(صفحه24)
مسألة 2: الأقوى أنّ وجوبهما كفائيّ، فلو قام به من به الكفاية سقط عنالآخرين، وإلاّ كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب1.
1ـ في وجوبهما على الكفاية بنحو سائر الواجبات الكفائيّة، أو على العينيّةخلاف، وقال المحقّق في الشرائع: ووجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيهغناء وكفاية، وقيل: بل على الأعيان، وهو الأشبه(1). وقد قوّى في المتن الأوّلتبعاً لجماعة كثيرة من الفقهاء الأجلاّء، كالسيّد، والقاضي، والحلّي، والفاضل،والشهيدين(2)، والقول الثاني محكيّ عن الشيخ، وابن حمزة، والشهيد في بعضكتبه(3).
ويدلّ علىالثاني ـ مضافاً إلى أصالةالعينيّة فيالوجوب فيالدوران بين العينيوالكفائي، كما قد قرّر في الاُصول(4)، وإلى أنّ جعلهما في عداد الثمانية الّتي يكونالوجوب فيها عينيّاً، كالصلاة والزكاة والحجّ ومثلها، يدلّ على كونهما مثلها ظهور الروايات الكثيرة في ذلك، كالروايات الّتي تقدّمت في المتن والشرح.
لكن ربما يقال(5) بأنّ من المعلوم كون الغرض منهما حصول ذلك في
- (1) شرائع الإسلام 1: 341.
- (2) حكاه عن السيّد في السرائر 2: 22، وهو مختاره أيضاً، وكذا حكاه عن السيد في كشف الرموز 1: 432،وفي تذكرة الفقهاء 9: 442 مسألة 262، والمهذّب 1: 340، والجامع للشرائع: 242، وفي مختلف الشيعة4: 472 ـ 473 مسألة 83 ، وقواعد الأحكام 1: 524، وإيضاح الفوائد 1: 398، واللمعة الدمشقية: 46،والروضة البهية 2: 413، وكفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 404.
- (3) النهاية: 299، الاقتصاد: 237، للشيخ الطوسي، الوسيلة: 207، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 507،وكذا المحقّق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 308.
- (4) سيرى كامل در اصول فقه 4: 31.
- (5) جواهر الكلام 21: 360 ـ 361.
(صفحه25)
الخارج، لا أنّهما مرادان من كلّ شخص بعينه، بل يمكن دعوى عدم تعقّلإرادة الحمل على المعروف باليد مثلاً من الجميع، كغسل الميّت ودفنه ونحوهما،والعمدة قوله ـ تعالى ـ : «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ» الآية؛ فإنّ كلمة «من»ظاهرة في التبعيض.
وقد وردت في تفسيره رواية طويلة لمسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سمعته يقول ـ وسئل عن الأمر وبالمعروف، والنهي عن المنكر، أ واجبهو على الاُمّة جميعاً؟ فقال ـ : لا، فقيل له: ولِمَ؟ قال: إنّما هو على القويّ المطاعالعالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الّذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيّ منأيّ يقول من الحقّ إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب اللّه ـ عزّ وجلّ ـ قوله:«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِالْمُنكَرِ»(1).
فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «وَمِن قَوْمِ مُوسَىآ أُمَّةٌيَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِى يَعْدِلُونَ»(2)، ولم يقل: على اُمّة موسى ولا على كلّ قومه،وهم يومئذٍ اُمم مختلفة، والاُمّة واحد فصاعداً، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «إِنَّإِبْرَ هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ»(3) يقول: مطيعاً للّه عزّ وجلّ ، وليس على من يعلمذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لاقوّة له ولا عدد ولا طاعة.
قال مسعدة: وسمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول وسُئل عن الحديث الّذي جاء
- (1) سورة آلعمران 3: 104.
(صفحه26)
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، ما معناه؟ قال: هذعلى أن يأمره بعد معرفته، وهو مع ذلك يقبل منه وإلاّ فلا(1).
ودعوى أنّ التبعيض في الآية إنّما هو باعتبار وجود شرائط الأمرين الآتيةفي البعض دون الكلّ.
مدفوعة بثبوت هذا التبعيض في التكاليف العامّة أيضاً، كالصلاة بالإضافةإلى الحائض، والصوم بالنسبة إلى المسافر والمريض، فجعل البعض طرفلتوجّه الأمر في الآية دليل على الخصوصيّة دون سائر التكاليف.
نعم، يشكل الأمر من جهة أنّ طرف الوجوب في الواجب الكفائي أيضالعموم، غاية الأمر سقوط التكليف بفعل البعض الآتي بالمكلّف به، كما هومقتضى التحقيق(2) في تصوير الواجب الكفائي.
