ج1
بن عبد الملك معرفته:
«هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم»
|
إذ لا ظرافة فيه لو اُريد أنّه يعرفه أهل البطحاء، وصاحب البيت، وأهلالحلّ والحرم، وإنّما الظرافة واللطافة فيما إذا اُريد أنّه عليهالسلام بمثابة من الشهرةوالمقامات المعنوية حتّى يعرفه هذه الجمادات فضلاً عن الإنسان.
بل لا مجال لقول المشهور في المجاز المركّب(1) أصلاً، لأنّه مركّب من كلماتاستعمل كلّ منها في معناها الحقيقي واُريد من المجموع خلاف ظاهره، كقولنللمتحيّر: «أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر اُخرى» مع أنّه ليس للمركّب وضع علىحدة ليستعمل في غير ما وضع له، فيعلم من ذلك أنّا لم نتفوّه بهذا الكلام إلبعد ادّعاء كون هذا الرجل المتردّد شخصاً متمثّلاً كذلك، وأنّ حاله وأمرهيتجلّى في هذا المثال كأنّه هو.
هذه قضاوة الوجدان وشهادة الذوق السليم، بل ما ذكر في المركّبات منأقوى الشواهد على المدّعى، وبه يحفظ لطائف الكلام وجمال الأقوال فيالخطب والأشعار(2).
هذا حاصل ما أفاده الشيخ محمّد رضا الاصفهاني المسجدشاهي رحمهالله .
والفرق بينه وبين ما اختاره السكّاكي في ثلاثة اُمور:
- (1) المجاز على ثلاثة أقسام: المجاز المفرد، وعرّفه المشهور بـ «كلمة مستعملة في غير ما وضعت له» نحو«رأيت أسداً يرمي»، والمجاز في الإسناد، وهو ما استعمل فيه كلّ كلمة في معناها، لكنّ الإسناد مجاز، نحو«أنبت الربيع البقل» إذ الإنبات فعل اللّه تعالى حقيقةً، والمجاز المركّب، وهو ما استعمل فيه كلّ كلمة فيمعناها، لكن اُريد من المجموع غير ظاهره، كقولنا للمتحيّر: «أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر اُخرى».منه مدّ ظلّه.
- (2) وقاية الاذهان: 103، وتهذيب الاُصول 1: 61.
(صفحه240)
أ ـ أنّ كلامه لا يختصّ بالاستعارة، بل يشمل جميع المجازات، بخلاف كلامالسكّاكي.
ب ـ أنّ كلامه لا يحتاج إلى ما ذكرنا من التوجيهين لكلام السكّاكي، إذاللفظ استعمل في الموضوع له على ما ذهب إليه المحقّق المسجدشاهي، سواءكان من أسماء الأجناس أو الأعلام الشخصيّة، لكنّ المراد الجدّي على خلافه،فإذا قيل: «أسد عليّ وفي الحروب نعامة» تعلّق الإرادة الاستعماليّة بالحيوانالمفترس بمفهومه الكلّي، لكنّ الإرادة الجدّيّة تعلّقت بالرجل المنظور بادّعاءكونه فرداً منه، وإذا قيل: «زيد حاتم» استعمل اللفظ في ما وضع له وهو«حاتم الطائي» لكنّ الإرادة الجدّيّة على خلافه بادّعاء كونه عينه.
ج ـ أنّ ادّعاء الفرديّة والعينيّة يكون على مذهب السكّاكي قبل الاستعمالوعلى مذهب المحقّق الاصفهاني بعده كما هو ظاهر.
ويؤيّد مذهبه أمران:
1ـ أنّه يناسب تسمية الحقيقة والمجاز بهما، فإنّ الحقيقة من الحقّ، وهو لغةًعبارة عن الأمر الثابت، والمجاز من الجواز، وهو العبور، فكأنّ المجاز يؤخذمن معبر المعنى الحقيقي، وهذه المناسبة لم تتحقّق في قول المشهور.
2ـ أنّ المنطقيّين قسّموا الدلالة اللفظيّة إلى المطابقة والتضمّن والالتزام،ودلالة اللفظ على المعنى المجازي ليست منها على القول المشهور.
أمّا عدم كونها مطابقة فواضح، وأمّا عدم كونها تضمّناً فلأنّ العلاقة وإنكانت في بعض المجازات علاقة الكلّ والجزء، وهو من باب تسمية الشيءباسم كلّه، إلاّ أنّه لا يكون تضمّناً، لأنّ التضمّن هو الدلالة على جزء ما وضعله تبعاً لدلالته على تمامه لا استعماله في الجزء مستقلاًّ.
ج1
وبه ظهر عدم كونها التزاماً، فإنّ الدلالة الالتزاميّة أيضاً تابعة للدلالةالمطابقيّة.
فما ذهب إليه المشهور مستلزم لخروج المجاز عن الدلالات اللفظيّةبأقسامها الثلاثة، وليس لها قسم رابع.
وأمّا على المذهب الحقّ فهو داخل في المطابقة، لتعلّق الإرادة الاستعماليّةبالموضوع له.
إن قلت: على قول المشهور أيضاً تكون قرينيّة القرينة بالدلالة المطابقة.
قلت: نعم، لكنّه لا يستلزم كون دلالة ذي القرينة أيضاً مطابقةً، إذ لا ربطبينهما من هذه الجهة، على أنّ القرينة قد تكون حاليّة لا مقاليّة، فلا يتحقّق فيهالدلالة اللفظيّة أصلاً.
(صفحه242)
في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه
الأمر الرابع
في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه
إطلاق اللفظ وإرادة اللفظ منه(1) يتصوّر على أنحاء أربعة:
أ ـ إطلاقه وإرادة نوعه، وهو على قسمين، لأنّ شخص اللفظ قد يكونداخلاً في النوع المراد، كقولنا: «زيد لفظ» وقد لا يكون داخلاً، كقولنا:«ضرب فعل ماضٍ».
ب ـ إطلاقه وإرادة صنفه، وهو أيضاً على قسمين: لأنّ الصنف المرادأيضاً قد يشمل شخص اللفظ الملفوظ به، كما إذا قيل: «زيد إذا وقع في أوّلالجملة الاسميّة فهو مبتدأ» وقد لا يشمله، كما إذا قيل: «زيد في ضرب زيدفاعل».
ج ـ إطلاقه وإرادة فرد آخر مثله، كما إذا قال الاُستاذ لتلميذه: بيّن تركيبقولنا: «جاء زيد من السفر» فقال: جاء فعل ماضٍ، زيد فاعله، من السفرمتعلّق بجاء، فإنّه أراد بكلمات «جاء» و«زيد» و«من السفر» الألفاظالمستعملة في كلام الاُستاذ كما لا يخفى.
- (1) إطلاق اللفظ وإرادة اللفظ منه في مقابل استعماله في المعنى حقيقيّاً كان المعنى أو مجازيّاً. م ح ـ ى.
ج1
د ـ إطلاقه وإرادة شخصه، كما إذا قيل: «زيد لفظ» واُريد من «زيد»شخص اللفظ الموجود في نفس هذه الجملة.
ولابدّ من البحث هاهنا في مقامين: الأوّل: في صحّة هذه الإطلاقات،الثاني: في صدق الاستعمال عليها.