ج1
المحقّق الخراساني رحمهالله من آثار الجامع للصحيحي لاتترتّب إلاّ على الصلاةالصحيحة بالفعل كما لا يخفى.
وثالثاً: أنّ الصحّة التعليقيّة أيضاً من عوارض الوجود الخارجي، وأمّالماهيّة فكما لا تتّصف بالصحّة الفعليّة والفساد لا تتّصف أيضاً بالصحّةالتعليقيّة.
ب ـ أنّ الصحّة وصف، فلابدّ من تصوّر موصوفها قبل الوضع أوالاستعمال، فإذا أراد الشارع وضع لفظ الصلاة مثلاً للصلاة الصحيحة أواستعماله فيها فلابدّ له قبل ذلك من تصوّرها، والتصوّر هو الوجود الذهني،فيعرضه الصحّة التي هي من عوارض الوجود.
وانقدح فساده ممّا مرّ، فإنّك عرفت أنّ الصحّة والفساد من عوارضالوجود الخارجي، وأمّا الوجود الذهني فلا يتّصف بهما كالماهيّة.
ولعلّه لأجل هذا الإشكال فسّر المحقّق الخراساني رحمهالله الصحّة بالتماميّةوالفساد بالنقصان، فإنّهما تعرضان الماهيّة حيث نقول: «الحيوان الناطق ماهيّةتامّة للإنسان» و«الحيوان ماهيّة ناقصة له».
فلابدّ إمّا من قبول هذا التفسير وإن كان مخالفاً للواقع كما عرفت، أو منتبديل لفظ «الصحيحة» في عنوان محلّ النزاع بلفظ «تامّة الأجزاء والشرائط»كما مرّ.
انحصار النزاع فيالشرائط الشرعيّة دونالأجزاء والشرائط العقليّة
ومنها: أنّ العبادات لا تكون صحيحة في مقام الامتثال وسقوط التكليفإلاّ إذا كانت واجدة لجميع الأجزاء والشرائط وفاقدة لجميع الموانع والقواطع،فهل الصحّة في محلّ البحث ـ وهو مقام التسمية والاستعمال ـ أيضاً تكون بهذا
(صفحه318)
المعنى حتّى يكون معنى القول بالصحيح وضع لفظ الصلاة مثلاً لما هو واجدلجميع الأجزاء والشرائط وفاقد لجميع الموانع والقواطع أو استعماله فيه، أوبمعنى آخر أوسع منه؟
ولابدّ لتحرير محلّ النزاع من ذكر مقدّمتين:
الاُولى: أنّ الجزء ما كان دخيلاً في تركيب الماهيّة المركّبة، والشرط ما كاندخيلاً في تأثير الشيء لا في تركيبه ويسمّيان جزء الماهيّة وشرطها.
ويستفاد من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله أنّ لنا نوعاً آخر من الجزء والشرط،وهو ما يتشخّص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخّص به عنوانه مندون أن يكون دخيلاً في الماهيّة أو في تأثيرها ويسمّى جزء الفرد أو شرطالفرد، وربما يحصل له بسببهما علوّ ومزيّة أوانحطاط ونقيصة، مثال جزء الفردالموجب لمزيّته، الأجزاء المستحبّة للصلاة، فإنّها أجزاء للفرد الواجد لهويحصل له بسببها مزيّة وكمال، ومثال شرط الفرد الموجب لها، كون الصلاة فيالمسجد، ومثال جزء الفرد الموجب للنقيصة، القران(1) بين سورتين في الصلاةبناءً على كراهته، إذ السورة الثانية أيضاً جزء للصلاة الواجدة لها مع أنّهيحصل لها النقصان بسببها، ومثال شرط الفرد الموجب لها، كون الصلاة فيالحمّام(2).
ولا إشكال في دخول أجزاء الماهيّة في محلّ النزاع ولا في خروج أجزاءالفرد وشرائطه مطلقاً عنه، وحيث إنّ المانع في مقام التسمية يرجع إلى
- (1) القران هو قراءة سورتين عقيب الحمد ، ووقع الخلاف بينهم في أنّه مكروه موجب لقلّة ثواب الصلاة أوممنوع مبطل لها، فعلى الأوّل يكون من قبيل جزء الفرد الموجب للنقصان، وعلى الثاني من قبيل المانع.منه مدّ ظلّه.
ج1
الشرط، لاشتراط عدمه(1)، ينحصر البحث في شرائط الماهيّة وأنّها هل هيداخلة في نزاع الصحيحي والأعمّي أم لا؟
الثانية: أنّ الشرائط على ثلاثة أقسام:
أ ـ ما أخذه الشارع في المأمور به، كما إذا قال: «صلِّ مع الطهارة» أو«مستقبل القبلة» ويسمّى شرطاً شرعيّاً، وأكثر الشرائط على هذا المنوال.
ب ـ ما لم يأخذه فيه مع كونه متمكِّناً منه، لكنّ العقل يدلّ عليه، مثل أنّالعقل بعد أن حكم بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وأنّ النهي فيالعبادات يوجب فسادها يحكم ببطلان صلاة من اشتغل بها عن إزالة النجاسةعن المسجد في سعة الوقت، وحيث إنّها تامّة من حيث الأجزاء فالبطلانيستند إلى ابتلائها بالمزاحم الأقوى، فيعلم أنّ عدم الابتلاء بالمزاحم الأقوىشرط للمأمور به، وإن لم يأخذه الشارع فيه.
