ج1
الأئمّة عليهمالسلام ، لعدم حجّيّة خبر الواحد فيها، ولذا نقول بكونه قطعي السند، ولعلّالمراد معاني الكتاب والتعبير بألفاظه من طغيان القلم ـ أنّ دعوى عدم ورودحديث نبويّ عن غير طرق الأئمّة عليهمالسلام مشتمل على ألفاظ العبادات مجهولالمراد، مجازفة، لتوقّفها على إحاطة كاملة على كتب الحديث المؤلَّفة من قبلالشيعة وأهل السنّة، مع أنّ الإحاطة على جميعها لصعب جدّاً، فإنّ بعضها مثل«كنز العمّال» و«وسائل الشيعة» يكون مطبوعاً في مجلّدات كثيرة ضخمة.
على أنّ دعوى لزوم حمل كلّ ما ورد بواسطتهم عليهمالسلام من الأحاديث النبويّةعلى المعاني الجديدة الشرعيّة فاسدة، لعدم الفرق بين ما يكون مرويّاً بطرقهمأو بطرق غيرهم من حيث المفاد والمراد، وإن كان صدق الراوي في الأوّلمقطوعاً وفي الثاني مشكوكاً.
نعم، إذا كان روايتهم عليهمالسلام عنه صلىاللهعليهوآله بنحو النقل بالمعنى أو في مقام بيان الحكمأو لأجل الاستشهاد على كلامهم فلابدّ من حملها على المعاني الشرعيّة، لمعرفت من صيرورة ألفاظ العبادات حقيقةً فيها عند المتشرّعة الذين فيرأسهم الأئمّة المعصومون عليهمالسلام .
وأمّا إذا كان روايتهم عليهمالسلام مجرّد النقل عنه صلىاللهعليهوآله فلا موجب لحملها علىالمعاني الشرعيّة ما لم يثبت كون ألفاظ العبادات حقيقةً فيها في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله ،وهذا وإن كان نادراً لكون أكثر ما نقلوا عنه صلىاللهعليهوآله لأجل الاستشهاد أو بيانالحكم، إلاّ أنّه يكفي في تحقّق الثمرة للبحث.
فما ادّعاه المحقّق النائيني وبعض الأعلام من عدم ترتّب ثمرة عليه أصلممنوع.
والحقّ في المسألة ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من لزوم حمل الألفاظالواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغويّة مع عدم الثبوت، وعلى
(صفحه306)
معانيها الشرعيّة على الثبوت فيما إذا علم تأخّر الاستعمال، وأمّا إذا لم يعلم ذلكفاللفظ مجمل، إذ لا طريق إلى المعنى اللغوي ولا الشرعي.
وذهب بعضهم إلى حمله حينئذٍ على المعنى الشرعي، لأصالة تأخّرالاستعمال، والظاهر أنّ مرادهم بها أصالة تأخّر الحادث.
وفيه: أنّها ليس أصلاً عقلائيّاً، ضرورة أنّا إذا شككنا في أنّ زيداً هل جاءمن السفر يوم الخميس أو الجمعة لا يحكم العقلاء بتأخّر المجيء عن الخميسكما هو ظاهر.
وإن اُريد بها الاستصحاب، فإن قصد استصحاب نفس تأخّر الحادث فهولم يكن متيقّناً في زمان حتّى يستصحب، لكونه مشكوكاً من الأزل، وإن قصداستصحاب عدم تحقّقه فليس حكماً شرعيّاً ولا موضوعاً ذا أثر شرعي. نعم،له ملازم عقليّ ذو أثر، فإنّ عدم تحقّق الاستعمال إلى زمان الوضع ملازملتأخّره عنه، ويترتّب عليه لزوم حمل كلامه صلىاللهعليهوآله على معناه الشرعي.
بل يمكن الإشكال فيه أيضاً، لأنّ لزوم حمل كلام الشارع على معناهالشرعي أثر عقليّ للتأخّر، لعدم وروده في دليل شرعي أصلاً، فهو أثر عقليلملازم المستصحب.
على أنّه لو فرض جريان الاستصحاب في المقام فلا يجري إلاّ في صورةواحدة، وهي ما إذا علم تاريخ الوضع وجهل تاريخ الاستعمال وقلنا بعدمجريان الاستصحاب فيما علم تاريخه، وإلاّ فلو جهل تاريخهما أو قلنا بجريانالاستصحاب في المعلوم كالمجهول لجرى الاستصحاب في كليهما ووقعالتعارض بينهما.
