(صفحه82)
هل يكون الأخذ بأحد الطرفين كافياً في احتجاج العبد على المولى؟ وهكذالبحث عن حجّيّة المفاهيم، فإنّ البحث فيها ليس في أصل ثبوت المفهوم، بلفي حجّيّتها، حيث إنّ لذكر القيد الزائد مثل الشرط والوصف وأمثالهما ظهورما في الدخالة بلا إشكال، وإنّما يقع البحث عن حجّيّتها، وسيأتي تحقيقه فيمحلّه.
وكذلك البحث في مفاد هيئة افعل ولا تفعل، لرجوعه إلى البحث عن أنّهمحجّة في الوجوب والحرمة أم لا؟ وهكذا البحث في مفاد المشتقّ، لأنّه يرجعإلى البحث عن أنّه هل هو حجّة بالنسبة إلى المنقضي عنه المبدأ كالمتلبّسأم لا؟
وبالجملة: فالمحمول في جميع المسائل الاُصوليّة هو عنوان «حجّة» أو راجعإليه، فكلّ مسألة تكون حيثيّة البحث فيها حجّيّة أمر من الاُمور فهي مسألةاُصوليّة.
نعم، بعض المباحث التي لم يكن المبحوث عنه فيها حيثيّة الحجّيّة تكونخارجة من الاُصول، وتدخل في سلك المبادئ، كمسألة مقدّمة الواجب،ومبحث الضدّ وأمثالهما.
وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ موضوع علم الاُصول هو عنوان«الحجّة في الفقه»، ومحصّل مسائله تشخيص مصاديق الحجّة وتعيّناتها(1).
هذا ما أفاده آية اللّه البروجردي رحمهالله في المقام، وحاصله: أنّ موضوع علمالاُصول هو الجامع لمحمولات مسائله الذي يقال له: «الحجّة في الفقه».
أقول: التوجيه المتقدّم جارٍ في مسألة مقدّمة الواجب والضدّ أيضاً، لأنّ
ج1
البحث في الأوّل يرجع إلى أنّ وجوب ذي المقدّمة هل هو حجّة عقلاً علىوجوب المقدّمة أم لا؟ وفي الثاني يرجع إلى أنّ الأمر بالشيء هل هو حجّةعقلاً على النهي عن ضدّه أم لا؟ إذ الحجّيّة في المقام أعمّ من الشرعيّة والعقليّة،فلا وجه لجعلهما من المبادئ.
5ـ كلام الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في موضوع علم الاُصول
وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» اختار ما اختاره آية اللّهالبروجردي رحمهالله من أنّ موضوعه هو «الحجّة في الفقه» لكنّه خالفه في توجيهه،فإنّ آية اللّه البروجردي رحمهالله وجّهه من طريق الجامع بين محمولات المسائل كمعرفت، والإمام من طريق الجامع بين موضوعاتها.
توضيحه: أنّ المسائل الاُصوليّة حيث تكون اُموراً اعتباريّة(1) يمكنعكسها بجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعاً، فقولنا: «خبر الواحدحجّة» يرجع إلى أنّ «الحجّة خبر الواحد» وهكذا، بل هذا أولى من عكسه،لأنّ للّه تعالى أحكاماً وقوانين، وأنّا نعلم أنّه جعل للوصول إليها حججاً،فأصل وجود الحجج معلوم لنا، والمجهول هو تعيّناتها، كظواهر الكتاب وخبرالواحد وهكذا، فمن قال بحجّيّة خبر الواحد مثلاً يقول: خبر الواحد منتعيّنات الحجّة على أحكام اللّه، فيمكن أن يحتجّ به المولى على العبدوبالعكس، ومن أنكر حجّيّته يقول: خبر الواحد ليس من مصاديق الحجّةالمعلومة لنا إجمالاً، فلا يصحّ الاحتجاج به للمولى على العبد، ولا بالعكس.
فجعل الحجّة موضوعاً وكلّ واحد من تعيّناتها كخبر الواحد محمولاً أولى
- (1) أي: ليست من الاُمور التكوينيّة مثل «زيد قائم» حتّى لم نتمكّن من جعل العرض معروضاً وبالعكس.منه مدّ ظلّه.
