(الصفحة 407)
الآيات(1) الورادة في الإرث ـ على الخلاف ، وأنّ الوارث يملك ما ترك المورّث من غير أن يقوم مقامه ـ : أنّ مقتضى ذلك انتقال الأموال إلى الميّت لو فرض حياته بعد موته ; لأنّ المفروض أنّ الوارث قائم مقامه ، ومع وجود المبدل لا يبقى شأن للبدل ، مع أنّه من المعلوم خلافه .
ومنها : أنّ ما أفاده من أنّ انتقال المال بالهبة إلى المتّهب ليس من قبيل انتقاله بالإرث ، ولامن قبيل انتقاله بالبيع ، بل إنّما يكون بإعدام إضافة وإحداث إضافة اُخرى ، كما في الوصية .
يرد عليه : أنّ إيجاد الإضافة الثانية لابدّ وأن يكون مسبوقاً ولو رتبة بإعدام الإضافة الأولى ; لأنّه ما لم يتحقّق هذا الاعدام لا يمكن إيجاد إضافة اُخرى ; لعدم اجتماع إضافتين في آن واحد ; لامتناع اجتماع ملكيتين مستقلّتين على مال واحد ، ومن المعلوم أنّه بعد انعدام الإضافة الأولى لا يكون الواهب أولى بالموهوب ، بل نسبته إليه كنسبة المتّهب اليه ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر ، فإيجاده الإضافة بعد عدم قيامها به لا أثر له أصلا .
ومنها : أنّ ما أفاده من أنّ انتقال ما كان للنبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى المسلمين بناءً على الخبر المجعول ليس كانتقاله إلى الوارث ، بل هو أشبه بانتقال المال إلى الموصى له ; لما أفاده .
فيرد عليه : أنّه لا فرق في الصورتين إلاّ في مجرّد دعوى الوارث الملكية ، ودعوى المسلمين أو وليّهم السلطنة على المال وإن لم يكن ملكاً لهم ، وأمّا كون هذا الفرق موجباً للانقلاب في الصورة الأولى ، وعدمه في الصورة الثانية ، فلا وجه له أصلا ;لعدم مدخلية هذه الجهة في مايرجع إلى المدّعيوالمنكروالآثارالمترتّبة عليهما .
وبعبارة اُخرى : محلّ النزاع بين المتخاصمين هو تحقّق الانتقال ممّن كان ملكاً
- (1) سورة النساء 4 : / 11 ـ 12 و 176 ، سورة الأنفال 8 : 75 ، سورة الأحزاب 33 : 6 .
(الصفحة 408)
له أوّلا وعدمه . وأمّا على أنّه على تقدير عدم تحقّق الانتقال إلى ذي اليد وانتقاله إلى الوارث يكون انتقاله كما في سائر موارد الإرث ، أو يكون بنحو خاصّ ، فلا دخالة له في الفرق أصلا .
هذا ، وقد ذكر المحقّق البجنوردي (قدس سره) أنّه على تقدير تسليم دعوى الانقلاب فالأحسن أن يقال : إنّ هاهنا دعويين ، إحداهما : دعوى الانتقال ، وبالنسبة إلى هذه الدعوى هي ـ سلام الله عليها ـ مدّعية ، وعليها البيّنة ، والاُخرى : دعوى الملكية ، وبالنسبة إلى هذه الدعوى حيث أنّـها (عليها السلام) كانت ذات يد ، كانت البيّنة على طرفها ; أي أبي بكر ، الذي بزعمه كان وليّ المسلمين ، فكأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) احتج على أبي بكر بالنسبة إلى هذه الدعوى الأخيرة إن كانت الدعوى الأولى مسكوتاً عنها(1) .
ويرد عليه : أنّه إن كان المراد أنّ هاهنا دعويين غير مرتبطتين ، وقعت الأولى مسكوتاً عنها والثانية مورداً للإنكار ، فمن الواضح خلافه ; ضرورة ارتباط الدعويين وابتناء الثانية على الاُولى ، وأنّ الملكية إنّـما هي لأجل تحقّق النّحلة والإعطاء من النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) .
