(الصفحة 413)
الجهة الإثباتية ، فراجع(1) .
ثانيها : أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» نظراً إلى أنّ ذا اليد مالك لأن يملّك ما في يده للغير ببيع أو صلح أو نحوهما ، فيملك الإقرار بأنّه له (2).
ويرد عليه : أنّ الذي يملّكه هو تمليك الغير المقرّ له فيملك الإقرار به ، والمفروض في المقام أنّه لم يقرّ به ، بل أقرّ بكونه للمقرّ له ، وأنّه مالكه ، والمقرّ لا يكون مالكاً لهذه الجهة حتّى يملك الإقرار به ، ففي هذا الوجه خلط .
ثالثها : ما حكي عن المحقّق العراقي (قدس سره) من أنّ اليد أمارة على ملكيّة ذي اليد بالدلالة المطابقيّة ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزاميّة ، وهاتان الأماريتان تسقطان بسبب الإقرار للغير . وأمّا بالنسبة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي الملكيّة عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له ، ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك .
وبعبارة اُخرى : أنّ هذا المال إمّا للمقرّ له أو لغيره يقيناً ، فإذا ثبت بواسطة إقرار ذي اليد أنّه ليس لغير المقرّ له ، فلابدّ وأن يكون له ، فيكون هو المنكر وطرفه المدّعي بناءً على ما هو التحقيق من أنّ المدّعي من يكون قوله مخالفاً للحجّة الفعليّة ، والمنكر من يكون قوله موافقاً للحجّة الفعلية(3) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تشخيص المدّعي عن المنكر موكول إلى العرف(4) ، كسائر العناوين المأخوذة في الأدلّة موضوعة للأحكام ـ : أنّه لابدّ في
- (1) في ص 69 ـ 75 .
(2) القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي: 1 / 164 .
(3) الحاكي هو المحقّق البجنوردي في القواعد الفقهيّة : 1 / 164 ـ 165 .
(4) في ص 402 .
(الصفحة 414)
المقام من ملاحظة أنّ بناء العقلاء على اعتبار إقرار ذي اليد بالنسبة إلى المدّعي لما تحت يده هل يختصّ بما إذا لم يكن في مقابل المدّعي مدّع آخر ، أو يعمّ صورة وجود مدّع آخر أيضاً؟ فعلى الأوّل لا يبقى مجال لما أفاده ; لعدم اعتبار الإقرار بوجه ، فيصير الرجلان متداعيين ، وعلى الثاني يكون المقرّ له كنفس المقرّ ويقوم مقامه ، فعلى الآخر إقامة البيّنة ، ولا يبعد ترجيح الثاني .
الخامس : لو أقرّ بما في يده لزيد ثم أقرّ به لعمرو ; بأن يكون المقرّ به فيهما تمام ما في يده ، ففي المسألة صورتان :
إحداهما : ما إذا كان الإقرار للثاني بعد الإقرار للأوّل ، وفي كلام منفصل ، بل وفي مجلس آخر مثلا، والظاهر عدم كون هذه الصورة مورداً لتعرّض الأصحاب ، كما أنّ الظاهر أنّ الحكم فيها بطلان الإقرار الثاني وعدم نفوذه على المقرّ بوجه ; لأنّ نفوذ الإقرار الأوّل مع كونه واجداً للشرائط يجعل المقرّ أجنبيّاً عن المقرّ به ; لأنّه يحكم بسببه بكون المال للمقرّ له ، ويؤخذ من يده ويجعل تحت يد المقرّ له ، ولا مجال لتوهّم كون نفوذه معلّقاً على عدم إقرار بخلافه فيما بعد ، وإلاّ تلزم لغوية القاعدة ، مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه ; لأنّ مقتضى قاعدة الإقرار ترتّب الحكم بالمضي بمجرّد تحقّق موضوعه ; وهو إقرار العاقل على النفس .
