والحمل الأوّلي ما كان الموضوع فيه متّحداً مع المحمول بحسب الماهيّة،سواء اتّحدا بحسب المفهوم أيضاً مثل «الإنسان إنسان» و«الإنسان بشر» بناءًعلى اتّحاد الإنسان مع البشر مفهوماً أيضاً، أم اختلفا فيه، مثل «الإنسانحيوان ناطق» فإنّ مفهوم الموضوع هنا مفهوم إجمالي للمحمول، ومفهومالمحمول مفهوم تفصيلي للموضوع، فهما يختلفان بحسبه، ولذا قد يحضر مفهوم«الإنسان» في الذهن من دون أن يحضر فيه مفهوم «الحيوان الناطق»، وكذلكالعكس، فالحمل الأوّلي انقسم إلى قسمين.
والحمل الشائع ما كان الموضوع والمحمول فيه مختلفين بحسب الماهيّةومتّحدين بحسب الوجود، سواء كان الموضوع مصداقاً حقيقيّاً للمحمول،كقولنا: «زيد إنسان» و«البياض أبيض» فإنّ إنسانيّة زيد ذاتي له لا يحصل لهمن الخارج، وهكذا أبيضيّة البياض، أو مصداقاً عرضيّاً له، كقولنا: «الجسم
أبيض» فإنّ أبيضيّة الجسم خارج عنه عارض له، ويسمّى الأوّل بالحملالشائع بالذات، والثاني بالحمل الشائع بالعرض.
فأقسام القضايا الحمليّة بهذا التقسيم أربعة.
البحث حول أجزاء القضاي
ذهب المشهور إلى أنّ القضايا الحمليّة مركّبة من ثلاثة أجزاء، ولا فرق فيذلك بين الواقع والملفوظ والمعقول.
توضيح ذلك: أنّ زيداً إذا قام في الخارج، وحكيت ذلك لصديقك بقولك:«زيد قائم» فلنا هاهنا ثلاث قضايا:
أ ـ الواقعيّة الخارجيّة التي نعبّر عنها بالقضيّة المحكيّة.
ب ـ القضيّة الملفوظة أو اللفظيّة، وهي قولك: «زيد قائم».
ج ـ القضيّة المعقولة، وهي ما تعقّله وتصوّره صديقك عند سماع القضيّةاللفظيّة.
والمشهور قالوا بتركّبها من ثلاثة أجزاء في جميع هذه المراحل الثلاث، فإنّالواقعيّة الخارجيّة مركّبة من ثلاثة اُمور: زيد والقيام والربط بينهما، أي كونزيد قائماً، والقضيّة اللفظيّة أيضاً مركّبة من الموضوع والمحمول والهيئةالتركيبيّة، ولذا تحكي عن الواقع كما هو، وهكذا القضيّة المعقولة، فإنّ السامعلقولنا: «زيد قائم» يتصوّر تلك الاُمور الثلاثة الواقعيّة.
هذا هو المشهور بينهم.
والتحقيق في ذلك يستدعي رسم مقدّمتين:
الاُولى: أنّ النسبة ـ كما قلنا عند تحقيق المعاني الحرفيّة ـ ليست أمراً وهميّتخيّليّاً، بل لها واقعيّة خارجيّة متعلّقة بالطرفين، ولابدّ من كون الطرفين
(صفحه204)
متغايرين، إذ لا معنى لتحقّق النسبة في شيء واحد.
الثانية: أنّا وإن تصوّرنا للقضيّة ثلاث مراحل، إلاّ أنّ الأصالة للواقع، وأمّاللفظ والتعقّل فهما تابعان له، حيث إنّ اللفظ حاكٍ عن الواقع والسامع ينتقلمن طريق سماع اللفظ إليه، فالقضيّة الأصليّة هي القضيّة الواقعيّة.
إذا عرفت هذا فنقول:
لا يعقل تحقّق النسبة في القضايا الحمليّة أصلاً.
أمّا في الحمل الأوّلي الذاتي فواضح، فإنّا إذا قلنا: «الإنسان إنسان» يتّحدالموضوع والمحمول ماهيّة ومفهوماً ووجوداً، فلا مغايرة بينهما بوجه(1) حتّىيتحقّق النسبة والربط بينهما.