ويدفعه أنّه لا سبيل إلى حمل الوجوب في المقام على الأقلّ من الواجبالكفائي، الّذي هو أحد القولين في المسألة، والآخر الوجوب العينيكما عرفت(3)، وقد انقدح ممّاذكرنا أنّ الأقوى هو الوجوب الكفائي كما في المتن.
- (1) الكافي 5: 59 ح16، الخصال 6: 16، تهذيب الأحكام 6: 177 ح360، وعنها وسائل الشيعة 16: 126،كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب2 ح1.
- (2) دراسات في الاُصول 1: 755 ـ 758.
(صفحه 27)
مسألة 3: لو توقّف إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع عدّة في الأمرأو النهي، لايسقط الوجوب بقيام بعضهم، ويجبالاجتماع فيذلك بقدرالكفاية1.
1ـ لو توقّفت إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع أزيد من الواحد فيالأمر والنهى، لا يوجب ذلك سقوط الوجوب بقيام البعض، بل اللاّزم وجوبالاجتماع في ذلك بقدر الكفاية؛ لأنّ الوجوب وإن كان كفائيّاً، كما عرفت فيالمسألة المتقدّمة، إلاّ أنّ مقتضى ذلك السقوط بفعل البعض وإن كان واحداً.
أمّا لو فرض توقّف التحقّق على أزيد من واحد، فاللاّزم بهذا النحوالاجتماع لتحقّقه، كما في سائر الواجبات الكفائيّة غير الممكنة بإتيان البعض،أو غير الكافية، كتغسيل الميّت وتدفينه، الذين لا يتحقّقا غالباً بفعل الواحد.
وهكذا مفروض المسألة في المقام، مثلاً لو فرض وجوب صلاة الجمعة فيعصر الغيبة وجوباً تعيينيّاً مطلقاً غير مشروط بما إذا تحقّق النداء لها، وقد قرّرفي كتاب الصلاة أنّ صلاة الجمعة لا تتحقّق بأقلّ من خمسة من المأمومين معالإمام(1)، فالواجب حينئذٍ بنحو الكفاية الاجتماع بالمقدار اللاّزم ليتحقّق العددالمعتبر فيصحّتها، فإقاته هذهالفريضة على هذاالتقدير غير ممكنة بقيام البعض.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى المنكر، فإذا توقّف إقلاعه على اجتماع أزيد منالواحد، فاللازم الاجتماع بنحو الكفاية لحصول الإقلاع المذكور، كما هو ظاهر.
- (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 41، الإشراف سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد 9: 25،المقنعة: 164، السرائر 1: 290، شرائع الإسلام 1: 94، نهج الحقّ وكشف الصدق: 446، تبصرةالمتعلّمين: 46، الألفيه: 74، الموجز الحاوي (الرسالة العشر): 87 ، السرالة الجعفريّة (رسائل المحقّقالكركي) 1: 130، كنز العرفان في فقه القرآن 1: 243 ـ 244، زبدة البيان في براهين أحكام القرآن 1: 171،مفتاح الكرامة 8 : 322 ـ 324، جواهر الكلام 11: 330.
(صفحه28)
مسألة 4: لو قام عدّة دون مقدار الكفاية، ولم يجتمع البقيّة، ولم يمكن للقائمجمعهم، سقط عنه الوجوب، وبقي الإثم على المتخلّف1.
مسألة 5: لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم ولم يؤثّر، لكن احتمل آخرأو آخرون التأثير، وجب عليهم مع اجتماع الشرائط2.
1ـ في مفروض المسألة المتقدّمة، لو قام عنده دون مقدار الكفاية ولميجتمعالبقيّة، ولم يمكن الجمع بذلك المقدار، يسقط التكليف عن القائم؛ لعدم تقصيرهفي المخالفة بعد عدم الاجتماع، وعدم إمكان الجمع، بل الإثم الذي يستحقّه تاركالواجب ـ وإن كان كفائيّاً ـ يبقى على المتخلّفين القادرين، كمالا يخفى.
2ـ لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم من هذه الجهة، ولكن لم يؤثّرالقيام بوجه، لكن احتمل بعض آخر أو آخرون التأثير إذا تحقّق القيام، وجبعليهم مع اجتماع الشرائط الآتية في وجوب الأمرين(1)؛ لأنّ المفروض أنّ تركالمعروف أو فعل المنكر باقٍ بحاله، فاللاّزم ذلك.