كما أنّ دعوى كون الإقرار الثاني بمنزلة التفسير وشرح المراد من الإقرار الأوّل ، فينبغي الاعتماد عليه ، مدفوعة ـ مضافاً إلى عدم كونه تفسيراً له عرفاً ، بل مناقضاً ومغايراً له ـ بعدم كون التفسير بهذا النحو في المحاورات العرفيّة مورداً لقبول العقلاء ، وقد عرفت في البحث عن قاعدة الإقرار الفرق بين مقام التقنين وجعل القانون ، وبين المحاورات العرفيّة الواقعة في مقام بيان المقاصد(1) ، وعليه : فالحكم في هذه الصورة هو لغويّة الإقرار الثاني .
(الصفحة 415)
ثانيتهما : ما إذا كان الإقرار للثاني عقيب الإقرار للأوّل وفي نفس ذلك الكلام ، غاية الأمر بصورة الإضراب ، كما إذا قال : هذا المال لزيد بل لعمرو ، والمشهور ـ بل ادّعى جماعة أنّه لا خلاف معتدّ به فيه(1) ، بل عن الإيضاح أنّ ذلك من قواعدهم(2) ، ولعلّه ظاهر في الإجماع ـ أنّه يقضى بما في يده للأوّل وبغرامة بدله ـ مثلا أو قيمة ـ للثاني ; لأنّه بإقراره الأوّل حال بين المقرّ له الثاني وبين ما له ، فيجب على المقرّ المثل أو القيمة(3) .
وحكي عن ابن الجنيد الرجوع إليه في مراده إن كان حيّاً ، وإلاّ فهو مال متداع بينهما ، فإن انتفت البيّنة حلفا واقتسما(4) ، ونفى عنه البعد في الدروس ، حيث إنّه بعد حكايته عنه قال : وليس بذلك البعيد ; لأنّه نسب الإقرار إليهما في كلام متّصل ، ورجوعه عن الأوّل إلى الثاني ، يحتمل كونه عن تحقيق وتخمين ، فالمعلوم انحصار الحقّ فيهما ، أمّا تخصيص أحدهما فلا(5) .
واحتمل في محكيّ المسالك(6) أنّه يقضى به للأوّل ولا يغرم للثاني ; لأنّه إقرار بما تعلّق به حقّ الغير قبله ، كالصّورة الاُولى .
ودليل المشهور أنّه بالإضراب عدل عن إقراره الأوّل ، ولا يسمع منه ; لأنّه إنكار بعد الإقرار ، وقد مرّ(7) في بحث قاعدة الإقرار أنّه لا يسمع الإنكار بعد الإقرار ، فلابدّ من ترتيب آثار الإقرار الأوّل ، ولازمه إعطاء العين التي بيد المقرّ إلى
- (1) جواهر الكلام : 35 / 130 .
(2) إيضاح الفوائد : 2 / 458 .
(3) مفتاح الكرامة : 9 / 318 ـ 319 ، القواعد الفقهيّة للبجنوردي : 1 / 167 .
(4) حكي عنه في مختلف الشيعة : 5 / 541 مسألة 252 .
(5) الدروس الشرعيّة : 3 / 132 .
(6) مسالك الأفهام : 11 / 109 ـ 110 .
(7) في ص 77 .
(الصفحة 416)
المقرّ له الأوّل . وأمّا نفوذ إقراره الثاني ; فلأنّ المفروض أنّ المال بعد في يده ، والكلام متّصل ، وله أن يلحق بكلامه ما شاء من الإضراب وغيره ، وحيث إنّ العين قد اُعطيت إلى الأوّل ، فلابدّ من إداء المثل أو القيمة إلى الثاني .
وقد أورد صاحب الجواهر على الدّروس بأنّ احتمال السهو وغيره لا ينافي التعبّد بظاهر قوله ; لقاعدة الإقرار ، فيكون كلا الإقرارين نافذين ، غاية الأمر أنّه يعطي العين للأوّل ، والمثل أو القيمة للثاني ، وبمثله أورد على صاحب المسالك أيضاً(1) .
