(صفحه438)
بالفاعل، إذ كما أنّ «في» مثلاً في قولنا: «زيد في الدار» تدلّ على الظرفيّة، وهيأمر حقيقي متعلّق بطرفيه، وهما «زيد» و«الدار» فكذلك إذا قلنا: «ضَرَبَزيد» أو «يضرب زيد» تدلّ هيئة الفعل على الارتباط الصدوري بين الضربوبين زيد، لكن يدلّ الماضي على تحقّق هذا الارتباط والمضارع على ترقّبه،فأين دلالة الهيئة على الزمان الذي هو معنى اسمي؟!
اشتراك هيئة الماضي بين الفعل المتعدّي واللازم
ثمّ إنّ الحقّ ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام «أعلى اللّه مقامه»من اشتراك هيئة الماضي(1) بين الفعل المتعدّي واللازم اشتراكاً لفظيّاً، إذالارتباط في الأوّل صدوري وفي الثاني حلولي، مثل «ضرب زيد» أي صدرالضرب منه، و«ابيضّ الجسم» أي حلّ البياض فيه، فهيئة الماضي وضعتتارةً للارتباط الصدوري واُخرى للارتباط الحلولي.
إن قلت: يمكن أن يقال بوضعها للجامع بينهما وهو نفس الارتباط.
قلت: لا، فإنّ الارتباط بدون قيد الصدور والحلول يعمّ الارتباط الوقوعيالذي في الفعل المجهول أيضاً.
هل يشترك المضارع بين الحال والاستقبال أم لا؟
ثمّ إنّه كثيراً ما يطلق الفعل المضارع ويراد به الحال، كما إذا سألك السائلعن أنّك هل تعلم حكم كذا؟ فأجبت بقولك: «نعم أعلمه» فإنّه لا إشكال في
- (1) لا ينحصر كلام الإمام رحمهالله بالماضي، فإنّه بعد ذكر أنّ الزمان ليس جزءً لمدلول الماضي والمضارع، بل منلوازم معناهما، قال: نعم، لابدّ من الالتزام بتعدّد الوضع في المتعدّي واللازم، لأنّ قيام المبدء بالذات فيالأوّل بالصدور وفي الثاني بالحلول. تهذيب الاُصول 1: 153. م ح ـ ى.
ج1
كون المضارع مستعملاً في السؤال والجواب في الحال.
بل ذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى أنّه وضع للحال واستعماله في الاستقبال مجازبمعونة القرينة كالسين وسوف، وما اشتهر من أنّه بمعنى الحال والاستقبال منالاشتباهات، فإنّ ظهوره الأوّلي هو التلبّس بالحال، كما هو الظاهر من قولهتعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً»(1) فإنّ الظاهر منه أنّهم حال نزولالآية كانوا يقولون: لست مرسلاً(2).
وفيه: أنّه كثيراً ما يستعمل في الاستقبال أيضاً من دون قرينة المجاز،واستعماله في الآية في الحال لا يدلّ على كونه مجازاً في الاستقبال، إذ غاية ميقتضيه أنّه حقيقة في الحال، وأمّا أنّه مجاز في الاستقبال فلا.
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله بكونه مشتركاً معنويّاً بينهما، وظاهر كلامهاعتراف النحويّين بذلك أيضاً، وجعل هذا مؤيّداً لعدم دلالة الفعل على الزمان،فراجع تفصيل كلامه في الكفاية(3).
وذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله على ما في تقريرات بحثه بقلم بعضالأجلّة إلى أنّه مشترك لفظي بينهما، إلاّ أنّ الوضع بالنسبة إلى الاستقبال تعيينيوبالنسبة إلى الحال تعيّني، فالأوّل مقدّم على الثاني(4).
ولايبعد عنديأنّهما كانافيمرتبة واحدةليس بينهماتقدّموتأخّر أصلاً، فوضعالمضارع للارتباط الصدوري أو الحلولي الحالي تارةً والاستقبالي اُخرى.
وكيف كان، فلا ثمرة لهذا النزاع فلا نطيل الكلام فيه.
- (2) فوائد الاُصول 1 و 2: 102.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 154.
