(صفحه218)
مسألة 17: لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعتهبالمماطلة والتأخير بلا داع عقلائيّ، وعذر عقليّ، أو شرعيّ، أو عاديّ، بخلافما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غيرمن يوثق به، وكذا جهله باستحقاق الشفعة، أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة،بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقداً يصعب عليهتحصيله ـ كالذهب ـ فبان خلافه، وغير ذلك1.
1ـ لو اطّلع الشفيع بالبيع الواقع من الشريك بالإضافة إلى الحصّةالمشتركة، وكان عالماً بثبوت حقّ الشفعة له، ولم يكن له داع عقلائيّ أو عذرشرعيّ، أو عقليّ، أو عاديّ، تبطل شفعته بالمماطلة، خصوصاً بعد كون أصلالشفعة على خلاف الأصل والقاعدة.
قال المحقّق في الشرائع: إذا علم بالشفعة، فله المطالبة في الحال، فإن أخّرلعذر عن مباشرة الطلب وعن التوكيل فيه لم تبطل شفته، وكذا لو ترك لتوهّمهكثرة الثمن فبان قليلاً، أو لتوهّم الثمن ذهباً فبان فضّة، أو حيواناً فبان قماشاً(1).
ويظهر من مثله أنّ المراد من المماطلة ليست هي الفوريّة، ولذا قلنا(2) بجوازالتأخير فيما إذا اعتذر بتوقّف الوصول إلى الثمن إلى مدّة ثلاثة في الحضر،وما زاد عليها في السفر، مع أنّه قد وردت هناك روايات(3) بالإضافة إلىالشفيع الغائب حال البيع غير المطّلع عليه، وأنّه يأخذ بالشفعة بعد الحضور.
وكيف كان، فالمستفاد من المجموع أنّ التأخير لا لعذر من الأعذار
- (1) شرائع الإسلام 3: 259.
(صفحه219)
المذكورة، ومثلها يوجب بطلان الشفعة، ولذا حكي عن مبسوط الشيخ أنّهقال: وجملته أنّ الشفيع متى بلغته الشفعة، فلم يأخذ لغرض صحيح، ثمّ بانخلاف ذلك لم تسقط شفعته(1). وعن الشهيد في المسالك(2): أنّ التأخير لغرضصحيح أو عذر مقبول لا يخلّ بالفوريّة.
- (2) مسالك الأفهام 12: 336.
(صفحه220)
مسألة 18: الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع منالأجنبي من أوّل الأمر، أو عرض عليه شراء الحصّة فأبي، لم تكن له شفعة منالأصل، وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيرهوجه وجيه1.
1ـ لا ريب في أنّ الشفعة من الحقوق، وأقلّ آثار الحقّ السقوط، بل فيالمتن أنّه لو رضي بالبيع من الأجنبي من أوّل الأمر، أو عرض عليه شراءالحصّة فأبى، لم تكن شفعة من الأصل، فهي غير ثابتة أصلاً، لا أنّ حقّهساقط؛ والوجه فيه: أنّ ثبوت الشفعة في مورده إنّما هو لأجل رعاية حالالشفيع، فإذا أعلن الرضا بالبيع من الثالث، أو استنكف عن الشراء مع العرضعليه، فهو يرجع عرفاً إلى الإغماض عن رعاية حاله، كما هو المتفاهم عندالعرف.
كما أنّه لو تحقّق التقايل بين المتبايعين، وانتقلت الحصّة إلى البائع بالإقالة،أو تحقّق ردّ المشتري المبيع إلى البائع بعيب أو غيره تسقط الشفعة؛ لصيرورةالأمر كالأوّل، وكون المبيع كأنّه لم يتحقّق البيع بالإضافة إليه، خصوصاً إذقلنا بأنّ الإقالة انفساخ مبنيّ على تراضي الطرفين، وكذا الفسخ بالعيب ونحوه،فتدبّر.
(صفحه221)
مسألة 19: لو تصرّف المشتري فيما اشتراه، فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذمن المشتري الأوّل بما بذله من الثمن، فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثانيبمابذله، فيصحّ الأوّل. وكذا لو زادت البيوع على اثنين، فله الأخذ من الأوّل بما بذله،فتبطل البيوع اللاّحقة، وله الأخذ من الأخير، فتصحّ البيوع المتقدّمة، ولهالأخذ من الوسط، فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع، كالوقفوغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري، ويحتمل أن تكونصحّتها مراعاة بعدم الأخذ بها، وإلاّ فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد1.
1ـ قال المحقّق في الشرائع: ولو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيعوالأخذ من المشتري الأوّل، وله أن يأخذ من الثاني. وكذا لو وقفه المشتري،أو جعله مسجداً، فللشفيع إزالة ذلك كلّه، وأخذه بالشفعة(1).
وكيف كان، ففي أصل المسألة فرعان:
أحدهما: تصرّف المشتري فيما اشتراه بالبيع الّذي هو مورد الشفعة، وفيهذه الصورة حيث يكون ملاك الشفعة موجوداً في البيع الثاني وما بعده أيضاً،يكون للشفيع الاختيار في أخذ الشفعة بالإضافة إلى ما شاء من البيع الأوّلأو الثاني وهكذا، غاية الأمر أنّ في البيعين إذا أُخذ بالشفعة بالنسبة إلىالبيعالأوّل، فمرجع ذلك إلى تصحيح الأوّل وبطلان الثاني، وإن اُخذ بها بالنسبةإلى البيع الثاني، فاللاّزم صحّة كلا البيعين.
وهكذا فيما لو زادت البيوع على اثنين، فله الأخذ من الأوّل بما بذله، فتبطلالبيوع اللاّحقة بجميعها، وله الأخذ من الأخير، فاللاّزم صحّة البيوع المتقدّمة،
- (1) شرائع الإسلام 3: 259.
(صفحه222)
وله الأخذ من الوسط، فيصحّ ما تقدّم عليه ويبطل ما تأخّر عنه؛ والوجه فيهواضح.
ثانيهما: تصرّف المشتري فيما اشتراه بغير البيع، كالوقف ونحوه، ففي المتنـ كعبارة الشرائع المتقدّمة ـ له الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري،لكن احتمل في المتن أن تكون صحّة هذه التصرّفات غير البيعيّة مراعاةً بعدمالأخذ بها، وإلاّ فهي باطلة من الأصل، لا أنّها صحيحة، غاية الأمر عروضالبطلان لها بالإبطال والإزالة، وقد تردّد الماتن قدسسره في هذا الاحتمال.
والظاهر أنّ منشأ الترديد بل التضعيف أنّ ملكيّة المشتري للمبيع الّذيوقفه مثلاً لا تكون ملكيّة متزلزلة، غاية الأمر أنّ للشفيع الأخذ بالشفعةالمنافي لتصرّفه، الملازم لإبطاله وإزالته. وأمّا كون الصحّة مراعاة بعدم الأخذفلا، خصوصاً مع كون نفس الشفعة مخالفة للأصل، واعتبار الفوريّة لا يكونبمعناها العرفي، بل عدم جواز المماطلة في التأخير من دون عذر، كما عرفت.
ومن الممكن أن لا يأخذ الشفيع بالشفعة أصلاً. وهذا بخلاف حقّ الرهنالموجب لتوقّف صحّة البيع من الراهن على إذن المرتهن أو إجازته، فاللاّزمالحكم في المقام بأنّ الأخذ بالشفعة مستلزم لإبطال تصرّف المشتري منالشريك بمثل الوقف ونحوه.