بحيث لم تتجاوز مسائلها عدد الأصابع، فتكاملت بمرور الأزمنة حتّى صارتما بأيدينا اليوم.
الواحد»(1)، فيمتنع أن يؤثّر الأمران المتباينان اللذان لا جامع بينهما في أمرواحد، فتأثير الشمس والنار في الحرارة مثلاً كاشف عن وجود جامع بينهمهو المؤثّر فيها لا محالة، وهذه القاعدة تسالم عليها جلّ المحقّقين، وأقاموالبرهان عليها.
إذا عرفت هاتين المقدّمتين، فنقول:
كلّ علم عبارة عن مجموع مسائله، وهي مؤثّرة في الغرض، مثلاً علم النحوعبارة عن «كلّ فاعل مرفوع، كلّ مفعول منصوب، كلّ مضاف إليه مجرور»وسائر المسائل، وهي توجب الوصول إلى الغرض الذي هو «صون اللسانعن الخطأ في المقال»، فلابدّ من تصوّر جامع واحد بين المسائل يكون مؤثّرفي الغرض واقعاً.
وحيث إنّ كلّ مسألة مركّبة من موضوع(2) ومحمول ونسبة بينهما، فالجامعالمؤثّر في الغرض بحسب التصوّر البدوي إمّا منتزع من الموضوعات أوالمحمولات أو النسب، ولكنّه بحسب الدقّة لا يمكن انتزاعه من المحمولات، لأنّالمحمول عارض على الموضوع ومتأخّر عنه، والموضوع معروض متقدّم عليهرتبةً، فلا يصلح المحمولات لانتزاع الجامع منها.
ومن هنا انقدح عدم صلاحيّة النسب أيضاً لذلك، لأنّها معانٍ حرفيّة غيرمستقلّة أوّلاً، ومتأخّرة عن الموضوعات والمحمولات ثانياً، فكيف يمكن انتزاعالجامع منها؟!
- (1) لهذه القاعدة طرف آخر، وهو أنّ «الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد»، لكنّه لا يرتبط بالمقام. منه مدّ ظلّه.
- (2) تختلف المسألتان أو أكثر من علم واحد، إمّا موضوعاً ومحمولاً، مثل «الفاعل مرفوع والمفعولمنصوب»، أو موضوعاً فقط، مثل «الفاعل مرفوع والمبتدأ مرفوع»، أو محمولاً فقط، مثل «الفاعل مرفوعوالفاعل مقدّم على المفعول». منه مدّ ظلّه.
ج1
فلابدّ من انتزاعه من الموضوعات، لعدم صلاحيّة النسب والمحمولاتلذلك.
فثبت أنّ لكلّ علم موضوعاً، وهو أمر واحد مؤثّر في غرضه الواحدمنتزع من موضوعات مسائله.
هذا حاصل دليل المشهور.
ويمكن المناقشة فيه من وجوه
1ـ لا دليل على وحدة الغرض المترتّب على العلم، فانّه يمكن أن يترتّبعلى علم فائدتان متلازمتان، والمحقّق الخراساني رحمهالله وإن قال بامتناعه عادةً(1)،إلاّ أنّه لم يُقم دليلاً عليه.
2ـ أنّ وحدة غرض العلم مغايرة للوحدة في القاعدة الفلسفيّة.
توضيح ذلك: أنّ الواحد على ثلاثة أنواع، لأنّه إمّا شخصي، مثل «زيد»وإمّا نوعي، مثل «الإنسان» وإمّا عنواني، مثل «أهل هذا المدرس» فإنّه عنوانيعمّ المجتمعين في هذا المدرس، دون الخارجين عنه، ومثل «أهل البيت» في آيةالتطهير، فإنّه عنوان شامل للخمسة الطيّبة الذين كانوا في البيت(2) حين نزولالآية، ولا يعمّ الخارجين عنه كما هو واضح.
وبالجملة: الواحد على ثلاثة أنواع: شخصي ونوعي وعنواني.
- (2) البيت استعمل في الآية بمعناه اللغوي، أي: الحجرة، مقابل الدار، فأهل البيت هم المجتمعون في تلكالحجرة الخاصّة حين نزولها، وهم رسول اللّه وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، وبهذظهر وجه شموله لنفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ، واختصاص كلمة «أهل بيتنا» في الاستعمالات العرفيّة بالزوجةوالأولاد وعدم شمولها لأنفسنا، فإنّ البيت في الآية كما قلنا استعمل بمعناه اللغوي، والنبيّ صلىاللهعليهوآله كان أحدالمجتمعين فيه. من أراد التفصيل فليراجع رسالتنا حول آية التطهير. منه مدّ ظلّه.