وقد جعله صاحب الجواهر هو الأظهر؛ نظراً إلى عدم وصول العقل إلىقبحترك الأمر بذلك على وجه يترتّب عليه العقاب بدون ملاحظة الشرع، كقبحالظلم مثلاً، قال فيها: ودعوى أنّ إيجابهما من اللطف الّذي يصل العقلإلى وجوبه عليه جلّ شأنه، واضحة المنع، كوضوح الاكتفاء من اللّه ـ تعالى بالترغيب والترهيب ونحوهما ممّا يقرب معه العبد إلى الطاعة ويبعد عنالمعصية، دون الإلجاء في فعل الواجب وترك المحرّم(2).
وكيف كان، فلا خلاف ولا إشكال في وجوبهما الشرعي في المواردالمذكورة في المتن، كما أنّ المندوب يكون الأمر به كذلك، والمكروه يكون النهيعنه كذلك؛ إذ لا مجال لوجوبهما، كما لا يخفى.
مسألة 2: الأقوى أنّ وجوبهما كفائيّ، فلو قام به من به الكفاية سقط عنالآخرين، وإلاّ كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب1.
1ـ في وجوبهما على الكفاية بنحو سائر الواجبات الكفائيّة، أو على العينيّةخلاف، وقال المحقّق في الشرائع: ووجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيهغناء وكفاية، وقيل: بل على الأعيان، وهو الأشبه(1). وقد قوّى في المتن الأوّلتبعاً لجماعة كثيرة من الفقهاء الأجلاّء، كالسيّد، والقاضي، والحلّي، والفاضل،والشهيدين(2)، والقول الثاني محكيّ عن الشيخ، وابن حمزة، والشهيد في بعضكتبه(3).
ويدلّ علىالثاني ـ مضافاً إلى أصالةالعينيّة فيالوجوب فيالدوران بين العينيوالكفائي، كما قد قرّر في الاُصول(4)، وإلى أنّ جعلهما في عداد الثمانية الّتي يكونالوجوب فيها عينيّاً، كالصلاة والزكاة والحجّ ومثلها، يدلّ على كونهما مثلها ظهور الروايات الكثيرة في ذلك، كالروايات الّتي تقدّمت في المتن والشرح.
لكن ربما يقال(5) بأنّ من المعلوم كون الغرض منهما حصول ذلك في
- (1) شرائع الإسلام 1: 341.
- (2) حكاه عن السيّد في السرائر 2: 22، وهو مختاره أيضاً، وكذا حكاه عن السيد في كشف الرموز 1: 432،وفي تذكرة الفقهاء 9: 442 مسألة 262، والمهذّب 1: 340، والجامع للشرائع: 242، وفي مختلف الشيعة4: 472 ـ 473 مسألة 83 ، وقواعد الأحكام 1: 524، وإيضاح الفوائد 1: 398، واللمعة الدمشقية: 46،والروضة البهية 2: 413، وكفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 404.
- (3) النهاية: 299، الاقتصاد: 237، للشيخ الطوسي، الوسيلة: 207، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 507،وكذا المحقّق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 308.
- (4) سيرى كامل در اصول فقه 4: 31.
- (5) جواهر الكلام 21: 360 ـ 361.
(صفحه25)
الخارج، لا أنّهما مرادان من كلّ شخص بعينه، بل يمكن دعوى عدم تعقّلإرادة الحمل على المعروف باليد مثلاً من الجميع، كغسل الميّت ودفنه ونحوهما،والعمدة قوله ـ تعالى ـ : «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ» الآية؛ فإنّ كلمة «من»ظاهرة في التبعيض.
وقد وردت في تفسيره رواية طويلة لمسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سمعته يقول ـ وسئل عن الأمر وبالمعروف، والنهي عن المنكر، أ واجبهو على الاُمّة جميعاً؟ فقال ـ : لا، فقيل له: ولِمَ؟ قال: إنّما هو على القويّ المطاعالعالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الّذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيّ منأيّ يقول من الحقّ إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب اللّه ـ عزّ وجلّ ـ قوله:«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِالْمُنكَرِ»(1).
فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «وَمِن قَوْمِ مُوسَىآ أُمَّةٌيَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِى يَعْدِلُونَ»(2)، ولم يقل: على اُمّة موسى ولا على كلّ قومه،وهم يومئذٍ اُمم مختلفة، والاُمّة واحد فصاعداً، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «إِنَّإِبْرَ هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ»(3) يقول: مطيعاً للّه عزّ وجلّ ، وليس على من يعلمذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لاقوّة له ولا عدد ولا طاعة.
قال مسعدة: وسمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول وسُئل عن الحديث الّذي جاء
- (1) سورة آلعمران 3: 104.