ج1
الشرط، لاشتراط عدمه(1)، ينحصر البحث في شرائط الماهيّة وأنّها هل هيداخلة في نزاع الصحيحي والأعمّي أم لا؟
الثانية: أنّ الشرائط على ثلاثة أقسام:
أ ـ ما أخذه الشارع في المأمور به، كما إذا قال: «صلِّ مع الطهارة» أو«مستقبل القبلة» ويسمّى شرطاً شرعيّاً، وأكثر الشرائط على هذا المنوال.
ب ـ ما لم يأخذه فيه مع كونه متمكِّناً منه، لكنّ العقل يدلّ عليه، مثل أنّالعقل بعد أن حكم بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وأنّ النهي فيالعبادات يوجب فسادها يحكم ببطلان صلاة من اشتغل بها عن إزالة النجاسةعن المسجد في سعة الوقت، وحيث إنّها تامّة من حيث الأجزاء فالبطلانيستند إلى ابتلائها بالمزاحم الأقوى، فيعلم أنّ عدم الابتلاء بالمزاحم الأقوىشرط للمأمور به، وإن لم يأخذه الشارع فيه.
ج ـ ما لا يمكن أخذه في متعلّق الأمر، كقصد القربة في العبادات بناءً علىتفسيره بالإتيان بالمأمور به بداعي الأمر لو قلنا بمقالة المحقّق الخراساني رحمهالله مناستلزام أخذه في المأمور به للدور.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في المسألة ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّ جميع الشرائط بأقسامها الثلاثة داخلة في نزاع الصحيحيوالأعمّي، وهذا يستفاد من موضعين من الكفاية: أحدهما: قوله بعداحتماله لعدم دخل الشرائط في التسمية: «لكنّك عرفت أنّ الصحيح
- (1) توضيح ذلك: أنّ المانع في غير باب التسمية أمر وجودي يحول بين المقتضى وأثره، كالرطوبة المانعةعن تأثير النار في إحراق المادّة المحترقة، لكنّه بهذا المعنى لا يتصوّر في باب التسمية، فلابدّ من أنيكون فيه بمعنى اشتراط عدمه، فالشرط في مقام التسمية على قسمين: وجودي، كالطهارة والاستقبالوالستر بالنسبة إلى الصلاة، وعدمي، كالحدث والضحك والتكلّم بالنسبة إليها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه320)
اعتبارهما(1) فيها»(2)، ثانيهما: قوله عند تصوير الجامع للصحيحي: «ولإشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره،فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر الكلّ فيهبذاك الجامع، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عن الفحشاءوما هو معراج المؤمن ونحوهما»(3) لوضوح أنّ الصلاة التي لها هذه الآثار لابدّمن أن تكون واجدة لجميع الأجزاء والشرائط، وهي المسمّاة بلفظ الصلاة عندالمحقّق الخراساني الذي هو أحد القائلين بالصحيح.
الثاني: أنّ جميعها خارجة عنه، وهذا نقل عن الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله ،واستدلّ عليه بتقدّم رتبة الأجزاء على الشرائط، فإنّ الأجزاء في العباداتبمنزلة الأسباب في التكوينيّات والشرائط فيها بمنزلة الشرائط فيها، فكما أنّالسبب متقدّم رتبةً على الشرط، لكونه هو المؤثّر في المسبّب بخلاف الشرط،فإنّه واسطة في ترتّب الأثر على المؤثّر فقط من دون أن يكون لنفسه تأثير،فكذلك رتبة الأجزاء في العبادات متقدّمة على الشرائط، فإنّها دخيلة فيتركيب الماهيّة، بخلاف الشرائط التي لا توجب إلاّ ترتّب الآثار على الماهيّة،فلا يمكن أن يكون الشرائط داخلة في محلّ النزاع كالأجزاء(4).
وفيه: أنّ تقدّم رتبة الأجزاء على الشرائط لا يوجب استحالة ملاحظة
- (1) أي الأجزاء والشرائط . والمحقّق الخراساني رحمهالله من القائلين بالصحيح، ولأجله قال باعتبار جميعالأجزاء والشرائط في التسمية. منه مدّ ظلّه.
- (4) عبّر المحقّق العراقي رحمهالله ـ في بدائع الأفكار: 111 ـ عن هذا القول بـ «قيل» من دون نسبته إلى الشيخ قدسسره .م ح ـ ى.
ج1
الشارع كلتيهما عند الوضع أو الاستعمال، فإنّ التسمية أمر اعتباري، فلا يضرّبها التقدّم والتأخّر الرتبيّان، بل لو كان التقدّم والتأخّر بحسب الزمان لم يوجبعجزه عن ملاحظتهما عند التسمية فضلاً عن التقدّم والتأخّر الرتبيّين، لأنّ فيالاعتباريّات سعة ليست في الواقعيّات، ويؤيّده جمع المقولات المتباينة فيالشريعة واعتبارها شيئاً واحداً كالصلاة، ووضع لفظ واحد لمعنيين متضادّينكالقرء، مع أنّه يمتنع الاجتماع التكويني بين المقولات المختلفة، والدلالةالتكوينيّة للفظ واحد على معنيين متضادّين.