(صفحه440)
الخامس: في منشأ اختلاف المشتقّات
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ ـ وكون المبدء فيبعضها فعليّاً كالضارب، وفي بعضها قوّة واستعداداً كالمثمر، وفي بعضها ملكةكالمجتهد، وفي بعضها حرفة كالتاجر، وفي بعضها صناعة كالنجّار والصائغ ـ ليوجب اختلافاً في دلالتها بحسب الهيئة أصلاً(1).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في منشأ اختلاف المشتقّات
وفيه: أنّه لو كان اختلافها مستنداً إلى مباديها من دون أن يرتبط بالهيئةأصلاً لكانت التجارة في قوله تعالى: «لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْتَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»(2) بمعنى حرفة التجارة، مع أنّ المراد بها هوالتجارة الفعليّة بلا إشكال، وأيضاً إذا نذرت ترك الخياطة مثلاً، فلا ريب فيتحقّق الحنث بخياطة واحدة، وإن لم تصر حرفة أو صنعة لك، وأيضاً لو كانالقوّة والشأنيّة داخلة في معنى الإثمار لكان إضافة لفظ الشأنيّة إليه في قولنا:«الشجرة المثمرة هي التي لها شأنيّة الإثمار» لغواً زائداً، بل مخلاًّ بالمعنى.
ج1
نعم، لا ريب في أنّ الاجتهاد يكون بمعنى ملكة الاستنباط، إلاّ أنّ هذهمعناه الاصطلاحي عند الفقهاء، وأمّا بحسب اللغة فهو بمعنى الجدّ والجهدالفعلي، والنزاع إنّما هو في معنى المشتقّ لغةً لا اصطلاحاً.
وبالجملة: لا فرق في مبادئ هذه المشتقّات المختلفة في كونها متّخذة بنحوالفعليّة، فلا يرتبط اختلافها بالموادّ، ويؤيّده ظهور الماضي والمضارع في الفعليّةفي مثل «اتّجر» و«يتّجر» لا في الحرفة، مع اشتمالهما على مادّة لفظ «التّاجر».
فماذا نقول في المقام، سيّما في مثل «الضارب» و«التاجر» الّذين كلاهما علىهيئة الفاعل، فلا يمكن القول باتّخاذ الأوّل بنحو الفعليّة والثاني بنحو الحرفة،إذ لا تعدّد في هيئتهما.
نقد احتمال تعدّد الوضع في المشتقّات
واحتمال تعدّد الأوضاع بأن يقال: هيئة الفاعل وضعت تارةً لمن اشتغلبالمادّة بالفعل، واُخرى لمن اتّخذها حرفةً له وإن لم يشتغل بها فعلاً، بعيد لنلتزم به كما قال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره .
ثمّ إنّه رحمهالله قال: إنّ ما يدلّ على الصنعة والحرفة قد استعمل في تلك المعانيأوّلاً بنحو المجاز حتّى صارت حقيقةً، إمّا باستعمال الموادّ في الصنعة والحرفة،أو استعمال مجموع المادّة والهيئة مجازاً، باعتبار أنّ المشتقّات كأنّها كلمة واحدةمادّةً وهيئةً كسائر العناوين البسيطة، ولكن هذا أيضاً لا يخلو من بُعد(1)،إنتهى كلامه.
أقول: وأبعد منه جريان هذا الاحتمال في اسمي الآلة والمكان، كالمفتاح
- (1) تهذيب الاُصول 1: 156.
(صفحه442)
والمسجد، ضرورة صدق هذين العنوانين على آلة الفتح ومحلّ عبادة المسلمينحقيقةً قبل تحقّق الفتح والسجود فيهما، فلا يمكن القول بتحقّق الوضع التعيّنيفيهما.
تناقض كلام المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في منشأ اختلاف المشتقّات
والعجب من بعض الأعلام«مدّ ظلّه» حيث ذهب في صدر كلامه إلى كوناختلاف المشتقّات كلّها مربوطاً بالموادّ، وفي وسطه إلى كونه في اسم المكانوالآلة ناشئاً عن الهيئة(1)، فإنّه تناقض ظاهر.
نقد القول باستناد اختلاف المشتقّات بجريها على الذوات
وقيل: إنّ الشأنيّة والحرفة والصناعة وغيرها ناشئة من جري المشتقّ علىالذات وحمله عليها، وأمّا نفسه بلا جري يكون بمعنى الفعليّة، فلفظ «المثمر»و«التاجر» يكونان بمعنى ما له الثمرة بالفعل، ومن له التجارة كذلك، وأمّا إذقلنا: «هذه الشجرة مثمرة» أو «زيد تاجر» يكونان بمعنى ما له شأنيّة الإثمارومن له حرفة التجارة، فالخصوصيّات المذكورة لا ترتبط بموادّ المشتقّات ولبهيئاتها، بل بالجري والحمل.
وهذا نظير ما احتمل في كلمة «الجاري» في الفقه، فإنّ فيه خصوصيّة النبعمن الأرض، حيث فسّر الفقهاء الماء الجاري بالنابع السائل، مع عدم دخلهذه الخصوصيّة في معناه اللغوي، لصدق قولنا: جرى الماء من الإبريق، أو منالميزاب، من دون تجوّز.
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 263.