ولكن اُجيب عنه بأنّ حال هذين الإقرارين حال سائر الأمارتين المتعارضتين ، فيتساقطان ; للعلم بكذب أحدهما وسقوط اليد عن الاعتبار ، فيكون من باب التداعي ، والنتيجة التحالف والتنصيف ، إلاّ أن يقال بالموضوعية في باب الإقرار ، وهو في غاية البعد(2) .
والتحقيق أن يقال : إنّه لو لم يكن في المسألة إجماع كما هو الظاهر ، ـ ويؤيده مخالفة ابن الجنيد والشهيدين ـ لكان اللازم إعطاء العين المقرّ بها إلى المقرّ له الثاني ، من دون غرامة للأوّل بشيء ، وذلك لأنّه لا مجال للحكم بثبوت إقرارين في المقام ، فإنّ الإقرار نوع من الإخبار ، غاية الأمر أنّ الإقرار على النفس إخبار بثبوت شيء وقراره وتحقّقه ، وكون هذا الإخبار ممّا يترتّب عليه الضرر على نفس المقرّ ، وبعبارة اُخرى : يكون المخبر به والمحكيّ عنه بضرر المخبر .
وعليه : فلابدّ من ملاحظة أنّه في موارد الإخبار بشيء نظير المقام المشتمل على «بل» الإضرابية ; كقوله : جائني زيد بل عمرو ، هل يكون هناك خبران ، أو خبر واحد؟ وعلى التقدير الثاني ، هل يكون المخبر به مجيء زيد أم مجيء عمرو ، لا
- (1) جواهر الكلام : 35 / 131 .
(2) القواعد الفقهيّة للمحقق البجنوردي : 1/ 168 .
(الصفحة 417)
ينبغي الإشكال بمقتضى ما ذكره علماء الأدب والنّحويون أنّ المخبر به في الجملة المشتملة على «بل» الإضرابية شيء واحد ; وهو مجيء عمرو في المثال(1) ، وأنّه المعيار في صدق القضية وكذبها ، فإذا كان الجائي في المثال هو عمرو ، تكون القضية صادقة ، واذا لم يكن الجائي عمراً تكون القضية كاذبة ، سواء جاء زيد أم لم يجيء .
واللازم على هذا أن يعامل في المقام معاملة الإقرار مع الإقرار الثاني ; لأنّه بعد ما كان هذا النحو من المحاورة وإفادة المقصود غير باطل ، وبعد أنّه يجوز للمتكلّم أن يلحق بكلامه ما شاء ، لا مجال لدعوى ثبوت إقرارين ، ولا لدعوى صحّة الإقرار الأوّل ; لعدم الفرق بين المقام وبين المثال أصلا .
السادس : لو اشترك أزيد من واحد في الاستيلاء على عين ، فهل يكون استيلاء كل واحد منهما على المجموع ، أو على النصف المشاع؟ وعلى التقديرين فهل تكون يد كلّ منهما مستقلّة تامّة ، أو لا تكون إلاّ ناقصة؟ وجوه واحتمالات بحسب باديء النظر ، وفي التصور الابتدائي .
قد يقال ـ كما قاله سيّد الأساطين في ملحقات العروة ـ بأنّه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلّتين على مال واحد ، كما أنّ الأقوى عنده جواز اجتماع المالكين المستقلّين في مال واحد ; كما إذا كان ملكاً للنوع ، كالزكاة والخمس والوقف على العلماء والفقراء مثلا على نحو بيان المصرف ; فإنّ كلّ فرد من النوع مالك لذلك المال ، بل لا مانع من اجتماع المالكين الشخصيّين أيضاً ; كما إذا وقف على زيد وعمرو ، أو أوصى لهما على نحو بيان المصرف ، فإنّه يجوز صرفه على كلّ واحد منهما .
فدعوى عدم معقولية اجتماع المالكين على مال واحد لا وجه لها ، مع أنّه لا إشكال عندهم في جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلاًّ ; كخيار
- (1) مغني اللبيب : 1 / 152 .