الثالث: ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من دخول القسم الأوّل ـ أعنيالشرط الذي أخذه الشارع في متعلّق الأمر ويسمّى بالشرط الشرعي ـ فيمحلّ النزاع، وخروج القسمين الأخيرين عنه، فإنّه قال:
ثمّ إنّ وصف الصلاة مثلاً بالصحّة باعتبار الشرائط تارةً: يكون باعتبارخصوص الشرائط الملحوظة في مرحلة الجعل وتعيين المسمّى التي يمكنالانقسام إليها قبل تعلّق الطلب بها، كالطهور والاستقبال والستر وغير ذلكمن الانقسامات السابقة، واُخرى: تكون باعتبار الشرائط التي لا يمكنلحاظها في مرحلة تعيين المسمّى، بل هي من الانقسامات اللاحقة عن مرحلةتعلّق الطلب بها، كقصد القربة وما يستتبعها من قصد الوجه ووجه الوجه علىالقول باعتباره.
لا ينبغي الإشكال في خروج الصحّة بالاعتبار الثاني عن حريم النزاع فيالمقام، بداهة تأخّر اتّصاف الشيء بالصحّة بهذا المعنى عن تعيين المسمّىبمرتبتين: مرتبة تعيين المسمّى، ومرتبة تعلّق الطلب به، وما يكون متأخّراً عنالمسمّى لا يعقل أخذه في المسمّى، بل لا يعقل أخذه في متعلّق الطلب، فضلعن أخذه في المسمّى، فلا يمكن القول بأنّ لفظ الصلاة موضوعة للصحيح
(صفحه322)
الواجد لشرط قصد القربة، أو للأعمّ من الواجد لها والفاقد، كما لا يمكن القولبوضعها للأعمّ من تعلّق النهي بها وعدم تعلّقه، أو للأعمّ من وجود المزاحم لهوعدم المزاحم، فالفساد اللاحق لها من ناحية النهي في العبادات أو من ناحيةاجتماع الأمر والنهي بناءً على الجواز وتغليب جانب النهي في مقام المزاحمة عندعدم المندوحة على ما سيأتي بيانه، خارج عن حريم النزاع أيضاً، كخروجالصحّة اللاحقة لها من باب عدم النهي، أو من باب عدم المزاحم.
والسرّ في ذلك كلّه، هو تأخّر رتبة الاتّصاف بالصحّة أو الفساد بذلك عنمرتبة تعيين المسمّى. فالذي ينبغي أن يكون محلّ النزاع، هو خصوصالأجزاء والشرائط الملحوظة عند مرحلة الجعل وتعيين المسمّى التي يجمعه«ما يمكن فرض الانقسام إليها قبل تعيين المسمّى» فتأمّل جيّداً(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
ويظهر جوابه ممّا تقدّم في الجواب عن الشيخ الأعظم من أنّ التسمية أمراعتباري، فلا يضرّ بها التقدّم والتأخّر.
نعم، يمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر، وهو أنّ العرف يسمّون الصلاةالمبتلاة بالمزاحم الأقوى أو الفاقدة لقصد القربة صلاة، فيعلم أنّ القسمينالأخيرين من الشرائط خارجان عن البحث. فما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من التفصيل حقّ، لكن لقضاوة العرف لا للاستحالة.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّ الأجزاء والشرائط الشرعيّة داخلة فينزاع الصحيحي والأعمّي دون الشرائط العقليّة، فلا يريد الصحيحي إلالصحّة من حيث الأجزاء والشرائط الشرعيّة فقط، فالموضوع له أو المستعمل
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 60.
ج1
فيه عنده ما كان واجداً لهما وإن كان فاقداً للشرائط العقليّة، فإنّه لا يضرّبالصحّة في مقام التسمية، بل يضرّ بالصحّة في مقام الامتثال وسقوط التكليف،والأعمّي أيضاً يريد من الصحيح ما كان واجداً لهما ومن الفاسد ما كان فاقدلبعض الأجزاء أو الشرائط الشرعيّة، ويقول: إنّ الموضوع له أو المستعمل فيهأعمّ من الصحيح والفاسد.
تصوير الجامعتصوير الجامع في الصحيح والأعمّ
ومنها: أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله قال: لابدّ على كلا القولين من قدر جامع فيالبين كان هو المسمّى بلفظ كذا(1).
وتوجيه اللابدّيّة: أنّ الوضع أو الاستعمال في ألفاظ العبادات إمّا أن يكونمن سنخ الوضع العامّ والموضوع له العامّ ـ كما هو الحقّ وقد مرّ بيانه ـ أو منقبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، أو عكسه، ولا يمكن القول بكونه منسنخ الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ، لاستلزامه كثرة الأوضاع بعددوجودات المأمور به في الخارج.
وعلى كلّ واحد من الاحتمالات الثلاثة لابدّ من تحقّق قدر جامع في البين،لأنّه لازم عموم الوضع في الثاني، والموضوع له في الثالث، وكليهما في الأوّل.
فلابدّ من تحقّق قدر جامع بين الأفراد الصحيحة على الصحيح، وبينالأفراد الصحيحة والفاسدة على الأعمّ.
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى عدم لزوم تصوير الجامع، لعدم الفرق بينالمركّبات الشرعيّة والتكوينيّة المخترعة في هذه الجهة، فكما أنّ مخترع السيّارة