بمعنى الماء حتّى يصدق الاستعمال على قوله: «جئني بماء».
واُجيب عنه بوجه آخر أيضاً، وهو أنّ لنا فردين من العلم التفصيلي،أحدهما قبل التبادر والآخر بعده، فالفرد المتوقّف على التبادر من العلم غيرالفرد المتوقّف عليه التبادر.
وفيه: أنّ العلم من الاُمور ذات الإضافة إلى طرفين، لتعلّقه بالعالم والمعلوم،فلا يتعدّد إلاّ إذا تعدّد أحد طرفيه أو كلاهما كسائر الاُمور الإضافيّة، فكما أنّزيداً إذا دخل الدار لم يتحقّق إلاّ ظرفيّة واحدة، فكذلك إذا علمنا بشيء لميتحقّق لنا إلاّ علم واحد.
السادسة: أنّ كون التبادر علامة الحقيقة مشروط بكونه مستنداً إلى حاقّاللفظ لا إلى القرينة.
ثمّ لو علمنا بعدم وجود القرينة فبها، وإلاّ فلا قاعدة لإحراز كون الاستنادإليه لا إليها، لأنّ ما ذكروه لإحرازه أمران، وكلاهما مردودان.
الأوّل: الاطّراد، والمراد به أنّ كلّما سمع اللفظ انتقل الذهن إليه، مثلاً كلّما سمعلفظ «الصعيد» انتقل الذهن إلى التراب الخالص، فهو دليل على كون هذا المعنىالمتبادر مربوط بنفس اللفظ لا بالقرينة.
وفيه: أنّه لو استلزم العلم فلا بحث في حجّيّته، لكون العلم حجّة من أيّطريق حصل، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا دليل على حجّيّته شرعاً، ولا بناءالعقلاء على ذلك.
الثاني: أصالة عدم القرينة.
وفيه: أنّها حجّة في موارد الشكّ في المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي والمجازي،لا فيما إذا شككنا في كون التبادر مستنداً إلى نفس اللفظ حتّى يكون المتبادرمعناه الحقيقي أو إلى القرينة لكي يكون معناه المجازي، فإنّ دليل حجّيّتها
ج1
ـ وهو بناء العقلاء ـ إمّا لا يشمل هذه الموارد قطعاً أو نشكّ في شموله لها،والشكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدمها.
لا يقال: يمكن أن يعمّها دليل الاستصحاب فتكون أصلاً شرعيّاً.
فإنّه يقال: إن اُريد به استصحاب عدم محفوفيّة الكلام بالقرينة فهو منقبيل استصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم قابليّة الحيوان للتذكية، ومقتضىالتحقيق عدم جريان هذا القبيل من الاستصحابات، لتغاير القضيّتين عرفاً،فإنّ القضيّة المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع والمشكوكة بانتفاء المحمول، وهممتغايرتان عرفاً.
وإن اُريد به استصحاب عدم وجود القرينة ـ بنحو مفاد «ليس التامّة» فهو أصل مثبت، لأنّ عدم القرينة لا يكون حكماً شرعيّاً ولا موضوعاً ذا أثرشرعي، فإذا تبادر من لفظ «الصعيد» مثلاً التراب الخالص ولم نعلم أنّه مستندإلى نفس اللفظ أو إلى القرينة لا يجري استصحاب عدم القرينة ليثبت كونهمستنداً إلى حاقّ اللفظ ويترتّب عليه وجوب التيمّم، لأنّ الاستناد إلى حاقّاللفظ وكون معناه هذا المتبادر واسطة عقليّة غير خفيّة.
السابعة: أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله جعل التبادر علامة الحقيقة من دون أنيجعل عدم التبادر أو نحوه علامة للمجاز، فظاهره عدم انكشاف المجاز منطريق هذه العلامة، سيّما أنّه كما سيأتي جعل صحّة السلب وعدم الاطّرادعلامتين للمجاز كما جعل الاطّراد وعدم صحّة السلب علامتين للحقيقة،فيستظهر منه عدم انكشاف المجاز من طريق هذه العلامة الاُولى بنظره، وإللذكر علامته كما ذكرها في الأخيرتين.
لكنّ المشهور كما جعلوا التبادر علامة الحقيقة جعلوا عدم التبادر أيضعلامة للمجاز.
(صفحه272)
وأورد عليهم بأنّ المشترك اللفظي لو اُطلق بدون قرينة ـ كما إذا قيل:«رأيت عيناً» ـ لم يتبادر منه معنىً أصلاً مع أنّه لا يكون علامة للمجاز، وإلكان مجازاً حتّى في معانيه الحقيقيّة وهو خلف.
ولأجل هذا عدل المحقّق القمّي في «القوانين» والمحقّق الاصفهاني في«الفصول» إلى أنّ تبادر الغير علامة المجاز لا عدم التبادر(1).
واستشكل عليهما باللفظ المشترك أيضاً، لأنّه إن كان لمثل كلمة «عين»معنى مجازي وأطلقت من غير قرينة كان هذا المعنى المجازي أحد معانيهالمحتملة ولم يتبادر غيره حتّى يستعلم كونها مجازاً فيه.
واُجيب عنه بأنّه كلّما تبادر الغير ثبت المجازيّة لا أنّه كلّما يتحقّق المجازيتبادر غيره لا محالة.
وبعبارة اُخرى: تبادر غير المعنى المحتمل مستلزم لمجازيّته لا أنّ مجازيّتهمستلزمة لتبادر غيره، كما أنّ الأمر كذلك في جانب الحقيقة، فإنّ التبادرمستلزم لكون المتبادر معنى حقيقيّاً لا أنّ كون المعنى حقيقيّاً يستلزم كونهمتبادراً من اللفظ، فإنّ اللفظ المشترك لا يتبادر منه معانيه الحقيقيّة بدونقرينة معيّنة. وهذا جواب متين، فتبادر الغير علامة المجاز كما أنّ التبادر علامةالحقيقة.
هذا تمام الكلام في العلامة الاُولى.
- (1) قوانين الاُصول 1: 13، والفصول الغرويّة: 32.