نعم، إن صرّح المتكلّم بأنّي أردت منها سلب الحمل الأوّلي الذاتي لالشائع الصناعي كانت صادقة.
وأمّا ما تقدّم منّا في مبحث القضايا من صدق قولنا: «الإنسان ليس بحيوانناطق» إذا لوحظ السلب بالنسبة إلى المفهوم لعدم الاتّحاد بينهما مفهوماً(2)، فهولأجل توضيح المطلب، وأنّ المتكلّم إذا صرّح بمراده كان صادقاً، وإن كانكاذباً حقيقةً لو لم يصرّح به.
وانقدح بذلك ـ كما قال سيّدنا البروجردي ـ فساد ما ذهب إليه بعضالمنطقيّين من عدم كفاية الوحدات الثمانية لتحقّق التناقض ولزوم ضمّ وحدةالحمل إليها، لصدق قولنا: «زيد إنسان» و«زيد ليس بإنسان» إذا اُريد بالأوّلالحمل الشائع وبالثاني الحمل الأوّلي.
لأنّ قولنا: «زيد ليس بإنسان» كاذب ولو لم ينضمّ إليه «زيد إنسان» ولا مجالللقول بصدقه على تقدير كون السلب أوّليّاً وكذبه على تقدير كونه شائعاً، لمعرفت من عدم التنوّع في السوالب، إذ ملاك السلب عدم الاتّحاد ولا يتحقّقذلك إلاّ بعد عدمه مفهوماً وماهيّةً ووجوداً.
فللحمل قسمان، وللسلب قسم واحد، ولا يشترط في التناقض وحدةتاسعة باسم وحدة الحمل.
فظهر بذلك فساد ما هو ظاهر كلام صاحب الكفاية من كون السلب أيضعلى قسمين: أوّلي ذاتي وشائع صناعيّ.
ثمّ إشكال الدور المتقدّم في التبادر يتوجّه هنا أيضاً، لأنّ صحّة الحملتتوقّف على العلم بمعنى المحمول، فلو كان العلم به متوقّفاً عليها لدار.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بالوجهين المتقدِّمين هناك.
لكن لا مجال للجواب الأوّل في المقام، لأنّا إذا قلنا مثلاً: «مطلق وجهالأرض صعيد» وفرضنا الحمل أوّليّاً ذاتيّاً فالمحمول ليس لفظ «الصعيد» ولالمركّب منه ومن معناه، أمّا اللفظ فلأنّه من مقولة الكيف المسموع فلا يمكناتّحاده مع المعنى الذي جعل موضوعاً، إذ هو من مقولة اُخرى كما أنّه في المثالمن مقولة الجوهر، فلا يمكن حمل اللفظ عليه، وأمّا المركّب منه ومن المعنىفلاستلزام عدم اتّحاد الجزء مع الموضوع عدم اتّحاد الكلّ معه أيضاً.
فلا محالة يكون المعنى محمولاً، وحينئذٍ فلو كان المعنى مجهولاً لنا أو معلومولكن لم نلتفت إليه لما أمكن الحمل، أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلأنّ المعنىالمغفول عنه كالمجهول في عدم إمكان جعله محمولاً.
وإن كان ملتفتاً إليه كان معلوماً بالتفصيل فلا نحتاج للوصول إلى المعنى
ج1
الحقيقي إلى الحمل.
والحمل الشائع أيضاً لا يكون كاشفاً عن كون الموضوع مصداقللمحمول، لأنّا إذا شككنا في أنّ «الصعيد» مطلق وجه الأرض أو خصوصالتراب الخالص فإذن نشكّ في أنّ «الرمل» مثلاً من مصاديقه الحقيقيّة أم لا،ولا طريق لنا إلى استكشافه بالحمل الشائع، لأنّا إذا قلنا: «الرمل صعيد» فإمّأن لا نعلم معنى «الصعيد» وأنّه يشمل الرمل أم لا فلا يمكن الحمل، وإمّا أننعلم شموله له فلا نحتاج إلى القضيّة الحمليّة.
والحاصل: أنّه لا يصحّ الجواب عن إشكال الدور هنا بتغاير العلمينبالإجمال والتفصيل، لأنّا مع العلم الإجمالي الارتكازي بالمعنى الحقيقي لنتمكّن من الحمل، ومع العلم التفصيلي لا نحتاج إليه لكونه واضحاً لنا بدونالحمل، وهذا بخلاف مسألة التبادر، فإنّا لم نكن عالمين بالمعنى تفصيلاً قبله،ولا يتوقّف التبادر على العلم التفصيلي به، بل على العلم الإجمالي الارتكازيكما عرفت هناك.
ولعلّ المحقّق الخراساني رحمهالله كان متفطّناً لهذا الإشكال، ولذا عبّر بقوله: «إنّعدم صحّة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن عن معنى تكون علامةكونه حقيقةً فيه» حيث أضاف السلب إلى اللفظ لا إلى المعنى ليندفع الإشكال،ثمّ رأى أنّ المحمول هو المعنى لا اللفظ، فعقّبه بقوله: «بمعناه المعلوم إلخ».
ولكنّه لايندفع به، لأنّه إن أراد أنّ المحمول هو اللفظ فقد عرفت امتناعه،وإن أراد أنّه هو المعنى فلابدّ في إمكان الحمل من كونه معلوماً بالتفصيل كمتقدّم.
ولا يصحّ توجيهه بأنّ المحمول هو اللفظ المندكّ في المعنى كما عن بعضهم،