ج1
ـ وهو بناء العقلاء ـ إمّا لا يشمل هذه الموارد قطعاً أو نشكّ في شموله لها،والشكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدمها.
لا يقال: يمكن أن يعمّها دليل الاستصحاب فتكون أصلاً شرعيّاً.
فإنّه يقال: إن اُريد به استصحاب عدم محفوفيّة الكلام بالقرينة فهو منقبيل استصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم قابليّة الحيوان للتذكية، ومقتضىالتحقيق عدم جريان هذا القبيل من الاستصحابات، لتغاير القضيّتين عرفاً،فإنّ القضيّة المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع والمشكوكة بانتفاء المحمول، وهممتغايرتان عرفاً.
وإن اُريد به استصحاب عدم وجود القرينة ـ بنحو مفاد «ليس التامّة» فهو أصل مثبت، لأنّ عدم القرينة لا يكون حكماً شرعيّاً ولا موضوعاً ذا أثرشرعي، فإذا تبادر من لفظ «الصعيد» مثلاً التراب الخالص ولم نعلم أنّه مستندإلى نفس اللفظ أو إلى القرينة لا يجري استصحاب عدم القرينة ليثبت كونهمستنداً إلى حاقّ اللفظ ويترتّب عليه وجوب التيمّم، لأنّ الاستناد إلى حاقّاللفظ وكون معناه هذا المتبادر واسطة عقليّة غير خفيّة.
السابعة: أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله جعل التبادر علامة الحقيقة من دون أنيجعل عدم التبادر أو نحوه علامة للمجاز، فظاهره عدم انكشاف المجاز منطريق هذه العلامة، سيّما أنّه كما سيأتي جعل صحّة السلب وعدم الاطّرادعلامتين للمجاز كما جعل الاطّراد وعدم صحّة السلب علامتين للحقيقة،فيستظهر منه عدم انكشاف المجاز من طريق هذه العلامة الاُولى بنظره، وإللذكر علامته كما ذكرها في الأخيرتين.
لكنّ المشهور كما جعلوا التبادر علامة الحقيقة جعلوا عدم التبادر أيضعلامة للمجاز.
(صفحه272)
وأورد عليهم بأنّ المشترك اللفظي لو اُطلق بدون قرينة ـ كما إذا قيل:«رأيت عيناً» ـ لم يتبادر منه معنىً أصلاً مع أنّه لا يكون علامة للمجاز، وإلكان مجازاً حتّى في معانيه الحقيقيّة وهو خلف.
ولأجل هذا عدل المحقّق القمّي في «القوانين» والمحقّق الاصفهاني في«الفصول» إلى أنّ تبادر الغير علامة المجاز لا عدم التبادر(1).
واستشكل عليهما باللفظ المشترك أيضاً، لأنّه إن كان لمثل كلمة «عين»معنى مجازي وأطلقت من غير قرينة كان هذا المعنى المجازي أحد معانيهالمحتملة ولم يتبادر غيره حتّى يستعلم كونها مجازاً فيه.
واُجيب عنه بأنّه كلّما تبادر الغير ثبت المجازيّة لا أنّه كلّما يتحقّق المجازيتبادر غيره لا محالة.
وبعبارة اُخرى: تبادر غير المعنى المحتمل مستلزم لمجازيّته لا أنّ مجازيّتهمستلزمة لتبادر غيره، كما أنّ الأمر كذلك في جانب الحقيقة، فإنّ التبادرمستلزم لكون المتبادر معنى حقيقيّاً لا أنّ كون المعنى حقيقيّاً يستلزم كونهمتبادراً من اللفظ، فإنّ اللفظ المشترك لا يتبادر منه معانيه الحقيقيّة بدونقرينة معيّنة. وهذا جواب متين، فتبادر الغير علامة المجاز كما أنّ التبادر علامةالحقيقة.
هذا تمام الكلام في العلامة الاُولى.
- (1) قوانين الاُصول 1: 13، والفصول الغرويّة: 32.
ج1
(صفحه274)
2ـ عدم صحّة السلب وصحّته
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : عدم صحّة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز فيالذهن إجمالاً عن معنى وصحّة حمله عليه بالحمل الأوّلي الذاتي الذي كانملاكه الاتّحاد مفهوماً(1) علامة كونه نفس المعنى، وبالحمل الشائع الصناعيالذي ملاكه الاتّحاد وجوداً علامة كونه من مصاديقه وأفراده الحقيقيّة، كما أنّصحّة سلبه كذلك علامة أنّه ليس منهما(2).
فصحّة حمل الصعيد على التراب الخالص مثلاً لو فرض الحمل أوّليّاً ذاتيّعلامة أنّه نفس المعنى، ولو فرض شائعاً صناعيّاً علامة كونه من مصاديقهالحقيقيّة، وصحّة سلب الحمار عن البليد وعدم صحّة حمله عليه علامة كونهمجازاً فيه.
هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها، وهي أنّ القضايا الحمليّة الموجبة على نوعينكما تقدّم في مبحث القضايا، فإنّ الحمل إمّا أن يكون أوّليّاً ذاتيّاً أو شائعصناعيّاً، فهل السوالب أيضاً كذلك بحيث كان قولنا: «الإنسان ليس ببقر» نفيالاتّحاد في الماهيّة، و«زيد ليس ببقر» نفي الاتّحاد في الوجود أم لا؟
- (1) بل يكفي الاتّحاد الماهوي في كون الحمل أوّليّاً ذاتيّاً كما تقدّم. منه مدّ ظلّه.
ج1
الحقّ هو الثاني، لأنّ السوالب كما قال سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله (1) قسمواحد، وظاهر السلب عدم الاتّحاد والهوهويّة مطلقاً، لعدم التنوّع في السلب،ألا ترى أنّك إذا قلت: «ليس في الدار إنسان» لا يصحّ السؤال عن أنّك هلأردت الرجل أو المرأة، فهكذا بالنسبة إلى قسمي الاتّحاد والهوهويّة، فقولنا:«زيد ليس ببقر» قضيّة صادقة لعدم الهوهويّة بين الموضوع والمحمول بوجه،وقولنا: «زيد ليس بإنسان» قضيّة كاذبة، لظهورها في سلب أنحاء الاتّحادالمفهوميّة والماهويّة والوجوديّة مع أنّ الاتّحاد في الوجود متحقّق بين الموضوعوالمحمول، ولا يصحّ توجيه صدقها بتغايرهما بحسب المفهوم والماهيّة.
نعم، إن صرّح المتكلّم بأنّي أردت منها سلب الحمل الأوّلي الذاتي لالشائع الصناعي كانت صادقة.
وأمّا ما تقدّم منّا في مبحث القضايا من صدق قولنا: «الإنسان ليس بحيوانناطق» إذا لوحظ السلب بالنسبة إلى المفهوم لعدم الاتّحاد بينهما مفهوماً(2)، فهولأجل توضيح المطلب، وأنّ المتكلّم إذا صرّح بمراده كان صادقاً، وإن كانكاذباً حقيقةً لو لم يصرّح به.
وانقدح بذلك ـ كما قال سيّدنا البروجردي ـ فساد ما ذهب إليه بعضالمنطقيّين من عدم كفاية الوحدات الثمانية لتحقّق التناقض ولزوم ضمّ وحدةالحمل إليها، لصدق قولنا: «زيد إنسان» و«زيد ليس بإنسان» إذا اُريد بالأوّلالحمل الشائع وبالثاني الحمل الأوّلي.
لأنّه مبنيّ على تحقّق التنوّع في السوالب كالموجبات، وقد عرفت فساده،