(صفحه22)
أقسامهما و كيفيّة وجوبهم
القول في أقسامهما و كيفيّة وجوبهم
مسألة 1: ينقسم كلّ من الأمر والنهي في المقام إلى واجب ومندوب، فموجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عنه،وما ندب واستحبّ فالأمر به كذلك، وما كره فالنهي عنه كذلك1.
1ـ قال المحقّق في الشرائع: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبانإجماعاً(1). ويدلّ عليه قبل الإجماع الآيات الكثيرة والروايات كذلك،وقدتقدّمت جملة منها، ولا إشكال في ذلك، إنّما الإشكال والاختلاف في أنّوجوبهما عقليّ أيضاً والشرع مؤكّد له، أو شرعيّ فقط مستفاد من الأدلّةالمتعدّدة المشار إليها؟
فعن جماعة كالشيخ والفاضل والشهيدين وبعض آخر: أنّ وجوبهما منالمستقلاّت العقليّة، من غير حاجة إلى ورود الشرع(2).
وعن جماعة كثيرة، بل عن المختلف: النسبة إلى الأكثر(3)، بل عن السرائر:
- (1) شرائع الإسلام 1: 341، وكذا في منتهي المطلب 15: 235، وجواهر الكلام 21: 358.
- (2) الاقتصاد للشيخ الطوسي: 237، قواعد الأحكام 12: 524، كشف المراد: 578، المسألة السادسة عشر،إيضاح الفوائد 1: 397 ـ 398، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 505 ـ 507، الروضة البهية 2: 409،التنقيح الرائع 1: 591 ـ 592.
- (3) مختلف الشيعة 4: 471 مسألة 83 .
(صفحه23)
النسبة إلى جمهور المتكلِّمين والمحصِّلين من الفقهاء أنّه شرعيّ وسمعيّ(1).
وقد جعله صاحب الجواهر هو الأظهر؛ نظراً إلى عدم وصول العقل إلىقبحترك الأمر بذلك على وجه يترتّب عليه العقاب بدون ملاحظة الشرع، كقبحالظلم مثلاً، قال فيها: ودعوى أنّ إيجابهما من اللطف الّذي يصل العقلإلى وجوبه عليه جلّ شأنه، واضحة المنع، كوضوح الاكتفاء من اللّه ـ تعالى بالترغيب والترهيب ونحوهما ممّا يقرب معه العبد إلى الطاعة ويبعد عنالمعصية، دون الإلجاء في فعل الواجب وترك المحرّم(2).
وفي محكيّ المنتهى إقامة الدليل على عدم وجوبهما بالعقل(3).
وكيف كان، فلا خلاف ولا إشكال في وجوبهما الشرعي في المواردالمذكورة في المتن، كما أنّ المندوب يكون الأمر به كذلك، والمكروه يكون النهيعنه كذلك؛ إذ لا مجال لوجوبهما، كما لا يخفى.
- (2) جواهر الكلام 21: 358.
- (3) منتهى المطلب 2: 992 ـ 993، الطبعة الحجريّة.
(صفحه24)
مسألة 2: الأقوى أنّ وجوبهما كفائيّ، فلو قام به من به الكفاية سقط عنالآخرين، وإلاّ كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب1.
1ـ في وجوبهما على الكفاية بنحو سائر الواجبات الكفائيّة، أو على العينيّةخلاف، وقال المحقّق في الشرائع: ووجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيهغناء وكفاية، وقيل: بل على الأعيان، وهو الأشبه(1). وقد قوّى في المتن الأوّلتبعاً لجماعة كثيرة من الفقهاء الأجلاّء، كالسيّد، والقاضي، والحلّي، والفاضل،والشهيدين(2)، والقول الثاني محكيّ عن الشيخ، وابن حمزة، والشهيد في بعضكتبه(3).
ويدلّ علىالثاني ـ مضافاً إلى أصالةالعينيّة فيالوجوب فيالدوران بين العينيوالكفائي، كما قد قرّر في الاُصول(4)، وإلى أنّ جعلهما في عداد الثمانية الّتي يكونالوجوب فيها عينيّاً، كالصلاة والزكاة والحجّ ومثلها، يدلّ على كونهما مثلها ظهور الروايات الكثيرة في ذلك، كالروايات الّتي تقدّمت في المتن والشرح.
