(صفحه390)
أحياناً(1).
وحاصله: أنّ المتكلّم إن كان بصدد بيان تمام مراده أقام قرينة واضحة علىالمعنى المراد من اللفظ المشترك فيصير المعنى بيِّناً، وإن كان بصدد الإجمالوبيان بعض مراده فلم يقم قرينة أصلاً، ولا ضير في إجمال اللفظ وإهمالهحينئذٍ، فأين الاتّكال على القرائن الخفيّة؟!
2ـ أنّ الوضع جعل اللفظ مرآةً للمعنى، فلابدّ من سرعة الانتقال منه إليهبحيث لا يبقى للسامع حالة تحيّر وتردّد بعد استماع اللفظ، كما أنّ الناظر فيالمرآة يرى ما انعكس فيها ولا يبقى له تردّد وتحيّر أصلاً، وهذا المعنى للوضعلا يلائم الاشتراك كما هو واضح.
وفيه: أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ علامةً للمعنى لا مرآةً له، فإنّالمرآتيّة مربوطة بمقام الاستعمال، حيث إنّ المستعملين لا يلاحظون الألفاظ إلبنحو المرآتيّة، حتّى كأنّهم يلقون المعاني إلى المخاطب، وكذلك المخاطب ليلاحظ اللفظ إلاّ مرآةً للمعنى، حتّى كأنّه يتلقّى المعنى بنفسه، بخلاف مقامالوضع، فإنّ الواضع يلاحظ كلاًّ من اللفظ والمعنى بالأصالة، ثمّ يجعله علامةله، ولا إشكال في كون شيء علامة لشيئين أو أكثر، ولعلّ هذا المستدلّ خلطبين مقامي الوضع والاستعمال، فتخيّل أنّ المرآتيّة مربوطة بمقام الوضع.
3ـ أنّ الوضع عبارة عن جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى، ولو أمكنالاشتراك لكان بين اللفظ المشترك وكلّ واحد من معانيه ملازمة، وهذيستلزم الملازمة بين نفس المعاني وعدم انفكاك بعضها عن بعض عند سماعاللفظ، وهذا واضح البطلان.
ج1
وفيه: ما تقدّم من أنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى، وقدعرفت فساد القول بالملازمة في مسألة حقيقة الوضع(1).
فثبت القول الثالث، وهو أنّ وقوع الاشتراك أمر ممكن، ولا يكونضروريّاً ولا مستحيلاً، بل لا ينبغي إنكار وقوعه في كلام العرب، فإنّ لفظالعين والقرء ونحوهما من الألفاظ المشتركة.
في منشأ وقوع الاشتراك
وأمّا الجهة الثانية: فما قيل أو يمكن أن يقال فيها وجوه ثلاثة:
الأوّل: أنّ منشأ وقوع الاشتراك هو الاختلاف بين القبائل أو البلاد، فإنّأهل قبيلة أو بلد وضعوا لفظ العين مثلاً للعين الباكية وأهل قبيلة اُخرى أوبلد آخر وضعوه للعين الجارية، وأهل قبيلة ثالثة أو بلد ثالث وضعوه لمعنىآخر، ثمّ اللغويّون تتبّعوا اصطلاحات القبائل والبلاد في معاني الألفاظفوجدوا بعضها مشتركاً بين معنيين أو أكثر.
الثاني: أنّ غرض الواضع من الوضع كما يتعلّق بتفهيم تمام المراد وتفهّمهبسهولة قد يتعلّق أيضاً غرضه بتفهيم المراد وتفهّمه إجمالاً، فيضع لفظاً واحدلمعنيين أو أكثر ليستعمله المتكلِّم بدون قرينة عند إرادة الإجمال، فصيرورةالكلام مجملاً بالاشتراك لا تكون دليلاً على امتناعه، بل تكون علّةً لوقوعه.
الثالث: أنّه قد يصير اللفظ بسبب كثرة الاستعمال في المعنى المجازيمستغنياً عن القرينة، فيصير معناً حقيقيّاً تعيّنيّاً من دون أن يهجر معناهالحقيقي التعييني، فيصبح اللفظ مشتركاً بينهما.
(صفحه392)
استعمال المشترك في الكتاب العزيز
وأمّا الجهة الثالثة ـ أعني استعمال المشترك في القرآن ـ : فقال بعضهمبامتناعه وإن كان ممكناً في لغة العرب، لأنّه يستلزم التطويل بلا طائل معالاتّكال على القرائن والإجمال في المقال لو لا الاتّكال عليها، وكلاهما غيرلائق بكلامه تعالى جلّ شأنه كما لا يخفى.
وفيه أوّلاً: أنّ أدلّ دليل على إمكان استعمال المشترك في القرآن وقوعه فيقوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ»(1) فإنّ القرء مشتركبين الطهر والحيض، وقوله تعالى: «فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ»(2) وقوله تعالى: «وَلَهُمْأَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا»(3) وغيرها من الآيات.
وثانياً: أنّ الاتّكال على القرينة لا يستلزم التطويل إذا أتى بها لغرض آخرغير القرينيّة، على أنّه يمنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه ممّيتعلّق به الغرض، وإلاّ لما وقع المشتبه في كلامه، وقد أخبر في كتابه الكريمبوقوعه فيه، قال اللّه تعالى: «مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُمُتَشَابِهَاتٌ»(4)، وهل يكون المتشابه غير المجمل؟!
هذا تمام الكلام في الاشتراك.
ج1
(صفحه394)
في استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
الأمر الثاني عشر
في استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
ولا يخفى أنّ النزاع يعمّ ما إذا كان المستعمل فيه معنيين حقيقيّين أومجازيّين أو مختلفين.
وقبل البحث ينبغي تقديم أمرين لتحرير محلّ النزاع:
الأوّل: أنّ البحث إنّما هو فيما إذا اُريد كلّ من المعنيين أو المعاني من اللفظعلى سبيل الانفراد والاستقلال كما إذا لم يستعمل إلاّ فيه، لا فيما إذا اُريد منهالجامع بين المعنيين أو عنوان أحد المعنيين أو اُريد أحدهما بالأصالة والآخربالتّبع.
الثاني: أنّ ظاهر كلام القدماء كصاحبي المعالم والقوانين أنّ النزاع في جوازالاستعمال بمعنى ترخيص الواضع له بعد الفراغ عن إمكانه، خلافاً للمحقّقالخراساني رحمهالله ومن تبعه، حيث جعلوا النزاع في إمكانه الوقوعي.
فلابدّ لنا من البحث في مقامين: