ج1
الأعلام«مدّ ظلّه».
على أنّا منعنا كون الأعلام مثالاً للوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ، لأصل إمكانه، وما ذكره بعض الأعلام يقتضي استحالة هذا القسم من الوضع.
وحلّه أنّ الموجودات الخارجيّة بوصف كونها في الخارج وإن لم تحضر فيالذهن، إلاّ أنّ صورتها تحضر فيه، وهذه الصورة تكون ملحوظة بالذات ومفي الخارج يكون ملحوظاً بالعرض، ويكفي عند الوضع أن يكون المعنىملحوظاً بالعرض.
فلا إشكال في إمكان أن يتصوّر الواضع مفهوم النسبة والربط ثمّ يضعالحروف لواقع النسبة والربط الذي يكون بالحمل الشائع نسبةً وربطاً، كما فيالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ(1)، وإن كان بينهما فرق، وهو أنّ مفهومالنسبة وواقعها من قبيل العنوان والمعنون كما تقدّم(2)، والعامّ والخاصّ فيالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ من قبيل الطبيعي وأفراده.
ومنها: أنّا لو سلّمنا إمكان وضع اللفظ للموجود الخارجي، ولكنّا نقطعبأنّ الحروف لم توضع لأنحاء النسب والروابط، لأنّا نجد لها استعمالات متعدّدةكلّها بنحو الحقيقة، ومع ذلك يستحيل في بعضها تحقّق النسبة والربط، مثلاً لفرق بين قولنا: «الوجود للإنسان ممكن» وبين قولنا: «الوجود للّه تعالىضروري» و«الوجود لشريك الباري ممتنع» فإنّ كلمة اللام في جميع ذلكتستعمل في معنى واحد، وهو تخصّص مدخولها بخصوصيّة ما في عالم المعنىعلى نسق واحد بلا عناية تجوّز في شيء منها، مع أنّ تحقّق الربط بين الوجود
- (1) هذا بناءً على المشهور الذين منهم المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه»، وإلاّ فقد اختار الاُستاذ المحاضر«مدّ ظلّه»استحالة الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، كما تقدّم. م ح ـ ى.
(صفحه188)
والإنسان ممكن، حيث إنّ للإنسان ماهيّة مغايرة للوجود، بخلاف المثالينالأخيرين، حيث لا يمكن تحقّق الربط بين الوجود وبين اللّه تعالى، لأنّه عينالوجود لا مرتبط به، ولا بينه وبين شريك الباري، فإنّه لا يرتبط بالوجود،لأنّه يستحيل عليه(1).
وفيه: أنّ هذه القضايا الحمليّة بملاحظة جميع أطرافها من الموضوعوالمحمول واللام ومدخولها تكون في الواقع هكذا: «الوجود الإمكانيللإنسان» و«الوجود الضروري للّه تعالى» و«الوجود الممتنع لشريك الباري»وعلى هذا لا إشكال في تحقّق الربط في جميعها، فإنّ العينيّة متحقّقة بين اللّهتعالى وأصل الوجود، لا بينه وبين ضرورته، بل ضرورة الوجود ترتبط به،والاستحالة متحقّقة بين شريك الباري وأصل الوجود لا بينه وبين امتناعه،بل امتناع الوجود يرتبط به.
وبالجملة: لا يرد شيء من هذه الإشكالات على المحقّق الاصفهاني رحمهالله ، فمذهب إليه صحيح متين إلاّ في بعض الحروف التي يكون معناها إيجاديّاً.
6ـ نظريّة المحقّق الخوئي«مدّ ظلّه» في وضع الحروف
قال بعض الأعلام«مدّ ظلّه» ـ على ما في كتاب المحاضرات وحاشيةالتقريرات ـ : إنّ الحروف والأدوات تباين الأسماء ذاتاً وحقيقةً، ولا اشتراكلهما في طبيعي معنى واحد، وهذا ممّا لا شبهة فيه. ونتكلّم في أنّ المعاني الحرفيّةالتي تباين الاسميّة بتمام الذات ما هي؟
فنقول: إنّ الحروف على قسمين:
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 81 .
ج1
أحدهما: ما يدخل على المركّبات الناقصة والمعاني الإفراديّة، كـ «من»و«إلى» و«على» ونحوها(1).
والثاني: ما يدخل على المركّبات التامّة ومفاد الجملة، كحروف النداءوالتشبيه والتمنّي والترجّي وغير ذلك.
أمّا القسم الأوّل: فهو موضوع لتضييق المفاهيم الاسميّة في عالم المفهوموالمعنى وتقييدها بقيود خارجة عن حقائقها، ومع هذا لا نظر لها إلى النسبوالروابط الخارجيّة، ولا إلى الأعراض النسبيّة الإضافيّة، فإنّ التخصيصوالتضييق إنّما هو في نفس المعنى، سواء كان موجوداً في الخارج أم لم يكن.
توضيح ذلك: أنّ المفاهيم الاسميّة بكلّيّتها وجزئيّتها وعمومها وخصوصهقابلة للتقسيمات إلى غير النهاية باعتبار الحصص أو الحالات التي تحتها، ولهإطلاق وسعة بالقياس إلى هذه الحصص أو الحالات، سواء كان الإطلاقبالقياس إلى الحصص المنوّعة كإطلاق «الحيوان» مثلاً بالإضافة إلى أنواعهالتي تحته، أو بالقياس إلى الحصص المصنّفة أو المشخّصة، كإطلاق «الإنسان»بالنسبة إلى أصنافه أو أفراده، أو بالقياس إلى حالات شخص واحد من كمّهوكيفه وسائر أعراضه الطارئة وصفاته المتبادلة على مرّ الزمن.
ومن البديهي أنّ غرض المتكلّم في مقام التفهيم والإفادة كما يتعلّق بتفهيمالمعنى على إطلاقه وسعته كذلك يتعلّق بتفهيم حصّة خاصّة منه، فيحتاجحينئذٍ إلى مبرز لها في الخارج، وبما أنّه لا يكاد يمكن أن يكون لكلّ واحد منالحصص أو الحالات مبرز مخصوص لعدم تناهي الحصص والحالات بل عدمتناهي حصص أو حالات معنى واحد فضلاً عن المعاني الكثيرة، فلا محالة
- (1) وأكثر الحروف تكون من قبيل هذا القسم. منه مدّ ظلّه.
(صفحه190)
يحتاج الواضع الحكيم إلى وضع ما يدلّ عليها ويوجب إفادتها عند قصدالمتكلّم تفهيمها، وليس ذلك إلاّ الحروف والأدوات وما يشبهها من الهيئاتالدالّة على النسب الناقصة: كهيئات المشتقّات وهيئة الإضافة والتوصيف،فكلّ متكلّم متعهّد في نفسه بأنّه متى ما قصد تفهيم حصّة خاصّة من معنى، أنيجعل مبرزه حرفاً مخصوصاً أو ما يشبهه على نحو «القضيّة الحقيقيّة» لا بمعنىأنّه جعل بإزاء كلّ حصّة أو حالة حرفاً مخصوصاً أو ما يحذو حذوه بنحو«الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ» لما عرفت من أنّه غير ممكن من جهةعدم تناهي الحصص.
فكلمة «في» في جملة: «الصلاة في المسجد حكمها كذا» تدلّ على أنّ المتكلّمأراد تفهيم حصّة خاصّة من الصلاة، وفي مقام بيان حكم هذه الحصّة لالطبيعة السارية إلى كلّ فرد، وأمّا كلمتا «الصلاة» و «المسجد» فهممستعملتان في معناهما المطلق واللابشرط بدون أن تدلاّ على التضييقوالتخصيص أصلاً.
ومن هنا كان تعريف الحرف بـ «ما دلّ على معنى قائم بالغير» من أجودالتعريفات وأحسنها، وموافقا لما هو الواقع ونفس الأمر ومطابقا لما ارتكز فيالأذهان من أنّ المعنى الحرفي خصوصيّة قائمة بالغير وحالة له.
وبكلمة واضحة: إنّ وضع الحروف لذلك المعنى من نتائج وثمرات مسلكنفي مسألة الوضع، فإنّ القول بالتعهّد لا محالة يستلزم وضعها لذلك، حيثعرفت أنّ الغرض قد يتعلّق بتفهيم الطبيعي وقد يتعلّق بتفهيم الحصّة،والمفروض أنّه لا يكون عليها دالّ ما عدا الحروف وتوابعها، فلا محالة يتعهّدالواضع ذكرها أو ذكر توابعها عند قصد تفهيم حصّة خاصّة، فلو قصد تفهيم
ج1
حصّة من طبيعي «الماء» مثلاً كماء له مادّة أو ماء البئر، يبرزه بقوله: «ما كانله مادّة لا ينفعل بالملاقاة» أو «ماء البئر معتصم» فكلمة اللام في الأوّل وهيئةالإضافة في الثاني تدلاّن على أنّ المراد من الماء ليس هو الطبيعة السارية إلىكلّ فرد، بل خصوص حصّة منه.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحصص موجودة في الخارج أو معدومة،ممكنة كانت أو ممتنعة، ومن هنا يصحّ استعمالها في صفات الواجب تعالى،والانتزاعيّات كالإمكان والامتناع ونحوهما، والاعتباريّات كالأحكامالشرعيّة والعرفيّة بلا لحاظ عناية في البين، مع أنّ تحقّق النسبة في تلك المواردحتّى بمفاد «هل البسيطة» مستحيل.
وجه الصحّة هو أنّ الحروف وضعت لإفادة تضييق المعنى في عالمالمفهوميّة، مع قطع النظر عن كونه موجوداً في الخارج أو معدوماً، ممكناً كانأو ممتنعاً، فإنّها على جميع التقادير تدلّ على تضييقه وتخصيصه بخصوصيّة معلى نسق واحد، فلا فرق بين قولنا: «ثبوت القيام لزيد ممكن» و«ثبوتالقدرة للّه تعالى ضروري» و«ثبوت الوجود لشريك الباري ممتنع» فكلمة«اللام» في جميع ذلك استعملت في معنى واحد وهو تخصيص مدخولهبخصوصيّة ما في عالم المعنى بلا نظر لها إلى كونه محكوماً بالإمكان في الخارجأو بالضرورة أو بالامتناع، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن مدلولها، ومن هنا يكوناستعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد بلا لحاظ عناية فيشيء منها.
نعم، إنّها تحدث الضيق في مقام الإثبات والدلالة، وإلاّ لبقيت المفاهيمالاسميّة على إطلاقها وسعتها، وأمّا بحسب مقام الثبوت فهي تكشف عن تعلّق