(الصفحة 152)
ليس إلاّ جبر خسارته ، وغاية هذا الضمان إرجاع المال المضمون إلى الضامن الأوّل ، فإنّه أداء للوصف المأخوذ . قال : ولعلّ كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) يرجع إلى ذلك وإن كان بعيداً من ظاهره(1) ، إنتهى موضع الحاجة .
ويرد على الطولية أوّلا : أنّ محذور تعدّد الضمان لمال واحد عرضاً كما هو المفروض في أصل الإشكال يأتي في الطولية أيضاً ، لأنّ زمان الضمان الثاني وإن كان متأخّراً عن زمان الضمان الأوّل ، إلاّ أنّه يجتمع في الزمان الثاني ضمانان لا محالة .
ودعوى تغاير المتعلقين لأنّ ضمان اليد الاُولى متعلّق بنفس العين ، وضمان الثانية متعلّق بضمان العين في ذمّة اليد الأولى وهكذا ، مدفوعة بأنّه إن اُريد بالتغاير مجرّد كون العين مضمونة في اليد الاُولى خالية عن الصفة الاعتبارية وهي المضمونية ، وفي اليد الثانية مشتملة عليها ، فلا محالة قد اجتمع في العين ضمانان وإن كان المضمون في الثاني واجداً لخصوصية زائدة أيضاً ، وإن اُريد بالتغاير اختلاف المضمونين بالمرّة ، كما هو ظاهر تعبير الدعوى ، فيردّه ـ مضافاً إلى منعه ـ أنّ مقتضاه عدم جواز رجوع المالك إلى اللاّحق أصلا ، كما لا يخفى .
وثانياً : منع كون صفة المضمونية صفة اعتبارية داخلة في دائرة الضمان ، بحيث كان مرجع ضمانها إلى لزوم أداء المثل أو القيمة إلى الاُولى مع رجوعه إلى الثانية ، فإنّها ليست من الصّفات الرّاجعة إلى العين ، وبعبارة اُخرى : الضمان إنّما هو حكم ثابت على العهدة ، واضافته إلى العين إنّما هو لمجرّد افتقاره إلى المضمون .
وامّا كون المضمونية صفة داخلة في دائرة الضمان ، كسائر الصفات الدخيلة فيها لكونها مرهونة مثلا ، فممنوع والشاهد ملاحظة العقلاء ، حيث إنّهم لا يفرّقون بين الغاصب الأوّل والغاصب الثاني فيما يرجع إلى غصب العين أصلا ، ولا يرون اختلافاً بينهما من جهة ما هو المضمون والثابت على العهدة بوجه ، فكما أنّ
- (1) كتاب البيع للإمام الخميني : 2 / 502 .
(الصفحة 153)
المضمون في الغصب الأوّل إنّما هي نفس العين بسائر صفاتها ، فكذلك المضمون في الغصب الثاني ، ولا فرق بين المضمونين .
وثالثاً : أنّه لو سلّمنا كون المضمونيّة داخلة في دائرة ضمان العين ، فهل المراد منه كون الغاصب الثاني ضامناً لشخصين : أحدهما : المالك ، وثانيهما : الغاصب الأوّل ، أو المراد منه كونه ضامناً للمالك فقط ، غاية الأمر كون المضمون هي العين مع صفة المضمونيّة ، فعلى الأوّل يكون لازمه جواز رجوع الغاصب الأوّل إلى الثاني وإن لم يرجع المالك إليه بعد أو بالكليّة ; لكون الثاني ضامناً له على ما هو المفروض ، وعلى الثاني لا يبقى مجال لجواز رجوع الأوّل إلى الثاني أصلا ، والتفكيك بين الموصوف والصفة في الضمان قد عرفت أنّ لازمه عدم جواز رجوع المالك إلى الغاصب الثاني ، مع أنّه مخالف لقاعدة «على اليد» الحاكمة بتعدّد الضمان بنحو القضية الحقيقية ، كما لا يخفى .
والعجب تصريحه ـ دام ظلّه ـ بأنّ أداء العين إلى الغاصب الأوّل يوجب رفع الضمان بالكلّية من الغاصب الثاني ، كما لا يخفى .
وهنا وجوه اُخر لهذه الجهة ـ التي هي من مشكلات مسائل الفقه ; لأنّه لا يعرف لها وجه مع كون كلّ واحد من السابق واللاّحق عادياً غير مغرور كما هو المفروض ـ :
منها : ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في كتاب الغصب ممّا لفظه : أنّ ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وإن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمّته به ، فيملك حينئذ من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة ، قال : وبذلك اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الّذي خطابه بالأداء شرعيّ لا ذمّيّ ، إذ لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد ،
(الصفحة 154)
فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو(1) .
وأورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) بقوله : وأنت خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده ، وخطاب غيره بأنّ خطابه ذميّ وخطاب غيره شرعي ; مع كون دلالة «على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السّواء ، والمفروض أنه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره .
مع أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء والخطاب الذميّ ، مع أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول الذمّة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم أو إبراء المالك ، نظير الاشتغال بغيره من الديون في إجباره على الدفع أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه على الوصايا والضرب فيه مع الغرماء ، ومصالحة المالك عنه مع آخر ، إلى غير ذلك من أحكام ما في الذّمة .
مع أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد دفع البدل ، لا يعلم له سبب اختياري ولا قهريّ ، بل المتّجه على ما ذكرنا سقوط حقّ المالك عمّن تلف المال في يده بمجرّد أداء غيره ; لعدم تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك .
مع أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن لحقه في اليد العادية إلاّ إلى من تلف في يده ، مع أنّ الظاهر خلافه ; فإنّه يجوز له أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده . نعم ، لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقرّ على من تلف في يده(2) .
ومنها : ما أفاده الشيخ الأعظم المتقدّم في ذيل مباحث الفضولي ممّا لفظه : أنّ
- (1) جواهر الكلام : 37 / 34 .
(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 509 ـ 511 .
(الصفحة 155)
الوجه في رجوعه هو أنّ السّابق اشتغلت ذمّته له بالبدل قبل اللاّحق ، فإذا حصل المال في يد اللاّحق فقد ضمن شيئاً له بدل ، فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل ; إذ لا يُعقل ضمان المبدل معيّناً من دون البدل ، وإلاّ خرج بدله عن كونه بدلا ، فما يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل ، بخلاف ما يدفعه الأوّل ; فإنّه تدارك نفس العين معيّناً ; إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد ، فإن أدّاه إلى المالك سقط تدارك الأوّل له .
ولا يجوز دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك ; لأنّه من باب الغرامة والتدارك ، فلا اشتغال للذمّة قبل حصول التدارك ، وليس من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل ، فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه لا يستحق الدفع إليه إلاّ بعد الأداء .
والحاصل : أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد ، فيشتغل ذمّته إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك ما تُداركها ، وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل ، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة أشخاص على البدل بشيء واحد لشخص واحد(1) .
واستشكل عليه السيّد الطباطبائي في حاشية المكاسب :
أوّلا : بأنّ كون العين حين ضمان اللاّحق لها متصفة بكونها ذات بدل لا يوجب ضمانه للبدل أيضاً ، فإنّ سبب الضمان لم يتحقّق بالنسبة إلى البدل الذي هو في ذمّة السابق ; إذ لم يثبت البدل في يد اللاّحق كما ثبت نفس العين . ودعوى كونه من توابع العين كما ترى ; إذ ليس هذا من شؤون العين كالمنافع والنماءات حتى يكتفى بقبض نفس العين في قبضه .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 3 / 508 ـ 509 .
(الصفحة 156)
وثانياً : بأنّا لو سلّمنا ذلك كان مقتضاه ضمان البدل أيضاً لمالك العين لا للسّابق ; فإنّ البدل الذي في ذمّة السابق ملك لمالك العين ، فمقتضى الضمان هو أن يكون بدل البدل أيضاً للمالك ، ولا وجه لكونه لمن عليه البدل .
وثالثاً : بأنّه لو فرض أنّ العين بعد ما صارت في يد اللاّحق رجعت إلى السابق ثانياً وتلفت في يده ، كان مقتضى ما ذكره هو جواز رجوع السابق إلى اللاّحق ، مع أنّ العين قد تلفت في يده ; وذلك لأنّه يصدق على اللاّحق أنّه ضمن شيئاً له بدل ، فكان مقتضى ما ذكره هو ضمانه ، إمّا للمالك بنفس العين أو للسابق ببدلها ، مع أنّ المسلّم خلاف ذلك ; فإنّ تلف العين قد كان بيد السابق ، فكيف يجوز له الرجوع إلى اللاّحق ، إلى آخر ما ذكره من الايرادات السّبعة(1) .
ولكن عمدة ما يرد على الشيخ (قدس سره) بملاحظة ما ذكرنا في معنى «على اليد» أنّ ما على اليد وعلى عهدتها هي نفس العين في جميع الحالات وبالإضافة إلى جميع الأيادي المتعاقبة ، من دون فرق بين حال البقاء وبين حال التلف ، وكذا بين اليد السابقة واليد اللاحقة ، والانتقال إلى البدل إنّما هو في مرحلة الأداء الذي له مراتب ، فالثابت على اليد بمقتضى حديثه هي نفس العين مطلقاً ، وعليه : فالتفكيك بين ضمان السابق وبين ضمان اللاّحق لا وجه له ، مع أنّ نسبة الحديث إليهما على السّواء ، كما اعترف به في الإيراد على صاحب الجواهر (قدس سره) .
وإن كان نظره (قدس سره) إلى الطولية التي عرفتها ، فقد مرّ الجواب عنها أيضاً ، فراجع(2) .
ومنها : ما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره) في حاشيته على المكاسب ممّا لفظه : وأمّا حديث جواز رجوع اليد السّابقة إلى اللاّحقة لو رجع إليها المالك ، المستلزم لكون
- (1) حاشية المكاسب للسيد اليزدي : 2 / 311 ـ 312 .
(2) في ص 152 ـ 153 .