والشرائط لو كان لكلّ جزء أو شرط قرينة خاصّة، كما إذا قال: صلِّ وكبِّرواركع واسجد و...
نعم، لو كان الدالّ على جميع الأجزاء والشرائط قرينة واحدة عامّة ـ كما إذقال: صلِّ وائت بسائر الأجزاء والشرائط ـ لأمكن تصوير النزاع على قولهأيضاً، بأن يقال: إنّ قضيّة القرينة هل هي تمام الأجزاء والشرائط أو هما فيالجملة؟
النقصان، لأنّه مقابل للتماميّة التي فسّر بها الصحّة، فالصحّة والتماميّة عندهمترادفتان وكذلك الفساد والنقصان.
وفيه أوّلاً: أنّ التقابل بين التماميّة والنقصان تقابل العدم والملكة، فإنّالناقص هو الذي من شأنه أن يكون تامّاً ولكنّه بالفعل غير تامّ، كما يقالللإنسان الذي له رجل واحدة: إنّه ناقص، لأنّ من شأنه أن يكون ذا رجلين.
مع أنّ التقابل بين الصحّة والفساد تقابل التضادّ، لكون الفساد أمراً وجوديّكالصحّة، ولذا إذا قيل: هذا التفّاح فاسد، يصحّ السؤال بأنّه أين فساده؟ مع أنّهلو كان أمراً عدميّاً لم يصحّ هذا السؤال، لعدم إمكان إرائته ولا رؤيته.
وثانياً: أنّ موارد استعمالهما مختلفة عرفاً، فإنّه يقال للأعمى مثلاً: إنّه ناقص،ولا يقال له: إنّه فاسد، وينعكس الأمر في التفّاح الفاسد وغيره من الثمرات.
فيعلم من هذين الأمرين أنّ الصحّة لا تكون مرادفةً للتماميّة ولا الفسادمرادفاً للنقصان.
والمستفاد من الاستعمالات العرفيّة وتعبيرات العلوم أنّ التماميّة والنقصانيستعملان في موردين:
الأوّل: الشيء المركّب، فإنّه لو كان واجداً لجميع أجزائها يقال: إنّه تامّوكامل، ولو كان فاقداً لبعضها يقال: إنّه ناقص.
الثاني: الشيء البسيط المشكّك بلحاظ مراتبه المختلفة كما أشار إليه سيّدنالاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه»(1)، كالوجود، حيث يطلق التماميّة والكمال علىمرتبته العالية، وهي وجود الواجب، والنقص على مرتبته النازلة، وهي وجودالممكن، فيقال: وجود الواجب تامّ، ووجود الممكن ناقص، ولا يقال: وجود
ج1
الواجب صحيح، أو وجود الممكن فاسد.
وأمّا الصحّة والفساد فيستفاد من موارد استعمالهما أنّ ملاكهما ليس التركيبولا التشكيك، بل ترتّب الآثار المترقّبة من النوع وعدمه، فلو ترتّب علىبطّيخ مثلاً الآثار المترقّبة من نوعه من كونه ذا ماء وطعم خاصّ به وغيرهممن آثاره لكان صحيحاً، وإلاّ ففاسداً.
ففساد مثل البطّيخ والتفّاح ليس لكونه أمراً مركّباً أو بسيطاً ذا مراتب، بللكونه لا يترتّب عليه الغرض المترقّب منه.
إن قلت: فلِمَ يطلق الصحّة والفساد على العبادات المركّبة، كالصلاة، فيقالللصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط: إنّها صحيحة، ولفاقدة الركوعمثلاً: إنّها فاسدة؟
قلت: هذا ليس بلحاظ التركيب، بل بلحاظ الأثر المترقّب منها.
توضيحه: أنّ الصلاة وإن كانت أمراً مركّباً، إلاّ أنّ الشارع جعل لها وحدةًاعتباريّة ذات أثر خاصّ.
ويؤيّده أمران:
أ ـ أنّ الشارع سمّى الضحك والبكاء والتكلّم ونحوها بقواطع الصلاة، فإنّالقطع إنّما يتحقّق فيما له وحدة اتّصاليّة، وإلاّ فلا يؤثّر مثل الضحك في عدمتحقّق أجزاء الصلاة.
ب ـ ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الصلاة إحرام صغير بدئه تكبيرةالإحرام وختمه التسليم.