وذهب بعض آخر ـ فيما إذا لم يعلم تأخّر الاستعمال ـ إلى حمله على المعنى
ج1
اللغوي، لأصالة عدم النقل.
وقد مرّ أنّ أصالة عدم النقل وإن كانت أصلاً عقلائيّاً إلاّ أنّ مورده ما إذشكّ في أصل النقل لا في تقدّمه وتأخّره.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّ البحث عن الحقيقة الشرعيّة بالطريقةالمشهورة بينهم وإن لم يكن له أساس أصلاً بملاحظة ما قدّمناه من الاُمورالثلاثة، إلاّ أنّه على فرض صحّته لا يخلو عن الثمرة وإن كانت نادرة.
هذا تمام الكلام في الحقيقة الشرعيّة.
(صفحه308)
في الصحيح والأعمّ
الأمر العاشر
في الصحيح والأعمّ
اختلفوا في أنّ ألفاظ العبادات هل تكون موضوعة لخصوص الصحيحة أوللأعمّ منها ومن الفاسدة.
وقبل الخوض في أدلّة القولين يذكر اُمور:
تصحيح عنوان البحث
منها: أنّ هذا البحث مستقلّ غير متفرّع على النزاع في الحقيقة الشرعيّة،فلابدّ من أخذ عنوان فيه شامل لجميع الأقوال في ذلك البحث، وهي أربعة:
أ ـ أنّ ألفاظ العبادات وضعت للمعاني الشرعيّة بالوضع التعييني الحاصلبالتصريح أو بالاستعمال المحقّق للوضع.
ب ـ أنّها صارت حقيقةً تعيّنيّة لها.
ج ـ أنّها لم توضع لها ولم تصر حقيقةً فيها أصلاً، وإنّما استعملت فيها مجازاً.
د ـ ما نسب إلى الباقلاني من أنّها لم تستعمل في المعاني الشرعيّة أصلاً، بلاستعملت في المعاني اللغويّة والدالّ على سائر منضمّاتها قرائن خاصّة أو قرينةعامّة، مثلاً لم تستعمل الصلاة في الشريعة إلاّ في الدعاء، ويدلّ على كلّ واحد
ج1
من الركوع والسجود ونحوهما قرينة خاصّة أو على جميعها قرينة عامّة، هذههي الأقوال في مبحث الحقيقة الشرعيّة.
وحيث إنّ العنوان(1) المذكور في كلامهم لا يشمل القولين الأخيرين(2)ـ لأنّ أربابهما ينكرون الوضع رأساً، فلا يعقل أن يبحثوا في أنّها هل تكونموضوعة للصحيحة أو للأعمّ ـ غيّره صاحب الكفاية بقوله: إنّه وقع الخلاففي أنّ ألفاظ العبادات أسامٍ لخصوص الصحيحة أو الأعمّ منها(3).
وهو وإن عمّ الحقيقة التعيّنيّة التي لايصدق عليها الوضع عندنا، إلاّ أنّه ليشمل القول بالمجاز، ضرورة أنّ اللفظ إذا استعمل في معنى مجازاً بمعونة القرينةفلايصير اسماً له.
فالعنوان المذكور في الكفاية لا يشمل إلاّ القول بثبوت الحقيقة الشرعيّةتعييناً أو تعيّناً، وأمّا من أنكرها فلا مجال لدخوله في هذا البحث أصلاً، معأنّه قدسسره ذهب إلى إمكان دخوله فيه ثبوتاً بقوله: وغاية ما يمكن أن يقال فيتصويره أنّ النزاع وقع على هذا في أنّ الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازفي كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعمّ، بمعنى أنّ أيّهمقد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغويّة ابتداءً وقد استعمل في الآخربتبعه ومناسبته كي ينزّل كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغويّةوعدم قرينة اُخرى معيّنة للآخر(4).
نعم، استشكل عليه إثباتاً بقوله: وأنت خبير بأنّه لا يكاد يصحّ هذا إلاّ إذ
- (1) وهو أنّ «ألفاظ العبادات هل تكون موضوعة لخصوص الصحيحة أو للأعمّ منها ومن الفاسدة». م ح ـ ى.
- (2) بل ولا القول الثاني بناءً على عدم صدق الوضع على الحقيقة التعيّنيّة. م ح ـ ى.