ودعوى أنّ المثال المذكور ونحوه لا يكون قضيّة إلاّ بحسب الظاهر، باطلة،لأنّه قضيّة واقعاً، بل من أصدق القضايا، وعلى تقدير تسليم هذه الدعوىفالمثال خارج عن البحث، لأنّ النزاع في القضايا الواقعيّة لا الصوريّة.
فبناءً على كون قولنا: «الإنسان إنسان» قضيّةً في الواقع، يتوجّه علىالمشهور إشكال عدم تحقّق النسبة فيها.
وكذا إذا قلنا: «الإنسان حيوان ناطق»(2) فإنّ الموضوع والمحمول فيه وإنكانا متغايرين مفهوماً، إلاّ أنّهما متّحدان ماهيّةً ووجوداً، فلا يعقل وجودالنسبة بينهما، لعدم التغاير بينهما في الواقعيّة المحكيّة التي هي المرحلة
- (1) وأمّا المغايرة الاعتباريّة المصحّحة للحمل فهي مجرّد اعتبار لا واقعيّة لها، فلا يتحقّق بها الربط الذييكون من الواقعيّات، على أنّ توقّف صحّة الحمل على اعتبار المغايرة لا أصل له، بل اعتبارها يورثالإشكال كما سيأتي تحقيقه في مبحث ملاك الحمل من مباحث المشتقّ ص485. م ح ـ ى.
- (2) هذا هو القسم الثاني من الحمل الأوّلي، أعني ما يتّحد فيه الموضوع مع المحمول ماهيّةً لا مفهوماً.م ح ـ ى.
ج1
الأصيلة للقضيّة.
وأمّا في الحمل الشايع بالذات، فلأنّ قولنا: «زيد إنسان» يكون بمعنى «زيدمصداق الإنسان» وليس لنا شيئان في الخارج أحدهما «زيد» والآخر«مصداق الإنسان» حتّى يتصوّر تحقّق النسبة والربط بينهما.
وأمّا الحمل الشايع بالعرض فتحقيقه أنّ زيداً إذا اتّصف بالقيام، فلا ريبفي أنّ لنا ثلاث واقعيّات متغايرة في الخارج: زيد والقيام واتّصاف زيد بالقيام.
هذا ممّا لا إشكال فيه، إلاّ أنّا تارةً نحكي عن هذه الواقعيّات بـ «زيد قائم»واُخرى بـ «زيد له القيام».
ولا يصحّ القول بتحقّق النسبة في القضيّة الاُولى، لأنّ القيام وإن كان مغايرلزيد، إلاّ أنّ المحمول في هذه القضيّة لفظ «القائم» الذي هو عبارة عن ذاتثبت له القيام، ولا ريب في أنّه متّحد في الخارج مع زيد.
وبالجملة: الذي يحتاج إلى النسبة والربط، هو «القيام» الذي لم يحمل علىزيد، والذي حمل عليه، هو «القائم» الذي لا يعقل فيه تحقّق النسبة.
وأمّا القضيّة الثانية أعني «زيد له القيام» ونظائرها، نحو «زيد في الدار»و«زيد على السطح» وسائر ما استعمل فيه الحرف بهذا النحو، فقد يتخيّلفيها تحقّق النسبة بين الموضوع والمحمول، لكنّ الواقع خلافه.
لأنّا إن قلنا بمقالة النحويّين من كونها مأوّلة، وتقديرها «زيد ثابت لهالقيام» و«زيد كائن في الدار» و«زيد مستقرّ على السطح» فلا فرق بينها وبينمثل «زيد قائم» في اتّحاد الموضوع والمحمول واقعاً.
وإن لم نقل بها، بل قلنا بكون المحمول نفس «له القيام» و«في الدار» و«علىالسطح» من غير تقدير، فالنسبة مربوطة بالحرف المستعمل في القضيّة، لا بها،والشاهد على هذا أمران: أحدهما: أنّا إن جعلناه مركّباً ناقصاً وقلنا مكان