(صفحه19)
إنكار للنبوّة والرسالة، والمنكر كافر إذا التفت إلى ما ذكر، وسيأتي أنّ في بعضالآيات جُعلا في رديف الصلاة والزكاة، بل في بعض الروايات المنقولة في المتنسلب الإيمان عن تاركهما.
ويدلّ على وجوبهما الآيات الكثيرة والروايات الّتي لا تحصى، ومن الآياتما هو أشدّ انطباقاً علينا بحسب الزمان الخاصّ والمكان كذلك؛ وهو قولهـ تعالى ـ : «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـهُمْ فِى الاْءَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتَوُاْ الزَّكَوةَوَ أَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ...»(1) الآية، والنكتة في أشدّية الانطباقوجود القدرة الكاملة بيد المسؤولين الذين هم من الروحانيّين، قدرة لم يكنلها سابقة في عالم الإسلام، وكانت مسبوقة بالقدرة المستظهرة بالقدرةالمنحصرة البشريّة، وكانت بصدد هدم الإسلام وقطع اُصوله وفروعه.
ففي هذه الشرائط أنعم اللّه علينا ببركة الإمام الماتن قدسسره ، ومكّنّا بالثورةالإسلاميّة من دون اتّكاء على إحدى الحكومات البشريّة، بل باعتقاد الاُمّةوهدايتها. وعليه: فالواجب علينا شديداً ما أفاده ـ تعالى ـ في الآية من إقامةالصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد أورد في المتن جملة من الروايات الواردة في هذا المجال، لكن يوجد هنبعض ما يوجب اضطراب الإنسان من أهميّة هذا الأمر، مثل:
رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : كيف بكمإذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عنالمنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسولاللّه؟ فقال: نعم وشرّ من ذلك، كيف
(صفحه20)
بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسولاللّه ويكونذلك؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكرمعروفاً؟!(1).
- (1) الكافي 5: 59 ح14، تهذيب الأحكام 6: 177 ح359، قرب الإسناد 54 ح178، وعنها وسائل الشيعة16: 122، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب1 ح12.
(صفحه 21)
(صفحه22)
أقسامهما و كيفيّة وجوبهم
القول في أقسامهما و كيفيّة وجوبهم
مسألة 1: ينقسم كلّ من الأمر والنهي في المقام إلى واجب ومندوب، فموجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عنه،وما ندب واستحبّ فالأمر به كذلك، وما كره فالنهي عنه كذلك1.
1ـ قال المحقّق في الشرائع: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبانإجماعاً(1). ويدلّ عليه قبل الإجماع الآيات الكثيرة والروايات كذلك،وقدتقدّمت جملة منها، ولا إشكال في ذلك، إنّما الإشكال والاختلاف في أنّوجوبهما عقليّ أيضاً والشرع مؤكّد له، أو شرعيّ فقط مستفاد من الأدلّةالمتعدّدة المشار إليها؟
فعن جماعة كالشيخ والفاضل والشهيدين وبعض آخر: أنّ وجوبهما منالمستقلاّت العقليّة، من غير حاجة إلى ورود الشرع(2).
وعن جماعة كثيرة، بل عن المختلف: النسبة إلى الأكثر(3)، بل عن السرائر:
- (1) شرائع الإسلام 1: 341، وكذا في منتهي المطلب 15: 235، وجواهر الكلام 21: 358.
- (2) الاقتصاد للشيخ الطوسي: 237، قواعد الأحكام 12: 524، كشف المراد: 578، المسألة السادسة عشر،إيضاح الفوائد 1: 397 ـ 398، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 505 ـ 507، الروضة البهية 2: 409،التنقيح الرائع 1: 591 ـ 592.
- (3) مختلف الشيعة 4: 471 مسألة 83 .
(صفحه23)
النسبة إلى جمهور المتكلِّمين والمحصِّلين من الفقهاء أنّه شرعيّ وسمعيّ(1).
وقد جعله صاحب الجواهر هو الأظهر؛ نظراً إلى عدم وصول العقل إلىقبحترك الأمر بذلك على وجه يترتّب عليه العقاب بدون ملاحظة الشرع، كقبحالظلم مثلاً، قال فيها: ودعوى أنّ إيجابهما من اللطف الّذي يصل العقلإلى وجوبه عليه جلّ شأنه، واضحة المنع، كوضوح الاكتفاء من اللّه ـ تعالى بالترغيب والترهيب ونحوهما ممّا يقرب معه العبد إلى الطاعة ويبعد عنالمعصية، دون الإلجاء في فعل الواجب وترك المحرّم(2).
وفي محكيّ المنتهى إقامة الدليل على عدم وجوبهما بالعقل(3).
وكيف كان، فلا خلاف ولا إشكال في وجوبهما الشرعي في المواردالمذكورة في المتن، كما أنّ المندوب يكون الأمر به كذلك، والمكروه يكون النهيعنه كذلك؛ إذ لا مجال لوجوبهما، كما لا يخفى.
- (2) جواهر الكلام 21: 358.
- (3) منتهى المطلب 2: 992 ـ 993، الطبعة الحجريّة.