وإن كان المراد أنّه مع تحقّق الارتباط وابتناء الثانية على الاُولى يقطع النظر عن الاُولى ويتّكل على الثانية ، والاعتراض إنّما هو مبنيّ عليه ، فالظاهر أنّه لا وجه للإغماض وقطع النظر عن الاُولى التي هي الأصل للثانية ، فالجواب عن التوهّم المذكور ما ذكرنا .
وينبغي التّنبيه على اُمور :
الأوّل : لا إشكال في تقدّم اليد ـ بناءً على كونها أمارة ـ على الاُصول العملية التي منها الاستصحاب الجاري على خلاف مقتضى اليد في جلّ مواردها لولا كلّها ;
- (1) القواعد الفقهيّة : 1 / 149 .
(الصفحة 409)
وذلك لتقدّم الأمارة على الأصل العملي على ما هو المحقّق في محلّه ، وأمّا ما حكي عن المحقّق العراقي (قدس سره) فيما إذا ادّعى ذو اليد انتقال المال من المدّعي إليه ، من أنّ مقتضى اليد هو كون هذا المال ملكاً لذي اليد ، وأنّه انتقل منه إليه ، ومقتضى استصحاب عدم الانتقال عدم كونه ملكاً لذي اليد وبقاؤه على ملك الطرف ، فأمارية اليد هنا مع حجّية الاستصحاب ممّا لا يجتمعان ، وبناءً على حجّية الاستصحاب لا يبقى مجال لأمارية اليد ; لأنّ مؤدّى الاستصحاب هو التعبّد بعدم الانتقال ، ومعه لا يبقى لليد مجال(1) .
فيرد عليه : وضوح تقدّم الأمارة على الأصل في صورة التعارض وعدم الاجتماع وإن كان مراده عدم حجّية اليد في خصوص هذا المورد ; لما عرفت(2) من الانقلاب وصيرورة المدّعي منكرا وبالعكس ، كما ذكرنا ، فهو صحيح ، ولكنّه لا يلائم مع عبارته أصلا كما لا يخفى .
وأمّا بناءً على كون اليد أصلا عمليّاً أو مردّداً بين كونه أمارة أو أصلا ، فالظاهر أيضاً تقدّمها على الاستصحاب ; لأنّه على فرض التعارض أو تقدّم الاستصحاب يصير اعتبارها وجعل الحجّية لها تأسيساً أو إمضاءً لغواً ، ففي الحقيقة على هذا التقدير يكون دليل اعتبارها مخصّصاً لدليل اعتبار الاستصحاب ، وهذا كقاعدتي الفراغ والتجاوز ، حيث إنّهما تقدّمان على الاستصحاب الجاري في موردهما ، وإلاّ تلزم اللّغوية كما ذكر .
وأمّا اليد ، بناءً على كونها أمارة ، فبالنسبة إلى سائر الأمارات لا إشكال في تقدّم البيّنة عليها ، بل ربما يدّعى كونه في باب الدعاوي من المسلّمات عند جميع
- (1) تعليقات فوائد الاُصول : 4 / 611 ـ 612 ، نهاية الأفكار 4 ، القسم الثاني : 28 ـ 29 ، والحاكي هو السيد البجنوردي في القواعد الفقهيّة : 1 / 148 .
(2) في ص 402 ـ 403 .
(الصفحة 410)
المسلمين ; لأنّ توقّف ثبوت دعوى المدّعي على البيّنة والحكم له استناداً إليها ، إنّـما هو في مقابل ذي اليد نوعاً ، فلا شبهة في هذا التقدّم .