فالصلاة عند الشارع أمر واحد بسيط يترتّب عليها آثارها من كونهمعراج المؤمن، وقربان كلّ تقيّ، وناهية عن الفحشاء والمنكر وغيرها.
(صفحه314)
فإذا لم تشتمل على الركوع مثلاً يطلق عليها أنّها فاسدة، لا لكونها مركّبةمن أجزاء منها الركوع وهي فاقدة له، بل لعدم ترتّب الآثار المترقّبة عليها.
تصوير محلّ النزاع بناءً على عموميّة معنى العبادات
ومنها: أنّ ألفاظ العبادات مسانخة(1) لأسماء الأجناس في عموميّة الوضعوالموضوع له، ويدلّ عليه أمران:
الأوّل: التبادر، فإنّا إذا سمعنا لفظ الصلاة مثلاً لا ينتقل الذهن إلى الأفراد،بل إلى الطبيعة كما هو واضح.
الثاني: أنّه لا ريب في أنّ المراد بها في لسان الأدلّة مثل آية: «إِنَّ الصَّلاَةَتَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»(2) ونحوها معنى عامّ، ولا يمكن القول بأنّها لمتستعمل فيها في معناها.
وبالجملة: لا ريب في عموميّة ألفاظ العبادات من حيث الوضع والموضوعله بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعيّة، ومن حيث المستعمل فيه بناءً على عدمه،سواء قلنا في المقام بالصحيح أو بالأعمّ.
إذا عرفت هذا فنقول: يشكل تصوير محلّ النزاع، لعدم إمكان القولبالصحيح ثبوتاً، لأنّ المعنى العامّ الذي تصوّره الشارع من الصلاة مثلاً عندالوضع أو الاستعمال لو كان صلاة الحاضر الجامعة لتمام الأجزاء والشرائط لمتكن صحيحةً للمسافر، ولو كان صلاة المسافر كذلك لم تكن صحيحةللحاضر، والصلاة مع الطهارة الترابيّة أيضاً صحيحة في حالة، فاسدة في
- (1) التعبير بالمسانخة، ليشمل القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة، لعدم تحقّق الوضع عليه، ولكنّالمستعمل فيه يكون عامّاً. م ح ـ ى.
ج1
اُخرى، وهكذا بالنسبة إلى سائر الحالات، فما الذي يكون صحيحاً في جميعالأحوال لكي يتصوّره الشارع ويضع اللفظ بإزائه أو يستعمله فيه؟
إن قلت: يمكن أن يتصوّر «الصلاة الصحيحة» عند الوضع أو الاستعمال.
قلت: لم يؤخذ «الصحيح» بالحمل الأوّلي في معنى الصلاة قطعاً، ضرورةعدم انتقال الذهن إليه عند سماع لفظ الصلاة ولو قلنا بالصحيح، وأمّا الصحيحبالحمل الشائع فملاكه الاتّحاد في الوجود، وهو خاصّ جزئي، فدخل الصحيحبالحمل الشائع في معنى الصلاة يستلزم خصوصيّة معناها الموضوع له وإن كانوضعها عامّاً، وهي خلاف ما تقدّم من كون الوضع والموضوع له كليهما فيالعبادات عامّين، فأين اتّصاف المعنى العامّ الكلّي الذي هو الموضوع له أوالمستعمل فيه بالصحيح؟!
على أنّه لا يمكن أخذ الصحّة في معنى العبادات ـ مع قطع النظر عن الحملالأوّلي والشائع ـ لأنّ الصحّة والفساد من عوارض الوجود الخارجي، لالماهيّة، فإنّ الصلاة الموجودة في الخارج قد تكون صحيحة وقد تكونفاسدة، بخلاف الماهيّة.
والحاصل: أنّ ما وضع له أو استعمل فيه ألفاظ العبادات معنى كلّي نظيرأسماء الأجناس أوّلاً، والصحّة والفساد من عوارض الوجود لا من مقوّماتالماهيّة ثانياً، فكيف يمكن تصوير ما ذهب إليه الصحيحي من كون الموضوع لهأو المستعمل فيه في ألفاظ العبادات خصوص الصحيحة منها؟!
ولا ينحلّ الإشكال بما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله في مسألة تصويرالجامع للصحيحي، من أنّه غير معلوم لنا، إلاّ أنّا نتمكّن من الإشارة إليهبآثاره وخواصّه، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عن