ج1
الشارع كلتيهما عند الوضع أو الاستعمال، فإنّ التسمية أمر اعتباري، فلا يضرّبها التقدّم والتأخّر الرتبيّان، بل لو كان التقدّم والتأخّر بحسب الزمان لم يوجبعجزه عن ملاحظتهما عند التسمية فضلاً عن التقدّم والتأخّر الرتبيّين، لأنّ فيالاعتباريّات سعة ليست في الواقعيّات، ويؤيّده جمع المقولات المتباينة فيالشريعة واعتبارها شيئاً واحداً كالصلاة، ووضع لفظ واحد لمعنيين متضادّينكالقرء، مع أنّه يمتنع الاجتماع التكويني بين المقولات المختلفة، والدلالةالتكوينيّة للفظ واحد على معنيين متضادّين.
الثالث: ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من دخول القسم الأوّل ـ أعنيالشرط الذي أخذه الشارع في متعلّق الأمر ويسمّى بالشرط الشرعي ـ فيمحلّ النزاع، وخروج القسمين الأخيرين عنه، فإنّه قال:
ثمّ إنّ وصف الصلاة مثلاً بالصحّة باعتبار الشرائط تارةً: يكون باعتبارخصوص الشرائط الملحوظة في مرحلة الجعل وتعيين المسمّى التي يمكنالانقسام إليها قبل تعلّق الطلب بها، كالطهور والاستقبال والستر وغير ذلكمن الانقسامات السابقة، واُخرى: تكون باعتبار الشرائط التي لا يمكنلحاظها في مرحلة تعيين المسمّى، بل هي من الانقسامات اللاحقة عن مرحلةتعلّق الطلب بها، كقصد القربة وما يستتبعها من قصد الوجه ووجه الوجه علىالقول باعتباره.
لا ينبغي الإشكال في خروج الصحّة بالاعتبار الثاني عن حريم النزاع فيالمقام، بداهة تأخّر اتّصاف الشيء بالصحّة بهذا المعنى عن تعيين المسمّىبمرتبتين: مرتبة تعيين المسمّى، ومرتبة تعلّق الطلب به، وما يكون متأخّراً عنالمسمّى لا يعقل أخذه في المسمّى، بل لا يعقل أخذه في متعلّق الطلب، فضلعن أخذه في المسمّى، فلا يمكن القول بأنّ لفظ الصلاة موضوعة للصحيح
(صفحه322)
الواجد لشرط قصد القربة، أو للأعمّ من الواجد لها والفاقد، كما لا يمكن القولبوضعها للأعمّ من تعلّق النهي بها وعدم تعلّقه، أو للأعمّ من وجود المزاحم لهوعدم المزاحم، فالفساد اللاحق لها من ناحية النهي في العبادات أو من ناحيةاجتماع الأمر والنهي بناءً على الجواز وتغليب جانب النهي في مقام المزاحمة عندعدم المندوحة على ما سيأتي بيانه، خارج عن حريم النزاع أيضاً، كخروجالصحّة اللاحقة لها من باب عدم النهي، أو من باب عدم المزاحم.
والسرّ في ذلك كلّه، هو تأخّر رتبة الاتّصاف بالصحّة أو الفساد بذلك عنمرتبة تعيين المسمّى. فالذي ينبغي أن يكون محلّ النزاع، هو خصوصالأجزاء والشرائط الملحوظة عند مرحلة الجعل وتعيين المسمّى التي يجمعه«ما يمكن فرض الانقسام إليها قبل تعيين المسمّى» فتأمّل جيّداً(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
ويظهر جوابه ممّا تقدّم في الجواب عن الشيخ الأعظم من أنّ التسمية أمراعتباري، فلا يضرّ بها التقدّم والتأخّر.
نعم، يمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر، وهو أنّ العرف يسمّون الصلاةالمبتلاة بالمزاحم الأقوى أو الفاقدة لقصد القربة صلاة، فيعلم أنّ القسمينالأخيرين من الشرائط خارجان عن البحث. فما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من التفصيل حقّ، لكن لقضاوة العرف لا للاستحالة.
فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّ الأجزاء والشرائط الشرعيّة داخلة فينزاع الصحيحي والأعمّي دون الشرائط العقليّة، فلا يريد الصحيحي إلالصحّة من حيث الأجزاء والشرائط الشرعيّة فقط، فالموضوع له أو المستعمل
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 60.
ج1
فيه عنده ما كان واجداً لهما وإن كان فاقداً للشرائط العقليّة، فإنّه لا يضرّبالصحّة في مقام التسمية، بل يضرّ بالصحّة في مقام الامتثال وسقوط التكليف،والأعمّي أيضاً يريد من الصحيح ما كان واجداً لهما ومن الفاسد ما كان فاقدلبعض الأجزاء أو الشرائط الشرعيّة، ويقول: إنّ الموضوع له أو المستعمل فيهأعمّ من الصحيح والفاسد.
تصوير الجامعتصوير الجامع في الصحيح والأعمّ
ومنها: أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله قال: لابدّ على كلا القولين من قدر جامع فيالبين كان هو المسمّى بلفظ كذا(1).
وتوجيه اللابدّيّة: أنّ الوضع أو الاستعمال في ألفاظ العبادات إمّا أن يكونمن سنخ الوضع العامّ والموضوع له العامّ ـ كما هو الحقّ وقد مرّ بيانه ـ أو منقبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، أو عكسه، ولا يمكن القول بكونه منسنخ الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ، لاستلزامه كثرة الأوضاع بعددوجودات المأمور به في الخارج.