لكن ربما يقال(5) بأنّ من المعلوم كون الغرض منهما حصول ذلك في
- (1) شرائع الإسلام 1: 341.
- (2) حكاه عن السيّد في السرائر 2: 22، وهو مختاره أيضاً، وكذا حكاه عن السيد في كشف الرموز 1: 432،وفي تذكرة الفقهاء 9: 442 مسألة 262، والمهذّب 1: 340، والجامع للشرائع: 242، وفي مختلف الشيعة4: 472 ـ 473 مسألة 83 ، وقواعد الأحكام 1: 524، وإيضاح الفوائد 1: 398، واللمعة الدمشقية: 46،والروضة البهية 2: 413، وكفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 404.
- (3) النهاية: 299، الاقتصاد: 237، للشيخ الطوسي، الوسيلة: 207، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 507،وكذا المحقّق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 308.
- (4) سيرى كامل در اصول فقه 4: 31.
- (5) جواهر الكلام 21: 360 ـ 361.
(صفحه25)
الخارج، لا أنّهما مرادان من كلّ شخص بعينه، بل يمكن دعوى عدم تعقّلإرادة الحمل على المعروف باليد مثلاً من الجميع، كغسل الميّت ودفنه ونحوهما،والعمدة قوله ـ تعالى ـ : «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ» الآية؛ فإنّ كلمة «من»ظاهرة في التبعيض.
وقد وردت في تفسيره رواية طويلة لمسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سمعته يقول ـ وسئل عن الأمر وبالمعروف، والنهي عن المنكر، أ واجبهو على الاُمّة جميعاً؟ فقال ـ : لا، فقيل له: ولِمَ؟ قال: إنّما هو على القويّ المطاعالعالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الّذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيّ منأيّ يقول من الحقّ إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب اللّه ـ عزّ وجلّ ـ قوله:«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِالْمُنكَرِ»(1).
فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «وَمِن قَوْمِ مُوسَىآ أُمَّةٌيَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِى يَعْدِلُونَ»(2)، ولم يقل: على اُمّة موسى ولا على كلّ قومه،وهم يومئذٍ اُمم مختلفة، والاُمّة واحد فصاعداً، كما قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : «إِنَّإِبْرَ هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ»(3) يقول: مطيعاً للّه عزّ وجلّ ، وليس على من يعلمذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لاقوّة له ولا عدد ولا طاعة.
قال مسعدة: وسمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول وسُئل عن الحديث الّذي جاء
- (1) سورة آلعمران 3: 104.
(صفحه26)
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، ما معناه؟ قال: هذعلى أن يأمره بعد معرفته، وهو مع ذلك يقبل منه وإلاّ فلا(1).
ودعوى أنّ التبعيض في الآية إنّما هو باعتبار وجود شرائط الأمرين الآتيةفي البعض دون الكلّ.
مدفوعة بثبوت هذا التبعيض في التكاليف العامّة أيضاً، كالصلاة بالإضافةإلى الحائض، والصوم بالنسبة إلى المسافر والمريض، فجعل البعض طرفلتوجّه الأمر في الآية دليل على الخصوصيّة دون سائر التكاليف.
نعم، يشكل الأمر من جهة أنّ طرف الوجوب في الواجب الكفائي أيضالعموم، غاية الأمر سقوط التكليف بفعل البعض الآتي بالمكلّف به، كما هومقتضى التحقيق(2) في تصوير الواجب الكفائي.
ويدفعه أنّه لا سبيل إلى حمل الوجوب في المقام على الأقلّ من الواجبالكفائي، الّذي هو أحد القولين في المسألة، والآخر الوجوب العينيكما عرفت(3)، وقد انقدح ممّاذكرنا أنّ الأقوى هو الوجوب الكفائي كما في المتن.
- (1) الكافي 5: 59 ح16، الخصال 6: 16، تهذيب الأحكام 6: 177 ح360، وعنها وسائل الشيعة 16: 126،كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب2 ح1.
- (2) دراسات في الاُصول 1: 755 ـ 758.