كلّ ما كان على هيئة الفاعل»لا بشخصيّتها الذاتيّة، وهذا معنى نوعيّة الوضع.
بخلاف المادّة، فإنّ الواضع يلاحظ «ض، ر، ب» ويضع هذه المادّةبشخصيّتها لمعناها من دون أن يحتاج في تصوّرها أو ذكرها إلى هيئة أصلاً.
هذا توضيح ما يستفاد من كلام بعض الأعلام في توجيه كون الوضعشخصيّاً فيما إذا تعيّنت المادّة ونوعيّاً فيما إذا تعيّنت الهيئة(1)، وهو حقّ متين.
وهذه المسألة وإن لم تكن لها ثمرة عمليّة، إلاّ أنّها تتكرّر كثيراً في كلماتالاُصوليّين، سيّما المحقّق الخراساني رحمهالله .
3ـ تقسيمه إلى الأقسام الأربعة المعروفة(2)
اعلم أنّ لكلّ من اللفظ والمعنى أصالةً في مقام الوضع، كأصالة الزوجين فيالنكاح، فإنّ الواضع ينظر إلى كلّ من اللفظ والمعنى مستقلاًّ، بخلاف المستعمل،فإنّه ينظر إلى المعنى كذلك، وإلى اللفظ تبعاً، أي لأجل كونه مرآةً للمعنى،فشأن الواضع بالنسبة إلى اللفظ كشأن صانع المرآة بالنسبة إليها، فكما أنّ
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 60.
- (2) هذا التقسيم يكون بلحاظ المعنى المتصوّر والموضوع له. م ح ـ ى.
(صفحه146)
صانع المرآة ينظر إليها بالأصالة، فالواضع أيضاً ينظر إلى اللفظ كذلك، وشأنمستعمل اللفظ كشأن مستعمل المرآة في عدم كون نظرهما أصيلاً.
فإذا كان الواضع ينظر إلى كلّ واحد من اللفظ والمعنى مستقلاًّ فلابدّ له منتصوّرهما عند الوضع، سواء فسّر الوضع بالمعنى المختار أو بأحد المعانيالاُخرى.
مقامات البحث
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لابدّ من البحث في مقامات ثلاثة:
أ ـ في انحصار الوضع بحسب تصوّر العقل في أقسام أربعة، وبيان المراد منها.
ب ـ في إمكان هذه الأقسام.
ج ـ في وقوعها.
أمّا المقام الأوّل
فتوضيحه أنّ المعنى المتصوّر حين الوضع والموضوع له إمّا يتّحدان فيالكلّيّة والجزئيّة أو يتغايران، فالأقسام أربعة:
أ ـ ما يسمّى بالوضع(1) العامّ والموضوع له العامّ، وهو أن يتصوّر الواضعمعنىً كلّيّاً ويضع اللفظ لنفس ذلك الكلّي، كوضع أسماء الأجناس.
ب ـ ما يسمّى بالوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ، وهو أن يكونالمتصوّر جزئيّاً والموضوع له نفس ذلك الجزئي، كوضع الأعلام الشخصيّة.
ج ـ ما يسمّى بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، وهو أن يلاحظ الواضع
- (1) المراد بالوضع هاهنا المعنى الذي يتصوّره الواضع. منه مدّ ظلّه.