(صفحه266)
وضعت له الهيئة، نظير اللّفظين المترادفين.
لكن يرد عليه أوّلاً: أنّه يستلزم أن يكون وضعه لغواً، إذ لا حاجة إليه بعدوضع الهيئة.
وأمّا الألفاظ المترادفة فمضافاً إلى أنّهم اختلفوا فيها وذهب بعض المحقّقينإلى أنّ لكلّ من الألفاظ التي يتخيّل ترادفها خصوصيّةً ليست في سائرها، إنّقياس المقام بها مع الفارق، لأنّها وضعت لمعنى واحد كثير الابتلاء، فأرادالواضع تسهيل الأمر على الناس، فوضع ألفاظاً متعدّدة لذلك المعنى الواحدكي يتمكّنوا من اختيار ما شاؤوا منها عند تفهيم المعنى، وهذا التوجيه ليجري في المقام، لأنّ المجموع المركّب وهيئة الجملة متلازمان، فلا يمكن اختيارأحدهما مستقلاًّ حتّى يستعمل بعضهم هذا وبعضهم تلك.
وثانياً: أنّه لا ينتقل الذهن عند سماع الجملة إلى النسبة أو الهوهويّة إلاّ مرّةًواحدةً، فالدليل عليها أيضاً لا يكون إلاّ واحداً.
وأورد عليه ابن مالك بوجه آخر، وهو أنّه لو كان للمركّب وضع على حدةفلا محالة إمّا أن يكون نوعيّاً أو شخصيّاً(1)، لا سبيل إلى الأوّل لتغاير كلّمركّب مع المركّب الآخر حيث يتغاير أجزائهما التي يتشكّل المركّب منها، وأمّالثاني فلا يمكن، لعدم تناهي المركّبات، فلا يمكن تصوّر كلّ جملة بنفسها، علىأنّه يستلزم عسر الخطابة، لأنّ الخطيب لابدّ له في كلّ جملة أن يفكّر في أنّههل هي موضوعة أم لا، فلا يستعملها لو لم تكن موضوعة كما لا يستعملاللفظ المفرد إلاّ إذا كان موضوعاً.
- (1) تقدّم توضيح الوضع النوعي والشخصي، فراجع ص144.
ج1
(صفحه268)
في علائم الحقيقة والمجاز
الأمر السابع
في علائم الحقيقة والمجاز
ذكروا لتمييز الحقيقة من المجاز علامات:
1ـ التبادر(1)
وفيه جهات من البحث:
الاُولى: أنّ التبادر هو انسباق أحد المعاني المحتملة إلى الذهن من دون أنينتقل إليه سائر المعاني، لا انتقال الذهن إلى أحدها أوّلاً ثمّ إلى البقيّة.
الثانية: أنّه لا يختصّ بما إذا استعمل اللفظ ودار أمره بين المعنى الحقيقيوالمجازي، بل يعمّ ما إذا دار أمره بين الاستعمال الصحيح والغلط أيضاً، بل مإذا لم يتحقّق الاستعمال أصلاً كما إذا قال الجاهل باللغة العربيّة المريد لمعرفةمعنى الماء: «جئني بماء» فإذا أتاه المأمور كأساً من الماء يعرف الآمر أنّ معناه:المايع الخاصّ الذي ما في الكأس أحد مصاديقه، لانسباقه إلى ذهن المخاطبالعارف باللغة، وواضح أنّ الاستعمال لم يتحقّق في هذا المثال، لعدم معرفة الآمر
- (1) العلامة الاُولى في كتب القدماء تنصيص أهل اللغة، لكنّ المتأخّرين لم يتعرّضوا له لعدم حجّيّة قولاللغوي عند أكثرهم. منه مدّ ظلّه.
ج1
بمعنى الماء حتّى يصدق الاستعمال على قوله: «جئني بماء».