وأمّا تقدّم الإقرار على اليد فيما إذا أقرّ بأنّ ما في يدي لزيد مثلا ، فلأجل أنّ اعتبار اليد عند العقلاء إنّـما هو فيما إذا لم ينضمّ إليها الإقرار بعدم كونه ملكاً له ، ولذا لو أقرّ بهذا المقدار وهو عدم كونه ملكاً له يكفي في سقوط اليد عن الحجّية والاعتبار ، ولا يلزم الإقرار بكونه ملكاً لفلان مثلا ، بل ربما يقال بعدم اعتبار اليد مع تردّد ذي اليد في كونه ملكاً له ، ولكن عرفت(1) في ذكر بعض موارد الخلاف شمول أدلّة اعتبار اليد لهذه الصّورة ، ولا يلزم اعتقاد ذي اليد الملكية أو إظهاره لها ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا شبهة في تقدّم الإقرار على اليد ، وانحصار حجّيتها بما إذا لم يكن هناك إقرار على خلافها .
وأمّا بالنسبة إلى سائر الأمارات غير البيّنة والإقرار ، فكلّ أمارة تكون حجّية اليد مقيّدة بعدمها ، فهي متقدّمة على اليد ، وإلاّ تكون الأمارتان متعارضتين ، ولا يبقى ترجيح في البين .
الثاني : أنّ القاعدة هل تجري في الحقوق أم لا؟ والظاهر أنّ الحقوق كالمنافع ، من دون فرق بين ما تعلّق منها بالأعيان المتموّلة ، كحقّ الرهانة وحقّ التولية ونحوهما من الحقوق ، وبين ما تعلّق منها بالأعيان غير المتموّلة كحقّ الاختصاص المتعلّق بالعذرة والخمر والميتة ، وقد عرفت(2) في المنافع أنّه لا فرق بين ما كان في مقابل ذي اليد مالك العين أو الأجنبيّ .
ودعوى أنّ أدلّة اعتبار اليد لا تشمل الحقوق وإن كانت شاملة للمنافع ; لأنّ
- (1) في ص 396 ـ 397 .
(2) في ص 390 .
(الصفحة 411)
الحقوق اُمور اعتبارية صرفة معتبرة عند العقلاء والشارع ، أو خصوص الشارع ، بخلاف المنافع ; فإنّها ليست اعتباريّة بل موجودة بتبع وجود العين ، غاية الأمر أنّ وجود المنافع تدريجيّ بخلاف وجود العين ، مدفوعة بأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الاعتبار الشمول للحقوق ، بل يمكن أن يقال بورود الرواية الواردة في الرّحى المتقدّمة(1) في الحقوق دون المنافع ، فتدبّر .
الثالث : هل تجري قاعدة اليد في النسب والأعراض أم لا؟ وذلك كما لو تنازع شخص مع آخر في امرأة تحت يد أحدهما ; أي تكون في بيته ويعامل معها معاملة الزوجيّة ، وهكذا في صبيّ تحت يد أحدهما ، فيدّعي الآخر كونها زوجة له أو ولداً له ، وينكره صاحب اليد بالمعنى المذكور ، لا يبعد أن يقال بثبوت بناء العقلاء هنا أيضاً كثبوته في الأملاك ، بل يمكن أن يقال باقوائيّة الملاك هنا ، فإنّ الظنّ الحاصل من الغلبة هنا أقوى من الظنّ الحاصل في الأملاك ; لشيوع الغصب فيها دون المقام .
نعم ، الظاهر اختصاص الاعتبار في الفرض الأوّل بما إذا لم يكن هناك إنكار من ناحية الزوجة التي في بيته ; لأنّه مع وجود الإنكار لم يثبت بناء العقلاء لو لم نقل بثبوت العدم ، فتدبّر .
ويؤيّد ما ذكرنا حكاية الإجماع(2) على تقديم قول صاحب اليد فيما لو تنازع رجلان في زوجيّة امرأة هي تحت أحدهما . نعم ، في مسألة تنازع اثنين على بنوّة صبيّ في يد أحدهما يظهر من كلماتهم التساوي في الدعوى ، وأنّه من باب التداعي دون المدّعي والمدّعى عليه . نعم ، قال في محكيّ القواعد : ولو تداعيا صبيّاً وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصّة على إشكال(3) ، ويظهر من الفخر في شرحه
- (1) في ص 380 .
(2) لم نعثر عليه عاجلاً.
(3) قواعد الأحكام : 3 / 482 .