ج1
الحقيقي إلى الحمل.
والحمل الشائع أيضاً لا يكون كاشفاً عن كون الموضوع مصداقللمحمول، لأنّا إذا شككنا في أنّ «الصعيد» مطلق وجه الأرض أو خصوصالتراب الخالص فإذن نشكّ في أنّ «الرمل» مثلاً من مصاديقه الحقيقيّة أم لا،ولا طريق لنا إلى استكشافه بالحمل الشائع، لأنّا إذا قلنا: «الرمل صعيد» فإمّأن لا نعلم معنى «الصعيد» وأنّه يشمل الرمل أم لا فلا يمكن الحمل، وإمّا أننعلم شموله له فلا نحتاج إلى القضيّة الحمليّة.
والحاصل: أنّه لا يصحّ الجواب عن إشكال الدور هنا بتغاير العلمينبالإجمال والتفصيل، لأنّا مع العلم الإجمالي الارتكازي بالمعنى الحقيقي لنتمكّن من الحمل، ومع العلم التفصيلي لا نحتاج إليه لكونه واضحاً لنا بدونالحمل، وهذا بخلاف مسألة التبادر، فإنّا لم نكن عالمين بالمعنى تفصيلاً قبله،ولا يتوقّف التبادر على العلم التفصيلي به، بل على العلم الإجمالي الارتكازيكما عرفت هناك.
ولعلّ المحقّق الخراساني رحمهالله كان متفطّناً لهذا الإشكال، ولذا عبّر بقوله: «إنّعدم صحّة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن عن معنى تكون علامةكونه حقيقةً فيه» حيث أضاف السلب إلى اللفظ لا إلى المعنى ليندفع الإشكال،ثمّ رأى أنّ المحمول هو المعنى لا اللفظ، فعقّبه بقوله: «بمعناه المعلوم إلخ».
ولكنّه لايندفع به، لأنّه إن أراد أنّ المحمول هو اللفظ فقد عرفت امتناعه،وإن أراد أنّه هو المعنى فلابدّ في إمكان الحمل من كونه معلوماً بالتفصيل كمتقدّم.
ولا يصحّ توجيهه بأنّ المحمول هو اللفظ المندكّ في المعنى كما عن بعضهم،
(صفحه278)
لأنّ الواقع لا يخلو من اُمور ثلاثة، وهي أن يكون المحمول هو اللفظ أو المعنىأو المركّب منهما، وقد عرفت الإشكال في جميعها في المقام.
نعم، لا بأس بالجواب الثاني هنا أيضاً، وهو أنّ صحّة الحمل عند أهلالمحاورة علامة الحقيقة.
رأي المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
وفصّل المحقّق العراقي رحمهالله بين ما إذا اتّحد الموضوع والمحمول مفهوماً كقولنا:«الإنسان بشر» وبين ما إذا تغايرا بحسبه كقولنا: «الحيوان الناطق إنسان»فجعل الأوّل علامة الحقيقة، بخلاف الثاني، لأنّ الموضوع والمحمول مع كونهممتّحدين ذاتاً ووجوداً خارجاً، لا يصحّ استعمال أحدهما في مكان الآخر، نظرإلى ما بين المفهومين من التغاير وكونه في أحدهما مركّباً وفي الآخر بسيطاً(1).
نقد كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المسألة
والحقّ عدم تماميّة هذا التفصيل، لأنّا لو أغمضنا عن الإشكال المتقدّم لكانصحّة الحمل علامة الحقيقة وإن كان الموضوع مركّباً والمحمول بسيطاً، فإنّصحّة الحمل في هذه الموارد تكشف عن كون المحمول أيضاً مركّباً عند العقلمن الجنس والفصل، والموضوع مع كونه مركّباً جعل موضوعاً مع قطع النظرعن التركيب وإلاّ فلم يصحّ الحمل أصلاً، لا أنّه صحيح ومع ذلك لا يكونعلامة الحقيقة، لعدم صحّة حمل البسيط على المركّب بما هو مركّب.
هذا تمام الكلام في صحّة الحمل والسلب.
- (1) نهاية الأفكار 1 و 2: 67.
ج1
(صفحه280)
3ـ الاطّراد وعدمه
اختلفوا في انكشاف الحقيقة والمجاز بهما على أقوال(1):
مسلك المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
فذهب المحقّق الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله في حاشيته على الكفاية إلىالانكشاف.
وما ذكره في تعريف الاطّراد أسدّ التعاريف وأمتنها حيث قال:
ليس الغرض تكرّر استعمال لفظ في معنى وعدمه، بل مورد هاتينالعلامتين(2) ما إذا اُطلق لفظ باعتبار معنى كلّي على فرد يقطع بعدم كونهمن حيث الفرديّة من المعاني الحقيقيّة لكنّه يشكّ أنّ ذلك الكلّي كذلكأم لا؟ فإذا وجد صحّة الإطلاق مطّرداً باعتبار ذلك الكلّي، كشف عن كونهمن المعاني الحقيقيّة، لأنّ صحّة الاستعمال فيه وإطلاقه على أفراده مطّرد
- (1) قال المحقّق المشكيني رحمهالله في حاشية الكفاية ـ بعد تعريف الاطّراد وعدمه ـ : إنّ الأقوال في المقام أربعةعلى ما حكى: أحدها: ما هو المنسوب إلى المشهور من كون الاطّراد علامة الحقيقة وعدمه علامةللمجاز، الثاني: إنّه ليس واحد منهما علامةً كما هو مختار المتن، الثالث: أنّ الأوّل علامة دون الثاني،الرابع: عكسه. كفاية الاُصول المحشى 1: 135.
- (2) أي الاطّراد وعدمه. م ح ـ ى.
ج1
لابدّ من أن تكون معلولةً لأحد أمرين: إمّا الوضع، وإمّا العلاقة، وحيثلا اطّراد لأنواع العلائق المصحّحة للتجوّز ثبت الاستناد إلى الوضع، فنفسالاطّراد دليل على الحقيقة وإن لم يعلم وجه الاستعمال على الحقيقة، كما أنّعدم الاطّراد في غير مورد يكشف عن عدم الوضع له وإلاّ لزم تخلّف المعلولعن العلّة، لأنّ الوضع علّة صحّة الاستعمال مطّرداً، وهذه العلامة علامة قطعيّةلو ثبت عدم اطّراد علائق المجاز كما هو المعروف والمشاهد في جملة منالموارد(1).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
وحاصله: أنّه إذا صحّ إطلاق لفظ باعتبار معنى كلّي على فرد مع القطعبعدم كون ذلك الفرد من حيث الفرديّة معنىً حقيقيّاً، فإن صحّ إطلاقه علىسائر الأفراد أيضاً بلا استثناء كشف عن كون ذلك الكلّي من المعاني الحقيقيّة،وإلاّ كشف عن كونه من المعاني المجازيّة، مثلاً إذا رأينا أنّ لفظ «الإنسان»يطلق على «زيد» بلحاظ كونه حيواناً ناطقاً، فحيث إنّه يطلق أيضاً على سائرمن يشترك معه في الحيوانيّة والناطقيّة انكشف لنا أنّه وضع لذلك المعنى الكلّي،أعني «الحيوان الناطق».
وإذا رأينا أنّ لفظ «الأسد» يطلق على الرجل الشجاع بلحاظ مشابهتهللحيوان المفترس ثمّ رأينا أنّه لا يطلق على من يشابهه في المشي أو البَخَر(2)مثلاً انكشف لنا أنّه مجاز فيه.
- (1) نهاية الدراية 1: 84 .
- (2) بخر الفم: انتنت ريحه. م ح ـ ى.