الثالثة: أنّ التبادر ينتج كون المعنى المتبادر حقيقيّاً، وأمّا كونه موضوعاً لهفلا، لما سبق من كون الوضع قسماً واحداً، وهو تعيين اللفظ للمعنى، وأمّا تعيّنهفيه فهو مع كونه مستلزماً لصيرورة المعنى معنى حقيقيّاً لا يكون وضعاً، فميتبادر من اللفظ أعمّ من الموضوع له. نعم، بناءً على ما ذهب إليه المحقّقالخراساني من انقسام الوضع إلى التعييني والتعيّني فالتبادر يكون علامةً لكونالمتبادر موضوعاً له أيضاً.
الرابعة: أنّ وجه كون التبادر علامة الحقيقة أنّه لو لم يرتبط المعنى المتبادرباللفظ ارتباط المعنى الحقيقي بلفظه لما كان متبادراً، لعدم امتياز آخر له من بينالمعاني المحتملة.
الخامسة: استشكل عليه بأنّه كيف يكون علامة الحقيقة مع توقّفه علىالعلم بأنّ المتبادر موضوع له كما هو واضح، فلو كان العلم به موقوفاً عليهلدار.
وأجاب عنه صاحب الكفاية بوجهين:
أ ـ أنّ العلم الذي يتوقّف على التبادر غير العلم الذي يتوقّف عليه التبادر،فإنّ العلم التفصيلي(1) بكونه موضوعاً له موقوف على التبادر، والتبادرموقوف على العلم الإجمالي الارتكازي به لا التفصيلي، فلا دور.
ب ـ قوله: هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم، وأمّا إذا كان المراد بهالتبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح من أن يخفى(2).
- (1) المراد بالعلم التفصيلي هاهنا أن يعلم المعنى الحقيقي مع توجّهه إلى علمه، وبالعلم الإجمالي أن يعلمهمن دون أن يلتفت إليه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه270)
واُجيب عنه بوجه آخر أيضاً، وهو أنّ لنا فردين من العلم التفصيلي،أحدهما قبل التبادر والآخر بعده، فالفرد المتوقّف على التبادر من العلم غيرالفرد المتوقّف عليه التبادر.
وفيه: أنّ العلم من الاُمور ذات الإضافة إلى طرفين، لتعلّقه بالعالم والمعلوم،فلا يتعدّد إلاّ إذا تعدّد أحد طرفيه أو كلاهما كسائر الاُمور الإضافيّة، فكما أنّزيداً إذا دخل الدار لم يتحقّق إلاّ ظرفيّة واحدة، فكذلك إذا علمنا بشيء لميتحقّق لنا إلاّ علم واحد.
السادسة: أنّ كون التبادر علامة الحقيقة مشروط بكونه مستنداً إلى حاقّاللفظ لا إلى القرينة.
ثمّ لو علمنا بعدم وجود القرينة فبها، وإلاّ فلا قاعدة لإحراز كون الاستنادإليه لا إليها، لأنّ ما ذكروه لإحرازه أمران، وكلاهما مردودان.
الأوّل: الاطّراد، والمراد به أنّ كلّما سمع اللفظ انتقل الذهن إليه، مثلاً كلّما سمعلفظ «الصعيد» انتقل الذهن إلى التراب الخالص، فهو دليل على كون هذا المعنىالمتبادر مربوط بنفس اللفظ لا بالقرينة.
وفيه: أنّه لو استلزم العلم فلا بحث في حجّيّته، لكون العلم حجّة من أيّطريق حصل، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا دليل على حجّيّته شرعاً، ولا بناءالعقلاء على ذلك.
الثاني: أصالة عدم القرينة.
وفيه: أنّها حجّة في موارد الشكّ في المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي والمجازي،لا فيما إذا شككنا في كون التبادر مستنداً إلى نفس اللفظ حتّى يكون المتبادرمعناه الحقيقي أو إلى القرينة لكي يكون معناه المجازي، فإنّ دليل حجّيّتها