ج1
على كونه قائلاً بعموميّة الوضع والموضوع له في العبادات ـ كما هو الحقّ ـ لبخصوصيّتهما، ضرورة أنّ مخترع السيّارة لم يضع لفظها بإزاء شخص ما فيالخارج من مصنوعه الأوّلي كي يكون استعماله في الأفراد الاُخرى المساوية لهفي الأجزاء مجازاً.
وفي كلامه رحمهالله مواضع للنظر، أهمّها اثنان:
1ـ أنّه لو كان الملحوظ أوّلاً عند الوضع أو الاستعمال خصوص صلاةالمختار الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط وكان إطلاقها على المراتب المتأخّرةبلحاظ الاشتراك في الأثر لكان إطلاقها على صلاة المتيمّم والجالس ونحوهمبالعناية وتنزيل النازل منزلة العالي مع أنّ العرف قاضٍ بخلاف ذلك، فإنّهم ليجدون فرقاً بين إطلاقها على صلاة المتوضّي والمتيمّم، ولا بين إطلاقها علىصلاة القائم والجالس.
2ـ أنّه لا ينحصر الأفراد العرضيّة في صلاة الحاضر والمسافر كي يكتفىبتصوير الجامع بينهما، فإنّها كما تختلف بحسب الحضر والسفر كذلك تختلفبحسب تعداد الركعات، فإنّها تارةً تكون ثنائيّة واُخرى ثلاثيّة وثالثة رباعيّة،وكذلك تختلف بحسب كون الركوع في ركعات بعضها واحداً وفي ركعاتبعضها خمسة، وهي صلاة الآيات، وبعضها تشتمل على تكبيرات كثيرة،كصلاة العيد، وبعضها ذات كيفيّة خاصّة، لا تشتمل على الحمد والسورة ولعلى الركوع والسجود ولا على التشهّد والتسليم، وهي الصلاة على الميّت(1)،كلّ هذه الصلوات في عرض واحد فلابدّ من تصوير الجامع بينها وإن قلنبعدم لزوم تصويره بين الأفراد الطوليّة، فأين انحصار لزوم تصويره بين صلاتي
- (1) بناءً على صدق الصلاة عليها حقيقةً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه326)
الحاضر والمسافر فقط؟! فالحقّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه لابدّمن تصوير قدر جامع بين جميع الأفراد الصحيحة على الصحيح، وبين جميعالأفراد الصحيحة والفاسدة على الأعمّ.
الاُمور المعتبرة في الجامع
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لابدّ للجامع من أن يكون فيه ثلاثخصوصيّات:
أ ـ أن يكون مقدوراً، لكونه متعلّقاً للتكليف، ويستحيل عقلاً تعلّقه بغيرالمقدور.
ب ـ أن يكون ممّا لا يتوقّف تحقّقه على الأمر، مثل عنوان «ما هو المأموربه» لما مرّ من أنّ الظاهر خروج الشرائط المتوقّفة على الأمر عن المسمّى، فليكون نفس المسمّى أيضاً متوقّفاً عليه، إذ الظاهر أنّ للصلاة مثلاً معنى قابلللّحاظ مع قطع النظر عن تعلّق الأمر بها.
على أنّ عنوان «المأمور به» يعمّ الصلاة والصوم والحجّ وغيرها، فكيفيعقل أن يكون لفظ الصلاة مثلاً وضع له أو استعمل فيه.
إن قلت: يمكن أن يكون الجامع عنوان «ما هو المأمور به بالأمر الصلاتي»مثلاً.
قلت: هذا يستلزم أن يكون الاسم داخلاً في المسمّى، وهو لا يصحّ قطعاً،ولو قلنا بإمكانه عقلاً.
ج ـ أن يكون بسيطاً، إذ ليس لنا مركّب إلاّ وهو يتّصف بالصحّة والفسادكليهما، فإنّ صلاة الحاضر مثلاً صحيحة بالنسبة إليه فاسدة بالنسبة إلىالمسافر، وينعكس الأمر في صلاة المسافر.
ج1
ولا يخفى أنّ الخصوصيّة الاُولى تثبت بالبرهان العقلي، بخلاف الأخيرتين،فإنّ الظاهر اشتراط اشتمال الجامع عليهما من دون أن يدلّ عليهما برهانعقلي(1).
إذا عرفت هذا فنقول:
نظريّة صاحب الكفاية في تصوير الجامع للصحيحي
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّه لا إشكال في وجود الجامع بين الأفرادالصحيحة، وأنّا لا نعلمه بعنوانه، لكن يمكن الإشارة إليه بخواصّه وآثاره،فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عن الفحشاء، وما هو معراجالمؤمن ونحوهما(2).
فإنّ هذه الآثار لا تترتّب على الصلاة الفاسدة، وتترتّب على جميعالصلوات الصحيحة بمراتبها المختلفة، ووحدة الأثر تدلّ على وحدة المؤثّر،لاستحالة صدور الواحد إلاّ من الواحد، فيعلم أنّ لجميعها قدراً جامعاً مؤثّرفي هذه الآثار.