وعلى كلّ واحد من الاحتمالات الثلاثة لابدّ من تحقّق قدر جامع في البين،لأنّه لازم عموم الوضع في الثاني، والموضوع له في الثالث، وكليهما في الأوّل.
فلابدّ من تحقّق قدر جامع بين الأفراد الصحيحة على الصحيح، وبينالأفراد الصحيحة والفاسدة على الأعمّ.
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى عدم لزوم تصوير الجامع، لعدم الفرق بينالمركّبات الشرعيّة والتكوينيّة المخترعة في هذه الجهة، فكما أنّ مخترع السيّارة
(صفحه324)
إذا ركّبها من ألف جزء مثلاً لاحظها وسمّاها بها، ثمّ إذا ذهب بعض أجزائها معترتّب الأثر المترقّب منها عليها سمّاها بها أيضاً لأجل الاشتراك في الأثر، ثمّ إذذهب أكثر أجزائها بحيث لا يترتّب عليها ذلك الأثر سمّاها بها أيضاً مسامحةًبلحاظ تنزيل الناقص منزلة التامّ، كذلك الشارع وضع ابتداءً لفظ الصلاة مثلأو استعمله في صلاة المختار الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط حتّى على قولالأعمّي، ثمّ سمّى المراتب الاُخر كصلاة المتيمّم والجالس والمضطجع بل الغريقالذي يكتفى منه بالإيماء القلبي صلاة بلحاظ اشتراكها في الأثر مع صلاة المختارالواجدة لجميع الأجزاء والشرائط، ثمّ أطلقها على الصلاة التي لا يترتّب عليهالأثر بلحاظ تنزيل الناقص منزلة الكامل مسامحةً.
فكما أنّ المخترعين لا يتصوّرون جامعاً لمخترعهم كذلك الشارع الذي هوواحد من العقلاء لا يختار طريقةً غير طريقتهم في التسمية(1).
نعم، لابدّ من تصوير جامع بين صلاتي الحاضر والمسافر، لكونهما في مرتبةواحدة(2).
هذا حاصل كلام المحقّق النائيني رحمهالله ، وملخّصه أنّ للعبادات أفراداً طوليّةوعرضيّة، وتصوير الجامع بين الأفراد الطوليّة ليس بلازم، بخلاف الأفرادالعرضيّة.
ولا يخفى عليك أنّ تنظير المركّبات الشرعيّة بالمخترعات التكوينيّة دليل
- (1) ولا يخفى أنّ الفرق بين الصحيحي والأعمّي في المراتب النازلة ـ كصلاة الجالس ـ إنّما هو في أنّالصحيحي يطلق لفظ الصلاة على صلاة الجالس الفاسدة بلحاظ صلاته الصحيحة نظير سبك المجاز منالمجاز، لكنّ الأعمّي يطلقه عليها بلحاظ المعنى الموضوع له الأوّلي، وهو صلاة القائم الواجدة لجميعالأجزاء والشرائط. منه مدّ ظلّه.
- (2) أجود التقريرات 1: 52.
ج1
على كونه قائلاً بعموميّة الوضع والموضوع له في العبادات ـ كما هو الحقّ ـ لبخصوصيّتهما، ضرورة أنّ مخترع السيّارة لم يضع لفظها بإزاء شخص ما فيالخارج من مصنوعه الأوّلي كي يكون استعماله في الأفراد الاُخرى المساوية لهفي الأجزاء مجازاً.
وفي كلامه رحمهالله مواضع للنظر، أهمّها اثنان:
1ـ أنّه لو كان الملحوظ أوّلاً عند الوضع أو الاستعمال خصوص صلاةالمختار الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط وكان إطلاقها على المراتب المتأخّرةبلحاظ الاشتراك في الأثر لكان إطلاقها على صلاة المتيمّم والجالس ونحوهمبالعناية وتنزيل النازل منزلة العالي مع أنّ العرف قاضٍ بخلاف ذلك، فإنّهم ليجدون فرقاً بين إطلاقها على صلاة المتوضّي والمتيمّم، ولا بين إطلاقها علىصلاة القائم والجالس.
2ـ أنّه لا ينحصر الأفراد العرضيّة في صلاة الحاضر والمسافر كي يكتفىبتصوير الجامع بينهما، فإنّها كما تختلف بحسب الحضر والسفر كذلك تختلفبحسب تعداد الركعات، فإنّها تارةً تكون ثنائيّة واُخرى ثلاثيّة وثالثة رباعيّة،وكذلك تختلف بحسب كون الركوع في ركعات بعضها واحداً وفي ركعاتبعضها خمسة، وهي صلاة الآيات، وبعضها تشتمل على تكبيرات كثيرة،كصلاة العيد، وبعضها ذات كيفيّة خاصّة، لا تشتمل على الحمد والسورة ولعلى الركوع والسجود ولا على التشهّد والتسليم، وهي الصلاة على الميّت(1)،كلّ هذه الصلوات في عرض واحد فلابدّ من تصوير الجامع بينها وإن قلنبعدم لزوم تصويره بين الأفراد الطوليّة، فأين انحصار لزوم تصويره بين صلاتي
- (1) بناءً على صدق الصلاة عليها حقيقةً. منه مدّ ظلّه.