دائماً من دون أن يحتاج الثانية إلى الاُولى لكانت الإشارة اللفظيّة تأكيدللإشارة العمليّة دائماً(1)، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين.
فالحقّ أنّ كلاًّ منهما مستقلّة لا تحتاج في الدلالة على معناها إلى الاُخرى،لكنّ الغالب تقارنهما في الاستعمال، وحينئذٍ يكون الإشارة العمليّة تأكيدللفظيّة.
فكذلك الأمر في الإشارة اللفظيّة، فإنّ الوجدان قاضٍ بعدم الفرق بينهما إلفي تحقّق الاُولى بالأعضاء والجوارح والثانية باللفظ، فالموضوع له فيها أيضحقيقة الإشارة(2) التي تكون من المعاني الحرفيّة كما كانت هي المدلول فيالإشارة العمليّة أيضاً.
ويؤيّده قول ابن مالك في ألفيّته النحويّة: «بذا لمفرد مذكّر أشر».
فإنّ الجارّ أعني «لمفرد» متعلّق بـ «أشر»، فمعناه «بذا أشر إلى مفرد مذكّر».
فما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من وضع مثل «هذا» للمفرد المذكّر غيرتامّ، فراجع وجدانك هل تجد أنّ النسبة بينهما هي النسبة التي بين الإنسانوالحيوان الناطق؟!
والحاصل: أنّ أسماء الإشارة وضعت لحقيقة الإشارة التي هي من المعانيالحرفيّة.
وأمّا خصوصيّة كون المشار إليه حاضراً وفي مثل «هذا» مفرداً مذكّراً فهيخارجة عن الموضوع له، لكونها من خصوصيّات المشار إليه، لا الإشارة التيهي الموضوع له.
فالمختار في المقام مخالف لما اختاره صاحب الكفاية، فإنّه ذهب إلى أنّ معنىمثل «هذا» هوالمفرد المذكّر، والإشارة خارجة عنه، وهذا عكس ما اخترناه.
إن قلت: ما ذهبت إليه لا يلائم مثل قولنا: «هذا قائم» لعدم وقوع المعنىالحرفي موضوعاً في القضيّة الحمليّة(1).
قلت: هذا وارد على الإشارة العمليّة أيضاً، لأنّا قد نشير إلى زيد مثلاً باليدبدون اللفظ ونقول عقيبه «قائم» فجعلنا نفس حركة اليد موضوعاً وقولنا:«قائم» محمولاً(2)، وقد مرّ آنفاً أنّ مدلول الإشارة العمليّة من المعاني الحرفيّة.
وحلّه أنّ هذه الاستعمالات مجازيّة بقرينة المحمول، فالمراد باسم الإشارة في
- (1) هذا الإشكال لا يرد على المحقّق الخراساني رحمهالله ، لأنّه قال بوضع كلمة «هذا» للمفرد المذكّر، وهو معنىاسمي قابل لأن يجعل موضوع القضيّة، لكن يرد عليه إشكال آخر، وهو أنّه جعل الموضوع له المفردالمذكّر بمفهومه الكلّي، مع أنّ القيام في المثال صفة مصداق من مصاديق هذا المفهوم، إلاّ أنّ وروده عليهليس بمهمّ. منه مدّ ظلّه.
ولم يبيّن الاُستاذ«مدّ ظلّه» وجه عدم الأهمّيّة، ولعلّه ما ذهب إليه المحقّق الخراساني من تحقّق التشخّصفي مقام الاستعمال وإن كان الموضوع له والمستعمل فيه عامّاً عنده. م ح ـ ى.
- (2) ومجموع هذه القضيّة يكون بمعنى «هذا قائم». م ح ـ ى.
(صفحه230)
الأوّل وحركة اليد في الثاني هو المشار إليه الموجود في الخارج بوجوداستقلالي، لا الإشارة الموجودة فيه بوجود تعلّقي.
إن قلت: هذا يستلزم كون المجاز في اسم الإشارة أكثر من الحقيقة.
قلت: لا ضير في ذلك، لما سيجيء في مباحث الحقيقة والمجاز من أنّ كثرةالاستعمالات المجازيّة بالنسبة إلى الاستعمالات الحقيقيّة في المحاورات العرفيّةمن الواضحات التي لا تنكر.
هذا تمام الكلام في اسم الإشارة.
المختار في معنى الضمائر
وأمّا الضمائر: فضمير الغائب وضع أيضاً لحقيقة الإشارة، والفرق بينه وبينأسمائها أنّه للإشارة إلى الغائب وهي للإشارة إلى الحاضر.
ويؤيّده اشتراطهم كون مرجعه مسبوقاً بالذكر، كقولنا: «جائني زيد وهويبكي» أو معهوداً في الذهن(1)، فإنّه حيث كان للإشارة ولم يكن المشار إليهحاضراً اشترطوا أن يكون مذكوراً أو معهوداً حتّى يمكن الإشارة إليه.
ويؤيّده أيضاً تقارنه غالباً بنحو من الإشارة العمليّة، كحركة اليد.
وأمّا ضمير المخاطب: فهو وضع لحقيقة المخاطبة، وهي معنى حرفي متعلّقبالطرفين: المخاطِب بالكسر والمخاطَب بالفتح، لكنّه خالٍ عن معنى الإشارة.
هذا بناءً على ما اخترناه من استحالة الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ.
وأمّا بناءً على إمكانه فيمكن أن يكون الموضوع له فيه المخاطب الخاصّ،فالواضع عند وضع لفظ «أنت» مثلاً تصوّر مفهوم «المخاطب» بما له من
- (1) كقوله تعالى: «كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ». القيامة: 26. م ح ـ ى.