ج ـ ما لا يمكن أخذه في متعلّق الأمر، كقصد القربة في العبادات بناءً علىتفسيره بالإتيان بالمأمور به بداعي الأمر لو قلنا بمقالة المحقّق الخراساني رحمهالله مناستلزام أخذه في المأمور به للدور.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في المسألة ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّ جميع الشرائط بأقسامها الثلاثة داخلة في نزاع الصحيحيوالأعمّي، وهذا يستفاد من موضعين من الكفاية: أحدهما: قوله بعداحتماله لعدم دخل الشرائط في التسمية: «لكنّك عرفت أنّ الصحيح
- (1) توضيح ذلك: أنّ المانع في غير باب التسمية أمر وجودي يحول بين المقتضى وأثره، كالرطوبة المانعةعن تأثير النار في إحراق المادّة المحترقة، لكنّه بهذا المعنى لا يتصوّر في باب التسمية، فلابدّ من أنيكون فيه بمعنى اشتراط عدمه، فالشرط في مقام التسمية على قسمين: وجودي، كالطهارة والاستقبالوالستر بالنسبة إلى الصلاة، وعدمي، كالحدث والضحك والتكلّم بالنسبة إليها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه320)
اعتبارهما(1) فيها»(2)، ثانيهما: قوله عند تصوير الجامع للصحيحي: «ولإشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره،فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر الكلّ فيهبذاك الجامع، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عن الفحشاءوما هو معراج المؤمن ونحوهما»(3) لوضوح أنّ الصلاة التي لها هذه الآثار لابدّمن أن تكون واجدة لجميع الأجزاء والشرائط، وهي المسمّاة بلفظ الصلاة عندالمحقّق الخراساني الذي هو أحد القائلين بالصحيح.
الثاني: أنّ جميعها خارجة عنه، وهذا نقل عن الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله ،واستدلّ عليه بتقدّم رتبة الأجزاء على الشرائط، فإنّ الأجزاء في العباداتبمنزلة الأسباب في التكوينيّات والشرائط فيها بمنزلة الشرائط فيها، فكما أنّالسبب متقدّم رتبةً على الشرط، لكونه هو المؤثّر في المسبّب بخلاف الشرط،فإنّه واسطة في ترتّب الأثر على المؤثّر فقط من دون أن يكون لنفسه تأثير،فكذلك رتبة الأجزاء في العبادات متقدّمة على الشرائط، فإنّها دخيلة فيتركيب الماهيّة، بخلاف الشرائط التي لا توجب إلاّ ترتّب الآثار على الماهيّة،فلا يمكن أن يكون الشرائط داخلة في محلّ النزاع كالأجزاء(4).
وفيه: أنّ تقدّم رتبة الأجزاء على الشرائط لا يوجب استحالة ملاحظة
- (1) أي الأجزاء والشرائط . والمحقّق الخراساني رحمهالله من القائلين بالصحيح، ولأجله قال باعتبار جميعالأجزاء والشرائط في التسمية. منه مدّ ظلّه.
- (4) عبّر المحقّق العراقي رحمهالله ـ في بدائع الأفكار: 111 ـ عن هذا القول بـ «قيل» من دون نسبته إلى الشيخ قدسسره .م ح ـ ى.
ج1
الشارع كلتيهما عند الوضع أو الاستعمال، فإنّ التسمية أمر اعتباري، فلا يضرّبها التقدّم والتأخّر الرتبيّان، بل لو كان التقدّم والتأخّر بحسب الزمان لم يوجبعجزه عن ملاحظتهما عند التسمية فضلاً عن التقدّم والتأخّر الرتبيّين، لأنّ فيالاعتباريّات سعة ليست في الواقعيّات، ويؤيّده جمع المقولات المتباينة فيالشريعة واعتبارها شيئاً واحداً كالصلاة، ووضع لفظ واحد لمعنيين متضادّينكالقرء، مع أنّه يمتنع الاجتماع التكويني بين المقولات المختلفة، والدلالةالتكوينيّة للفظ واحد على معنيين متضادّين.
الثالث: ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من دخول القسم الأوّل ـ أعنيالشرط الذي أخذه الشارع في متعلّق الأمر ويسمّى بالشرط الشرعي ـ فيمحلّ النزاع، وخروج القسمين الأخيرين عنه، فإنّه قال:
ثمّ إنّ وصف الصلاة مثلاً بالصحّة باعتبار الشرائط تارةً: يكون باعتبارخصوص الشرائط الملحوظة في مرحلة الجعل وتعيين المسمّى التي يمكنالانقسام إليها قبل تعلّق الطلب بها، كالطهور والاستقبال والستر وغير ذلكمن الانقسامات السابقة، واُخرى: تكون باعتبار الشرائط التي لا يمكنلحاظها في مرحلة تعيين المسمّى، بل هي من الانقسامات اللاحقة عن مرحلةتعلّق الطلب بها، كقصد القربة وما يستتبعها من قصد الوجه ووجه الوجه علىالقول باعتباره.
لا ينبغي الإشكال في خروج الصحّة بالاعتبار الثاني عن حريم النزاع فيالمقام، بداهة تأخّر اتّصاف الشيء بالصحّة بهذا المعنى عن تعيين المسمّىبمرتبتين: مرتبة تعيين المسمّى، ومرتبة تعلّق الطلب به، وما يكون متأخّراً عنالمسمّى لا يعقل أخذه في المسمّى، بل لا يعقل أخذه في متعلّق الطلب، فضلعن أخذه في المسمّى، فلا يمكن القول بأنّ لفظ الصلاة موضوعة للصحيح