(صفحه84)
من العكس.
ويؤيّده أنّ موضوع علم الفلسفة هو الوجود، أو الموجود بما هو موجود،مع أنّه محمول مسائله لا موضوعها، فإنّا نقول فيها مثلاً: «الجسم موجود،الجوهر موجود، العرض موجود» وهكذا، فلا يمكن القول بكون موضوععلم الفلسفة الوجود أو الموجود بما هو موجود إلاّ بطريق عكس المسائل.
فالمسائل المتقدِّمة في الواقع هكذا: «الموجود جسم، الموجود جوهر،الموجود عرض» وهكذا.
فحاصل ما أفاده سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» في المقام، أنّ موضوع علم الاُصولهو «الحجّة في الفقه» وهو الجامع بين موضوعات مسائله بطريقة عكسالحمل.
6ـ المختار في المقام
والحقّ أنّ موضوع علم الاُصول هو «الحجّة في الفقه» ولا نحتاج إلىتكلّف عكس المسائل كما فعله الإمام«مدّ ظلّه».
توضيحه: أنّا إذا قلنا: «زيد إنسان» كان معناه زيد واحد من طبيعةالإنسان، فالموضوع في هذه القضيّة فرد من طبيعة الإنسان، وتعيّن منتعيّناتها، كما أنّ المحمول كذلك، بل الموضوع أظهر فرداً وتعيّناً من المحمول،لأنّه كلّي مبهم، بخلاف الموضوع.
إذا عرفت هذا فنقول في المقام: إذا قلنا: «خبر الواحد حجّةٌ»(1) كان معناه«خبر الواحد فرد من طبيعة الحجّة» والموضوع فيه أظهر مصداقاً وتعيّناً من
- (1) «حجّةٌ» في أمثال هذه القضايا نكرة وفرد مبهم من أفراد طبيعة الحجّة التي هي موضوع علم الاُصول لنفسها. منه مدّ ظلّه.
ج1
المحمول، لما تقدّم، فلا نحتاج إلى عكس المسألة لأجل انطباق طبيعة «الحجّةفي الفقه» على موضوعها.
والحاصل: أنّ موضوع علم الاُصول هو الجامع بين موضوعات مسائلهالذي يقال له: «الحجّة في الفقه» من دون أن نحتاج إلى عكس الحمل، على أنّالقول بعكس جميع مسائل الاُصول أمر مشكل.
وأمّا الفلسفة فهي علم آخر لا يرتبط بما نحن فيه، فلابدّ من التكلّم فيها فيمحلّها(1).
- (1) تقدّم كلام من الاُستاذ«مدّ ظلّه» حول موضوع الفلسفة في مبحث تمايز العلوم. م ح ـ ى.
(صفحه86)
في تعريف علم الاُصول
المقام الرابع: في تعريف علم الاُصول
اختلفوا فيه على أقوال:
1ـ نظريّة المشهور حول تعريف علم الاُصول
عرّفه المشهور بأنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة.
أقول: أخذ العلم في تعريف العلوم لا يصحّ، لأنّ كلّ علم عبارة عنمجموعة مسائله، سواء تُعلّمت أو لم تتعلّم أصلاً.
فعلم النحو مثلاً عبارة عن «كلّ فاعل مرفوع، كلّ مفعول منصوب، كلّمضاف إليهمجرور» وهكذا، ولادخل للعلم بهذهالمسائل والقواعد فيعلمالنحو.
فالحقّ تعريفه على مذاق المشهور بأنّه «القواعد الممهّدة لاستنباط الأحكامالشرعيّة».
وخرج بقيد «الممهّدة» العلوم التي لها دور في استنباط الأحكام، لكنّها لمتدوّن لهذا الغرض، كأدبيّات العرب واللغة وتفسير القرآن.
نقد كلام المشهور في المقام
وأورد المحقّق الخراساني رحمهالله على هذا التعريف بأنّه ليس جامعاً للأفرادلوجهين: