ج1
الوجود وترقّى من مرتبة إلى أعلى وأكمل من الأوّل انتزع العقل من تلكالمرتبة التي إنتهى إليها عنواناً خاصّاً بها يسمّى باسم من أسماء الماهيّاتالمعروفة(1).
فهذا هو معنى كون الوجود أصيلاً والماهيّة أمراً اعتباريّاً، فإنّ الحقيقة ذاتالأثر هو الوجود، والماهيّة هي العنوان الذي يشار به إلى مرتبة ذلك الوجود،لا أنّها شيء في قبال الوجود، وبذلك اتّضح لك معنى الكلّي الطبيعي، وأنّه هوالعنوان المنتزع من مرتبة خاصّة من الوجود السعيّ المتحقّق في ضمنالوجودات الشخصيّة التي تكون أفراداً لذلك الكلّي، وعليه يكون معنى الفردهو الوجود الشخصي الذي ينتزع منه عنوان خاصّ به يسمّى حصّة منالكلّي الطبيعي، وبهذا تعرف المراد بالكلّيّة الدارجة بين أهل الفنّ من أنّالطبيعي نسبته إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأبناء، لا نسبة الأب الواحد إلىأولاده الكثيرين، أي أنّ كلّ حصّة تكون نسبتها إلى الفرد الذي تنتزع منهنسبة الأب الواحد إلى ولد واحد.
هذه هي المقدّمة المذكورة في كلامه رحمهالله .
ثمّ قال: إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ كلّ مرتبة من مراتب الوجود السعيّ إذلاحظناها بآثارها وحدودها مع قطع النظر عن اقترانها بالمشخّصاتالخارجيّة وسريانها في الوجودات الشخصيّة أمكن انتزاع عنوان خاصّ بتلكالمرتبة يعبّر عنه بالكلّي الطبيعي، وهي طريقة المشهور في تصوّره، وبما أنّ تلكالمرتبة من الوجود السعيّ سارية في الوجودات الشخصيّة ومقترنةبالمشخّصات الجزئيّة يكون مطابق ذلك العنوان المعبّر عنه بالكلّي الطبيعي
- (1) كالحيوان والإنسان. م ح ـ ى.
(صفحه160)
سارياً في الوجودات الشخصيّة أيضاً بسريان الوجود السعيّ فيها، وحينئذٍيمكن ملاحظة تلك المرتبة من الوجود السعيّ في حال سريانها في الوجوداتالشخصيّة واقترانها بالمشخّصات الجزئيّة بحصول صورة تلك المرتبة في الذهنمع ما يلزمها من المشخّصات التفصيليّة، فيوضع اللفظ بإزاء هذه الصورةنفسها، وإن كان حصولها في الذهن مستلزماً لتصوّر مشخّصات تلك المرتبةتفصيلاً.
فإن قلت: هذا النحو من الوضع يستلزم تصوّر الموضوع له، وهي المرتبةالخاصّة من الوجود السعيّ الساري في جميع الوجودات الجزئيّة، وتصوّرالموضوع له المزبور يستلزم تصوّر تلك الوجودات الجزئيّة التي لا نهاية لها،وهو محال.
قلت: لا اختصاص لهذا الإشكال بهذا المقام، بل هو يتوجّه على كلّ مسألةينشأ الحكم فيها على ما لا نهاية له، كالقضيّة الحقيقيّة التي يتناول الحكم فيهجميع أفراد الطبيعة المحقّقة والمقدّرة، فكما يكون العنوان مرآةً لملاحظة مينطبق عليه من الأفراد إجمالاً، كذلك يكون العنوان العامّ في المقام مرآةًلملاحظة تلك المرتبة من الوجود السعيّ وما يسري فيه من الأفراد، وهذا نحوآخر من الوضع العامّ والموضوع له العامّ(1)، إنتهى.
نقد نظريّة المحقّق العراقي رحمهالله
وفيه ـ كما قال سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» ـ أنّ كلّ فرد من أفراد أيّ كلّي فرضفهو مشتمل على تمام حقيقة كلّيّه وطبيعيّه، فكلّ فرد يتحقّق فيه الطبيعي
- (1) بدائع الأفكار 1: 34، وهذا الكتاب ألّفه آية اللّه الميرزا هاشم الآملي قدسسره من تقريرات المحقّق العراقي رحمهالله ،والمطلب موجود في كتاب نهاية الأفكار الذي قرّره المحقّق الشيخ محمّد تقي البروجردي رحمهالله من أبحاثهأيضاً ببيان آخر، فراجع. م ح ـ ى.
ج1
بتمامه، فزيد إنسان تامّ، لا حصّة منه، وعمرو أيضاً إنسان تامّ آخر، وهكذا،ولو كان للطبيعي وجود واحد سعيّ منتشر في الأفراد لكان قولنا: «زيدإنسان» مجازاً، فإنّ زيداً على هذا لم يكن إنساناً تامّاً، بل حصّة منه، ولا أظنّأن يلتزم أحد بذلك، فإنّ كلّ واحد من زيد وعمرو وبكر وهكذا متّحد فيالخارج مع الإنسان بتمامه لا مع حصّة منه.
على أنّه إن لم يكن للطبيعي سوى الأفراد شيء في الخارج، فأينالوجود السعيّ الذي ادّعاه؟! وإن كان له وجود غير وجودها كما هو ظاهركلامه فهذا كرّ على ما فرّ، إذ على هذا كان نسبة الطبيعي إلى الأفراد نسبةالأب الواحد إلى أولاده الكثيرين، لا نسبة الآباء إلى الأولاد، وهذا ينطبق لمينسب إلى الرجل الهمداني القائل بوجود الطبيعي في الخارج بالوحدةالشخصيّة.
وأمّا نحن فمع كوننا قائلين بأصالة الوجود نقول بأنّ نسبة الطبيعي إلىالأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد، فإنّ الطبيعي موجود بوجود كلّ فرد فرد كمعرفت، فزيد مع كونه فرداً إنسان تامّ، وهكذا عمرو وبكر وخالد وغيرهممن أفراد الإنسان(1).
فالحقّ ما ذهب إليه المشهور في تصوير الوضع العامّ والموضوع له العامّ، ولينافيه القول بأصالة الوجود.
وحاصل البحث في المقام الثاني إمكان ثلاثة من الأقسام الأربعة،واستحالة قسم واحد، وهو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ.
(صفحه162)
وأمّا المقام الثالث
فلا إشكال في وقوع عموم الوضع والموضوع له، فإنّ الوضع في أسماءالأجناس كذلك. وأمّا خصوصهما فقيل بوقوعه أيضاً، ومثّل له بالأعلامالشخصيّة.
وفيه: أنّ الجزئيّة تساوق الوجود، فإن اُريد بالوضع الخاصّ والموضوع لهالخاصّ أنّ لفظ زيد مثلاً وضع للملحوظ بالذات وهو الصورة الحاصلة منوجوده الخارجي في الذهن فهذا يستلزم عدم صحّة إطلاقه على زيدالخارجي بنحو الحقيقة، لتغاير الوجود الخارجي مع الوجود الذهني، فلا يمكنأن يقع في الذهن ما في الخارج بوصف كونه في الخارج، ولا أن يقع في الخارجما في الذهن بوصف كونه في الذهن، فلا يصحّ أن يقال: «هذا الجالس زيد» إلبنحو من التجوّز والعناية، مع أنّ الضرورة قاضية بخلافه.
وإن اُريد به أنّه وضع للملحوظ بالعرض أعني لوجوده الخارجي، فهذيستلزم أوّلاً: أن تكون القضيّة الممكنة ضروريّة، فإنّ قولنا: «زيد موجود فيالخارج» قضيّة ممكنة بلا إشكال، لعدم كون الوجود ولا العدم ضروريّاً لزيد،كما أنّ الإنسان ليس ضروري الوجود ولا ضروري العدم، مع أنّا لو قلنبوضع لفظ زيد لوجوده الخارجي لكان هذه القضيّة ضروريّة بشرط المحمول،لأنّ قولنا: «زيد موجود في الخارج» يكون بمعنى «هذا الشيء الموجود فيالخارج موجود في الخارج».
وثانياً: أن لا يصحّ قولنا: «زيد كان معدوماً فصار موجوداً» إلاّ مجازاً.
فلم يوضع ألفاظ الأعلام لوجوداتها الذهنيّة ولا لوجوداتها الخارجيّة،وليس لنا أمر ثالث جزئي حتّى يكون الوضع بإزائه من قبيل الوضع الخاصّ
ج1
والموضوع له الخاصّ.
إن قلت: فكيف الوضع في الأعلام؟
قلت: الظاهر أنّ الموضوع له فيها عامّ، لكن ليس له في الخارج إلاّ مصداقواحد، وذلك بأنّ لفظ زيد مثلاً وضع لأوّل مولود مذكّر أبوه عمرو بن بكرواُمّه هند ابنة خالد، وهذا مفهوم كلّي ليس له في الخارج إلاّ فرد واحد،كمفهوم واجب الوجود.
فالأعلام الشخصيّة مثال لعموم الوضع والموضوع له.
وإن أبيت إلاّ عن تسميته بالوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ فلابدّ منتوسعة في مفهوم كلمة الخاصّ، بأن يُقال: له مصداقان: أحدهما: الجزئيالموجود ذهناً أو خارجاً، ثانيهما: المفهوم الكلّي المنحصر في فرد واحد.