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
- (1) فإنّ الخصوصيّة الثانية تثبت بالظهور العرفي، والثالثة بالاستقراء، توضيح ذلك: أنّه لا يمتنع عقلاً أنيكون عنوان «ما هو المأمور به» مثلاً جامعاً للأفراد الصحيحة، لأنّ هذا العنوان وإن كان متأخّراً رتبةً عنالأمر المتأخّر عن مقام التسمية، إلاّ أنّك عرفت أنّ في الاعتباريّات سعةً ليست في الواقعيّات، فلا ضيرفي تأخّر عنوان المسمّى عن مقام التسمية، لكنّ العرف يقضي بأنّ للعبادات مسمّيات مع قطع النظر عنتعلّق الأمر بها، فلابدّ من عدم توقّف الجامع على الأمر.
وأمّا لزوم بساطته فلأنّ الاستقراء يشهد على أنّه ليس لنا عبادة مركّبة إلاّ وهي تتّصف بالصحّة والفسادكليهما، وإن لم يكن لنا برهان عقلي على لزوم البساطة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه328)
البحث حول ما اختاره من الجامع
واُورد عليه بوجوه:
1ـ ما أفاده سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله على ما في تقريرات بحثه بقوله:
وأمّا ما في الكفاية: من تصوير المسمّى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عنالفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما، فيرد عليه أنّ المتبادر من لفظالصلاة ليس هذا السنخ من المعاني والآثار، كيف؟ ولو كان لفظ الصلاةموضوعاً لعنوان الناهي عن الفحشاء مثلاً لصار قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَىعَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»(1) بمنزلة أن يقول: الذي ينهى عن الفحشاء والمنكرينهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا واضح الفساد(2)، إنتهى.
ويمكن دفعه بأنّ المحقّق الخراساني رحمهالله لم يجعل عنوان الناهية عن الفحشاءوالمنكر موضوعاً له، بل جعله عنواناً مشيراً إليه، فالمسمّى شيء آخر غيرعنوان الناهية عن الفحشاء ونحوها.
وعلى هذا فلو فرض كون صلاة صحيحة غير ناهية عن الفحشاء والمنكرلما ضرّ بتسميتها صلاةً، إذ النهي عن الفحشاء والمنكر كما مرّ عنوان مشير إلىالمسمّىالذيهوالجامع بينالأفراد الصحيحة مندون أنيكون دخيلاًفيالمسمّى.
2ـ ما ذكره سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» من أنّ صحّة كلامه تدورمدار قاعدة عدم صدور الواحد إلاّ من الواحد، وللحكماء قاعدة اُخرى أيضاً،وهي أنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد، واختلف في كونهما قاعدة واحدة أوقاعدتين مستقلّتين، وعلى الأوّل اختلف في أنّ أيّتهما هي الأصل، على أنّه لو
ج1
فرض كون الأصيل هو أنّ «الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد» أو كونهمقاعدتين مستقلّتين لاختصّت هذه القاعدة ـ أعني أنّ «الواحد لا يصدر إلاّ منالواحد» ـ بالواحد البحت البسيط الذي ليس فيه رائحة التركيب، وهو اللّهسبحانه، ولا تعمّ الاعتباريّات(1).
أقول: صاحب الكفاية استند إلى هذه القاعدة في موارد متعدّدة مع أنّهقاعدة فلسفيّة مرتبطة بالواقعيّات، ولا يصحّ الاستناد إليها في الاعتباريّاتكالفقه والاُصول كما قال سيّدنا الاُستاذ الإمام«مدّ ظلّه».
فهذا إشكال أساسي مبنائي وارد على المحقّق الخراساني رحمهالله .
3ـ ما أفاده الإمام«مدّ ظلّه» أيضاً من أنّ آثار الصلاة بناءً على ما ذكره كثيرة،إذ كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر غير كونها معراج المؤمن، وهما غير كونهقربان كلّ تقيّ، وهكذا، بل كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر ينحلّ إلى آثارمتعدّدة، لتكثّر المنكرات، فأين وحدة الأثر؟!(2)
وفيه: أنّ تعدّد الآثار لا يضرّ بما هو المقصود من وحدة الأثر، إذ اُريد بهأنّ كلّ فرد من أفراد الصلاة الصحيحة يؤثّر في النهي عن الفحشاء والمنكر وفيمعراجيّة المؤمن وهكذا، فلو لم يكن لها إلاّ واحد من هذه الآثار لكان أثرلكلّ واحد من الأفراد الصحيحة، والذي يضرّ بالوحدة المجعولة موضوعةً فيالقاعدة احتمال كون كلّ من هذه الآثار مترتّباً على فرد خاصّ من الصلاةالصحيحة من دون أن يترتّب على الأفراد الاُخرى، وليس الأمر كذلك كما هوواضح.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 102.